الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة حرة ورد الخدود

قراءة حرة ورد الخدود
7 فبراير 2008 00:56
تستحق صور الجمال الأنثوي الأخاذ في الشعر العربي القديم أن نتوقف عندها ملياً لأمرين، الأول: أنها تنبئنا بصدق عن حكمة الشعوب وخبرتها في الحياة الحسية، حيث يرتبط الجمال بالصحة ويشفّ عن ازدهار العافية في منظور الإنسان الواعي بقوانين الطبيعة والحياة· فالجمال الجسدي علامة السلامة الفائقة في أكمل صورها وأكثرها إثارة للإعجاب والافتتان· الثاني: يتعلق بتطوير مهارات التعبير اللغوي والتمثيل الفني في الشعر، حتى يتسع لاحتواء أضواء المرئيات وينقلها الى مستوى جديد بفعل المخيلة التي يتميز بها الإنسان، فالصورة الشعرية نتاج عبقرية اللغة في خلق عوالم أشد بهاء وحيوية من معطيات الحس المباشر وأقدر على تجسيدها وتخليدها· وعندما نقرأ ما قاله الشعراء عن الخدود نجد قواسم مشتركة بينهم وفرائد يتميز بها كل واحد منهم، فهذا ابن طاهر الكاتب والعالم اللغوي الضليع (3000 هـ) يقول: قد صنف الحسنُ في خديك جوهرة وفيهما أودع التفاح أحمره فكل سحر فمن عينيك أوله منذ خطّ هاروت في عينيك عسكره قد كان لي بدن ما مسّه سقم فمنذ لاح له الهجران غيّره قلبي رهين بكفيّ شادن غَنجٍ يُميته فإذا ما شاء أنشره فهو يوظف معارفه في تصنيف أشكال الحسن، فيجعل جوهره في حمرة الخدود واللحظ الساحر، مستعيناً بما اشتهر في الآي الكريم عن سحر هاروت وماروت· لكنه في كل ذلك لا يخرج عن المألوف في وصف محاسن الأشكال في النساء والغلمان أيضاً، إذ إن كثيراً من هذه الأبيات قيلت في صبية لم يتورع كبار الشعراء ولا علماؤهم عن التغزل الصريح بمفاتنهم دون أن يطعن ذلك في مروءتهم· ثم نجد شاعراً عابثاً آخر هو ''كشاجم'' يطبع قبلته على وجنة محبوبته قائلاً: فديت زائرة في العيد واصلة لمستهام بها للوصل منتظر فلم يزل خدها ركناً أطوف به والخال في صحنه يغني عن الحجر وقد كان علماء البلاغة يسمون هذه الطرافة في تشبيه الخال بالحجر الأسود أحسن التعليل دون أن تضيرهم جسارة تمثيل المعشوقات بالمقدسات· أما أبو نواس الذي أصبح رمزاً للعبث واللعب الفني الشائق فنجده يستخدم مقولات علم الكلام والفلسفة في وصف جمال الخدود خاصة إذ يقول: وذات خدًّ مورّد/ فتانة المتجرّد تأمل العين منها/ محاسناً ليس تنفد والحسن في كل جزء/ منها مُعادٌ مُرَدّد فبعضه يتناهى/ وبعضه يتولّدْ وكلما عدت فيه/ يكون في العود أحمد العجيب أن الشطر الأخير، بسلاسته الرائعة وبساطته الآسرة أصبح مثلاً دون أن يدرك القارئ العربي أنه قيل في اجتلاء محاسن الجمال التي لا يطيب العود إلا بمقدار ما يحلو معها· وربما ننتبه الى تشابه هذه الأبيات الساحرة مع بعض الصياغات الركيكة للأغاني المعاصرة لنرى كيف تنهب صور الشعر العتيق دون أن تبلغ شأواً في عراقتها وإبداعها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©