الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشاعر العراقيين إزاء الوجود الأميركي

مشاعر العراقيين إزاء الوجود الأميركي
31 يناير 2010 21:12
ديفيد تافوري منسق حكم القانون في السفارة الأميركية ببغداد بين عامي 2006 و2007 منذ ثلاث سنوات تقريباً كان الانتظار لفترة طويلة في سيارة غير مصفحة أمام البوابة المؤدية للمنطقة الخضراء في العراق، يعني أنك قد صرت هدفاً سهلا للإرهابيين. لكن عندما وقفت في طابور انتظار سيارات أثناء زيارة قمت بها لبغداد الشهر الماضي، لم أشعر أن الأمر مرعب على النحو الذي كان عليه من قبل، خصوصا بعد أن بدأ الجندي الذي كان ينظم حركة الدخول والخروج في تبادل النكات معنا، وقدم إلينا زجاجات ماء أثناء انتظار دورنا للدخول عبر البوابة لمقابلة مسؤولين أميركيين. ويعد هذا في الحقيقة تغيرا شاملا في المشاعر تجاه الأميركيين الذين أصبح العراقيون يتعاملون معهم بقدر من الارتياح، وهو ما لم يكن يحدث خلال الفترة التي عشتها في بغداد عامي 2006 و2007. ورغم الهجمات الأخيرة التي طالت فنادق في بغداد، وكانت تستهدف أجانب، فإن ما استنتجناه عن حالة الأمن وعن التحول في المشاعر تجاه الوجود الأميركي يظل صحيحا وتدعمه العديد من الدلائل. من تلك الدلائل مثلا، أن الجنود ورجال الأعمال الأميركيين العاملين في العراق الآن، قد أصبحوا معتادين على الثقافة العراقية بطريقة ساعدت على تقليص العنف، وتحسين مستوى الشراكة بين البلدين، ووضع العراق مرة أخرى على طريق الاستقرار بعد سنوات عديدة من الاضطراب والفوضى. والعراقيون شأنهم في ذلك شأن كثير من العرب، يريدون شيئين أساسيين من خلال تعاملاتهم مع الأجانب: الفرص الاقتصادية، والاحترام (لهم كأشخاص، ولثقافتهم المميزة، وتقاليدهم الدينية). والسبب الرئيسي وراء غالبية المشكلات التي واجهها الأميركيون في العراق يرجع إلى أن المسؤولين الذين خططوا للحرب ضد هذا البلد، ولفترة ما بعد الغزو، قد تجاهلوا هذين العاملين تجاهلا تاما. فعندما احتلت قواتنا العراق عام 2003 قمنا باحتلال القصور العديدة التي كان الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد بناها في مختلف أنحاء العراق، بل واتخذنا من دور العبادة الإسلامية مقار لجنودنا في الفترات الأولى من الاحتلال، وشجعنا جنودنا الذكور على تفتيش النساء العراقيات. بل قمنا بتفكيك الجيش العراقي وتسريح جنوده، دون أن نوفر لهم عملا أو مصدرا لكسب الرزق، وهم الذين كانوا يعتمدون على الدولة تماما في معاشهم. ولم نكتف بذلك بل دمرنا الصناعات التابعة للدولة، والتي كانت توفر الوظائف لأعداد كبيرة من العراقيين، وفعلنا ذلك كله دون أن نوفر لهؤلاء بديلا لكسب الرزق. وعندما اشتدت وطأة التمرد، اعتدنا اقتحام البيوت العراقية دون سابق استئذان، واستخدام الكلاب البوليسية في التفتيش، رغم أن دخول الكلاب للمنازل يعد أمرا غير مرغوب في ثقافة الشرق الأوسط. ونقطة التحول الحاسمة، جاءت كما يقول أحد العراقيين عندما توقف الجنود الأميركيون عن حراسة نقاط التفتيش المنتشرة في مختلف أنحاء العراق، وتركوا هذه المهمة للجنود العراقيين كي يقوموا بها. قال لي ذلك العراقي: في البداية كان الأميركيون يتصرفون على أنهم غزاة ومحتلين لن يغادرون البلاد أبدا أما الآن فهم يتصرفون كضيوف مدعوين". من الأدلة الأخرى على حدوث تحول في مشاعر العراقيين تجاه الوجود الأميركي في العراق، ما رأيته في مقر شركة أمن ودعم لوجستي أميركية ناجحة، تعمل في بغداد أثناء تلك الزيارة. هذه الشركة ليست من شركات الأمن السيئة السمعة التي يرد ذكرها في نشرات الأخبار، وإنما هي شركة تزدهر، رغم أن الحاجة إليها آخذة في التناقص. وتباهى مدير تلك الشركة خلال جلسة جمعتني معه بأن شركته قد حولت الكثير من العراقيين من أصحاب الشركات إلى مليونيرات، من خلال التعاقد معهم لتدبير ما تحتاجه شركته من لوازم وحاجات، كما تعاقدت مع العديد من الموظفين العراقيين ودربتهم على العمليات الأمنية واللوجستية المختلفة. وما قاله هذا المدير يختلف اختلافا كبيرا عما كان عليه الحال منذ عدة سنوات، وذلك عندما كانت مثل تلك الشركات تتباهي بأنها قد نجحت في تنفيذ العمليات الأمنية الموكولة إليها دون أن تفقد عميلا أميركيا واحدا من المكلفين بحمايته، أو دون أن تخسر عربة مدرعة واحدة، أو تتباهى مثلا بأشياء أخرى صغيرة لا قيمة لها في حد ذاتها ولكنها كانت ذات تأثير سلبي على مشاعر العراقيين. ولكي نكون واضحين، يتعين القول إن العراق لا يزال يواجه تحديات رئيسية منها على سبيل المثال الانتخابات المزمع إجراؤها في مارس المقبل. علاوة على ذلك من المتوقع أن تكون هناك انتكاسات أمنية على غرار الشاحنات الأربع التي انفجرت في منطقة وسط بغداد وأدت إلى مقتل ما يزيد عن 100 عراقي. وبينما بدأت الولايات المتحدة تعامل العراق كدولة ذات سيادة، تسير -رغم الانتكاسات الأمنية التي تحدث من حين لآخر- على الطريق المؤدي للاستقرار والأمن، نلاحظ أن هناك إدراكا متزايدا لدى العراقيين بأن الولايات المتحدة يمكن أن تتحول إلى صديق وحليف. من الأمثلة على ذلك أنك عندما تقابل كرديا في شمال العراق، فأول شيء يقوله لك إن قومه الأكراد يشعرون بالامتنان للولايات المتحدة لحمايتهم من نظام صدام حسين الذي ضربهم بالأسلحة الكيماوية، ورحلهم لمناطق أخرى في العراق. وربما يأتي يوم سوف يقوم العرب أيضا بتوجيه الشكر لأميركا خصوصا إذا ما اعترف الأميركيون بأنهم قد ارتكبوا أخطاءً عندما بدأوا عملية إعادة إعمار العراق. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©