الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطلاق من «النذل»

الطلاق من «النذل»
22 يونيو 2012
(القاهرة) - ملامحي الجادة حالت نسبياً دون إظهار جمالي الطبيعي الذي لا أستخدم فيه أي مساحيق أو أدوات تجميل، وانعكس ذلك على تعامل الآخرين معي سواء في مراحل الدراسة أو بعد التخرج، وكان سبباً في عدم إقبال الشباب على طلب يدي حتى أن شاباً تقدّم لأختي التي تصغرني بأربع سنوات وتمت خطبتها قبلي؛ لأن خطيبها يرى أنها خفيفة الظل أكثر مني. عمري ثمانية وعشرون عاماً، أعمل في مكتب كبير من السابعة صباحاً وحتى الخامسة أو السادسة مساء حسب ظروف العمل، منذ أن تحط قدماي في غرفة المكتب أنكب على العمل وأتحرك مثل النحلة، ولا أستطيع أن التقط أنفاسي؛ لأن معظم المهام ملقاة على عاتقي، لأنني الوحيدة التي شربت أسرار المهنة وظروف العمل، ولديّ القدرة على التصرف بسرعة وبشكل سليم ومن دون الرجوع إلى رؤسائي الذين وثقوا بقدراتي، كل ما أستطيع أن أفعله أنني أرتشف كوب شاي في الصباح، وأنسى كل شيء حتى نهاية اليوم. عندما أعود إلى البيت في المساء يكون جميع أفراد الأسرة في انتظاري وقد سبقوني في العودة ونتناول الغداء، ونشاهد التلفاز وأكون أول من يأوي إلى فراشه منهم، لأنني في الغالب أكون أول من يستيقظ في الخامسة صباحاً، حياتي تسير مثل الطاحونة بلا توقف، لذلك انتظر يوم الراحة الأسبوعية بشق الأنفس للاستراحة والتقاط الأنفاس، وأحاول أن أقضي اليوم إما في راحة تامة بين النوم والطعام فقط أو اختلاس بعض الوقت للخروج والتنزه أو زيارة الأقارب. شخصيتي القوية وتصرفاتي الحازمة ربما تكون بشكل غير متعمد، إلا أنها كانت سبباً في تعامل الآخرين معي بالطريقة نفسها، فلم يجرؤ أحد على الخروج عن الحدود، ولا الحديث أكثر من الكلمات المهمة، خاصة أنني لا أرد على أي سؤال إلا بكلمات مقتضبة بالمختصر المفيد، وأحياناً كثيرة بكلمة واحدة ربما تكون نعم أو لا. هذا الشاب الذي يتعامل معنا ويتردد على المكتب مرة أو مرتين كل أسبوع، استطاع أن يقتحم سياج حياتي بطريقته البسيطة الجذابة، فهو ذو شخصية مرحة، في عينيه براءة، عرف كيف يجرني إلى الحديث معه ومجاراة أسلوبه البسيط البعيد عن الإسفاف، وفي نطاق الأدب والالتزام وأيضاً الحياء، وتمادى في الكلام عن جمالي، جعلني أعود إلى المرآة لأنظر إلى نفسي، لا أبالغ إذا قلت إنه أعاد إليَّ اكتشاف جمالي ومميزاتي ولون عيني، أخرجني من القيود اليومية، جعلني أفكر فيما يقول، لكن أمامه أدعي عدم الاهتمام وأتعامل معه بالشكل الطبيعي، وأحاول أن أحافظ على المسافة التي بيني وبينه، وقد نجحت في ذلك. بلا مقدمات، فاجأني الشاب بأنه يرغب في طلب يدي، ولم أتوقع ذلك أبداً، ولم أفكر فيه، ولم يكن تعاملي معه من هذا القبيل، لذا لم أستطع أن أجيبه بالرفض أو القبول وطلبت فسحة من الوقت لدراسة العرض ومشاركة أسرتي في اتخاذ القرار، ووضعت أمامهم كل الحقائق، وما عرفته عنه ولا يرقى إلى صحة الحكم واتخاذ القرار الصحيح، وبعد لقاءات محدودة في أماكن عامة لم أعرف أكثر مما ذكرت عن شخصيته، إلا أنه يأخذ كل الأمور ببساطة شديدة، ولا يقف أمام المشاكل كثيراً ويهون منها. ولذلك طلبت تدخل أسرتي بشكل مباشر فاستقبلناه في بيتنا، ونال إعجاب الجميع أبي وأمي وإخوتي ورحبوا به لأنه استطاع أن يستخرج البسمة من شفاههم ويحول الجلسة إلى لقاء سار بعيداً عن الرسميات أو التجمل في مثل هذه الأحوال، وحصل على الموافقة المبدئية. مع انشغالنا بشخصيته، وتركيزنا على أنني اقتربت من الثلاثين، لم يفكر أي منا في طرح الأسئلة التقليدية حول إمكاناته المادية والمهر والشبكة وما إذا كان يمتلك شقة من عدمه، ولم نتطرّق إلى ذلك إلا بعد أسابيع من إحضار عائلته وقراءة الفاتحة وإعلان الخطبة رسمياً، واكتشفنا أنه لا يملك إلا راتبه المحدود وليس له مسكن، ولا خطة لديه لتحقيق ذلك، وإنما يتركه للظروف وحسبما تسير الأمور، وعندما فاتحته فيه قال إنه سيضع يده في يدي لنبني مستقبلنا معا ونصل إلى كل أمنياتنا وأحلامنا، وبعدما مرّت عدة أشهر لم يتخذ خطوة إيجابية واحدة إلى الأمام وما زلنا عند نقطة الصفر ولم نتحرك من حيث بدأنا. هنا دقت أمي ناقوس الخطر وقررت التدخل بشكل مباشر وتولي قيادة الأمور وإدارة دفتها كما تفعل مع أختي الصغرى التي قاربت على الانتهاء من إعداد جهازها وعلى وشك إتمام الزواج، فعقدت لقاء حاسماً معي ومعه وضعت فيه النقاط على الحروف، وأصدرت ما يشبه الفرمان وخريطة طريق لا بد من الالتزام بها، وأهم بنودها أن يضع كل منا راتبه في يدها أول كل شهر وكل ما يأتيه من منح ومكافآت أو حوافز إلا قليلاً مما نحتاج إليه في مصروفاتنا الشخصية اليومية، ولا يجوز الخروج عن ذلك ولا التحايل حوله، وانعدمت لقاءاتنا، فلا نخرج في نزهة أو زيارة ولا ننفق أي شيء مما نحصل عليه. خلال عام، كانت أمي قد نجحت في تدبير الكثير من الاحتياجات الضرورية وأهمها الشقة التي دفعنا من ثمنها مبلغاً كبيراً كمقدم، ومستمرون في سداد الأقساط، وأيضاً بعض الأثاث والمفروشات والأساسيات، وقررنا أن نتزوج على هذه الحالة، لكن بدأنا نسمع تعليقات غير لائقة من أسرته بأننا استولينا عليه وعلى أمواله رغم أنني ساهمت في تلك الإنجازات بأكثر منه لأن دخلي أصلاً أكبر من دخله، علاوة على أنني ساعدته في إيجاد عمل إضافي، وتحملت أكثر منه المسؤولية، والغريب أنه هو نفسه كان يصدق كلام أهله وهو أدرى بالحقائق كاملة، ويشكو سيطرة أمي على الموقف والتصرف بمفردها، وهو متأكد انه لولا تدخلها ما فعلنا أي شيء ولا أنجزنا أقل القليل من كل ما فعلت. المهم أننا تزوجنا، لكن الخلافات دخلت بيتنا قبلنا لأننا كنا مدينين بمبالغ كبيرة بقية أقساط الشقة وثمن الأثاث، وشغلنا ذلك في التفكير فيه بدلاً من أن نعيش حياتنا ونتعامل مع الواقع ونواصل كفاحنا في بناء بيتنا، كما اتفقنا من قبل، وكانت تلك مقولته وأطروحته، بينما الآن يتبرأ منها ويلقي باللوم على أمي ويتهمها بأنها أغرقتنا في الديون وتركتنا للمعاناة، ونسي أنه لولاها لظللنا بلا زواج وكان مصيرنا الفشل وربما فسخ الخطبة. لم أتوقف كثيراً أمام هذه الفقاعات كي لا أدعها تعكر علينا صفو حياتنا ونحن في مستهلها، إلا أن زوجي ينام ويصحو على انتقاد أمي ويصل به الحال إلى تهديدي بالطلاق، ونحن في الأشهر الأولى من حياتنا، فأدخل في نفسي الرعب والخوف وعدم الاطمئنان على مستقبل حياتنا، يرد الجميل لأمي باتهامها بالتدخل في شؤوننا بلا وجه حق وأكثر من اللازم، ولا يريد أن يعترف بأفضالها عليه، وجعل ذلك قضيته الأساسية واليومية ويحول كل اللحظات بيننا إلى نكد دائم حتى جعلني أكره العودة إلى البيت بعد عناء يوم عمل طويل شاق، وهو لا يمل التكرار والإعادة، حتى سئمت أسلوبه ولم أجد إلى إرضائه سبيلاً. المهم أن المميزات التي كانت في زوجي قبل الزواج اختفت كأنه كان يؤدي دوراً تمثيلياً في مسلسل أو مسرحية، وظهرت الحقيقة المرة حتى وصل به الأمر إلى المزاح في كل موقف بشكل طفولي يجعله يفقد هيبته فأشعر أنني أمام طفل كبير يضعني دائماً في مواقف غاية في الحرج خاصة أمام صديقاتي، وقد طلبت منه أن يفرق بين المزاح وخفة الدم من ناحية والسفه والتدني في التعامل من جهة ثانية، ولم أقنعه بأن يحافظ على احترامه وشخصيته، فيكون رده إذا لم يعجبن، فإنه لا يمانع من الطلاق، وأصبحت تلك الكلمة أكثر الكلمات جرياناً على لسانه عند كل نقاش واقل خلاف، واضح أنني بنيت موقفي بحسن نية ولم أتوقع أن يكون ذاك هو الوجه الآخر لزوجي. السؤال الذي قد يطرح نفسه، وما الذي يجعلني أقبل كل ذلك واستمر في تلك الحياة الشديدة الصعوبة، والإجابة أنني حامل في شهري السادس وأستعد لاستقبال مولودي الأول، ولا أريد أن يأتي إلى الدنيا ليجد أباه وأمه كل منهما في واد، وينشأ يتيماً من البداية، كما لا أريد أن يشمت بي بعض أقاربي الذين عارضوا زواجي منه وانتقدوا طريقته في التعامل والاستخفاف الذي يبدو منه، بجانب أنني قد تكون فرص الزواج بالنسبة لي انعدمت فمن الذي يرغب في زواج مطلقة ولديها طفل؟ وأين يذهب طفلي القادم؟ فلن أتركه من أجل أي رجل مهما كان، ولست على استعداد لتكرار التجربة أصلاً. أخيراً أعلن زوجي صراحة رفضه تحمل مسؤولياته في سداد المستحقات التي علينا رغم أنها كلها قيمة أشياء موجودة بالفعل، وهو يعلم أن أمي هي التي وقعت على شيكات بدون رصيد ضماناً لها ولم تتوقع يوماً أن يتخلى عنها حتى بعدما توقف عن السداد وأقام الدائنون دعاوى ضدها أمام المحاكم، وكادت الأحكام تصدر ضدها كأنها ارتكبت جريمة مخلة بالشرف، وليس من أجل بناء بيته، ولم يحرك هذا التطور والأمر الجلل عنده ساكناً، وسألته عندما وصلت إلى حافة الهاوية، ماذا لو كانت أمك في هذا الموقف، فكان رده صادماً، قال فلتتحمل ما قدمته يداها! هُنا أدركت أن زوجي مستنقع نذالة، ولا أمل في إصلاحه، وقد ضحى أبي وأخوتي كل منهم بكل ما يملك وقاموا بتسديد قيمة الشيكات لإنقاذ أمي من السجن، وتسبب هذا الموقف في كراهية الجميع له جملة وتفصيلاً، لكن لم يبد أي منهم موقفاً لا تلميحاً ولا تصريحاً لي كي أتركه، إلا أنني لم أجد أمامي خيارا آخر، فلا يمكن أن أستمر مع رجل بهذه المواصفات، ولا يمكن أن آمن على نفسي ولا مستقبل ابني معه، فلن يتعلم منه إلا هذه النذالة، واتخذت قراري الذي لا رجعة فيه، فمهما كانت الخسائر، فلن تكون أكثر مما ووقع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©