الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حوار الحضارات وحق التنوع

31 يناير 2010 21:13
سلمان بارودو كاتب سوري للثقافة أبعاد عديدة، من أهمها المجتمع الذي تشكل ماهيته وشخصيته تلك الثقافة. واحترام الثقافة يعني احترام المجتمع وشخصيته. ولكل من صيغتي الاحترام أسس مختلفة، إذ يتوجب علينا احترام حق المجتمع بثقافته لأن للبشر الحرية في تقرير طريقة حياتهم، ولأن ثقافتهم مرتبطة بتاريخهم وهويتهم، ولأنها تعني الكثير بالنسبة لهم. ومن هذه الناحية فلكل مجتمع حق متساو في تبني ثقافته، ولا أساس لعدم التساوي. إن النظرة الأحادية والموقف المتكبر يرفضان الاعتراف بثقافة الآخر وشخصيته وحضارته،‏ وإن عدم الاعتراف بالآخر وبثقافته يفضي إلي إقصائه وتهميشه‏،‏ وهذا شكل من أشكال التمييز التي تؤجج مشاعر الكراهية كفتيل لإشعال الصراع والصدام‏.‏ فالتعالي المتكبر، السياسي والثقافي والحضاري، هو الدافع إلى النزاع والصراع بين الحضارات، ومن ثم زعزعة أمن المجتمعات الإنسانية واستقرارها‏. لذا كان الاعتراف بثقافة الآخر‏‏ الخطوة الأولى نحو تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات‏؛‏ تمهيدا لإقامة جسور التواصل بينها‏، وهذا هو الهدف النبيل الذي تسعى لتحقيقه بعض المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام بقضايا الحوار بين الحضارات والثقافات‏. يجادل بعض الكتاب في أن كل البشر متجذرون ثقافياً ولهم حق التمتع بثقافتهم الخاصة، وبالتالي يشكل التنوع الثقافي نتيجة حتمية لممارسة ذلك الحق، لذلك لا يكفي منح الأفراد الحق الرسمي بثقافتهم، بل يتوجب على المجتمع خلق الظروف المساعدة على ممارسة ذلك الحق، كتقبل واحترام الاختلاف، وتنمية ثقة الأقليات بنفسها، وتوفير الموارد الإضافية للمحتاجين. ولا يود المجتمع الأعم تحمل تكاليف ذلك، أو تقبل التغييرات الضرورية في مؤسساته عن طيب خاطر، أو كبت نزعته التمثيلية... ما لم يقتنع بأن التنوع الثقافي يصب في مصلحته وأنه قيمة تستحق التمسك بها ورعايتها. إن التنوع الثقافي مصدر من مصادر إثراء الثقافات، وتعزيز قدراتها، وإعطائها أبعاداً إنسانية، وإطلاق العنان لآفاقها الإبداعية الخلاقة. إذ ليس للثقافة سلطة عدا تلك المستمدة من ولاء أبنائها ورغبتهم بالانتماء إليها، لذلك يستحيل الحفاظ على أية ثقافة بالقوة أو اللجوء إلى وسائل وأساليب اصطناعية. أما بالنسبة للثقافة ذاتها فإن احترامنا لها يعتمد على تقييمنا لماهيتها أو نوعية الحياة التي توفرها لأفرادها، ولأن كل ثقافة تعطي استقرارا ومعنى للحياة الإنسانية، وتضم أفرادها معاً في مجتمع متماسك، وتبرز طاقات إنسانية خلاقة... فإن كلا منها تستحق الاحترام. وإن قبول ثقافة الآخر المختلف لا يعني بالضرورة الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الاختلاف معها وبوجود هذه الثقافة وقبولها من قبل الآخر، شرط أن لا تكون ثقافة مبنية على حساب حقوق الآخر ووجوده، كما ويجب النظر إلى الآخر المختلف من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو القومية أو الخلفية الاجتماعية أو الاتجاه السياسي... وطالما أن الاختلاف ليس على حساب وجود الآخر وحياته، فالآخر فرد مواطن، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، فيجب احترام هذا الاختلاف والعمل على تعزيز قبول ثقافة الآخر المختلف. إن احترام الآخرين يتضمن احترام استقلاليتهم الذاتية، بما فيها حقهم في إدارة شؤون حياتهم بالطريقة التي يفضلونها. ويبدو جليا أن أحكامنا يجب أن تنبني على تفهم ودي يتعاطف مع عالمهم ويتفهمه من الداخل، وإلا ظلمناهم وأسأنا الحكم على تلك الخيارات. وبدون أدنى شك فإن الحوار الثقافي بين الدول والشعوب هو بديل عن وسائل العنف والتطرف، فليس هناك من وجه مقارنة بين حوار السلاح وحوار العقول. ينشر بترتيب خاص مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©