الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلبيات قانون الحد الأدنى للأجور

24 يونيو 2011 22:17
منذ فترة وأنا أتابع تفاعلات ونقاشات بعض الأفراد ذوي الميول الاشتراكية على موقع "التويتر". وفي الآونة الأخيرة لاحظت أن هناك دعوات كثيرة لوضع قانون يحدد الحد الأدنى للأجور في مصر، والرقم المتداول يبدو أنه حوالي 200 دولار في الشهر، حسب تقدير هؤلاء الأفراد. ولعل أول رد فعل بديهي على مثل هذه الدعوات، هو ضرورة الاعتراف من حيث المبدأ بأن وضع سقف للحد الأدنى للأجور شيء جيد بصفة عامة، لأنه يحمي العمال من جشع من يعينهم ويقوي موقفهم في مواجهة مشغليهم وأرباب عملهم. ولكن هل هناك تبعات سلبية أخرى، أو بالأحرى هل هناك عواقب، قد تترتب على هذا التدبير، وتؤدي في المحصلة إلى إلحاق الضرر بالعمال المغلوبين على أمرهم؟ الإجابـة، من وجهـة نظـري الشخصيـة هي: نعـم! لكن قبل أن أبسط الحديث في هذا الأمر، دعوني لأقول في البداية، بدون أي تشكيك في نواياي، بأن من المؤكد بالفعل أن هناك من أصحاب العمل من هم جشعون. ومن المحتمل أن عددهم يزيد أو ينقص بحسب ما تكون عليه الظروف. ولذا فإن هذا الكلام ليس للدفاع عنهم بأي حال، لأن هدفي الوحيد هو المساهمة في حماية حقوق العمال، وليس الإضرار بهم. وكما أن هذا هو دافعي الحقيقي، فأنا متأكد من أن دافع الناشطين الاشتراكيين، المشار إليهم في مستهل هذا الحديث، هو أيضاً حماية حقوق العمال، وإن كنت أعتقد أنهم لم يدرسوا موقفهم جيداً. وإلى السؤال الآن: ما هي تداعيات قوانين الحد الأدنى للعمال، يا ترى؟ الجواب جاهز، دون تأخير، ويقتضي هو أيضاً إثارة حزمة أسئلة باختصار: أولاً: لماذا، يقترحون مثلا 200 دولار؟ لماذا لا تكون أكثر من هذا؟ ماذا عن العمال الذين يعملون وينتجون لأرباب عملهم بأكثر من ذلك بكثير؟ ما الذي سيرغم أصحاب الشركات على أن يدفعوا أكثر؟ فهم سيدّعون أنهم يدفعون طبقاً للقانون! فأول مشكلة هي أنه بوضع هذا الحد الأدنى للأجور من الصعب جدّاً إرغام مالكي الأعمال على رفع الأجور. البعض قد يقول إنه إذن من الواجب في تلك الحالة أن نرفع الحد الأدنى أكثر. والرد على هذا في النقطة التالية. ثانيـّاً: إذا كان الحـد الأدنى مرتفعـاً أكثر من اللازم إلى درجـة أن دخـل صاحب الشركـة أقل من العائد، فمن هو العامل الذي يعمل بالحد الأدنى. أي أنه يخسر من هذا العامل. فماذا نتوقع أن يفعل صاحب الشركة هذا (الذي افترضنا سلفاً أنه جشع ولا يهتم سوى بتحقيق الأرباح)؟ بمنتهى البساطة لن يعين أحداً للوظيفة من الأصل! وقد يريد دفع 100 دولار فقط وليس 200 دولار. وفي ظل قانون الحد الأدنـى فلن يقـوم هذا الشخص بتعيين أحد أبداً. وبهذا بدلاً من أن يحصل العامل على 100 دولار، في هذه الحالة لا يحصل على شـيء! وبدلاً من أن يكون له عمل (حتى لو كان بأقل من السقف المالي الذي يستحقه) سيكون هذا العامل عاطلاً بلا عمل، ولو حتى بنصف الحد الأدنى للأجور! ثالثاً: سيؤدي ما سبق إلى ازدياد في نسبة البطالة وأيضاً ركود الاقتصاد! وبركوده، فسيخسر المجتمع ككل وستزيد نسب الفقر والحرمان. وطبعاً يقل العائد من الضرائب وستتأثر، استطراداً، كل المشاريع القومية والاجتماعية الحالمة التي يهدف إليها الأشتراكيون، وما يقام منها، افتراضاً، سيكون إما رديء الجودة أو حتى مستحيل التحقيق. رابعاً: إن سن قوانين للحد الأدنى للأجور قد يكون عمليّاً أو مفيداً في بعض الدول المتقدمة. ولكن في دول فقيرة أو متعثرة اقتصاديّاً، فهذه القوانين تزيد المشاكل فقط، ولا تحلها. والسبب أن الدول المتقدمة تكون فيها دورة الاقتصاد عادة حيوية وفعالـة لتحمل أي تباطؤ في زيـادة معـدلات العمالـة. أضـف إلـى هـذا أن الشركـات هنـاك عـادة مـا تكون ثرية جـدّاً (ولكـنّ هنـاك أيضـاً كثيراً من الشركات التي تفشـل بسبـب فرض الحـد الأدنى). أمـا فـي الدول المتعثرة (مثـل مصر) فينبغي أن نتجنب مثل هذه القوانين لحين استقرار الاقتصـاد ونمـو الموارد. وفـي انتظار ذلك يكفي أن نقول إنه عن طريق النقابات مثلاً يمكن الضغط على أصحاب الشركات لكي يزيدوا من الأجور بشكل يتناسب مع القطاع والشركة المعنية. ولابد أيضاً أن نتذكر أنه على رغم أن بعض أصحاب الشركات قد يكونون جشعين، إلا أنهم لا يمكن أن يستثمروا أو يزيدوا من دخولهم من غير مساعدة العمال. وإذن، فالمصلحة متبادلة، فهم لهم مصلحة في أن يبقوا على العمال، بل وفي أن يجعلوهم سعداء لكي يزيد الإنتاج وبالتالي يزداد دخل الشركات. والمشكلة، إذن، تنحل عن طريق التوعية العامة لملاك الشركات! وليس فقط للعمال! لكن من المؤكد أن قوانين الحد الأدنى للأجور لن تؤتي الثمار المتوقعة من ورائها بسهولة، وكيفما اتفق، حتى ولو كانت تبدو جيدة سطحيّاً، بل لابد من التفكير في الموضوع بعيداً عن الأحكام المسبقة للإيديولوجيا الاشتراكية، ولابد أيضاً من الروية والعقلانية، وتجاوز عقلية الاستعجال والارتجال عندما يتعلق الأمر بالشأن الاقتصادي العام. إسلام حسين - كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©