الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيطان القاتل

الشيطان القاتل
22 يونيو 2012
(القاهرة) - تسلل اللص إلى سطح البناية المتوسطة الارتفاع أثناء الظهيرة، واستغل عدم وجود أحد من السكان في هذا الوقت، فالرجال ذهبوا إلى أعمالهم، والنساء إما نائمات أو مشغولات في طهو الطعام داخل الشقق القليلة العدد، فالبناية تضم عدداً محدوداً من الوحدات، وتقع في الحي الهادئ، والناس قليلاً ما يتزاورون، بل إن كثيراً منهم لا يعرفون جيرانهم؛ لذا كان متأكداً من أن أحداً لن يقابله في هذا التوقيت، وحتى لو تصادف وجود أي شخص، فإنه لن يسأله عن وجهته، العملية سهلة ومضمونة، والأهم أنه لن يدخل أي شقة، وإنما سيصعد إلى السطح لسرقة الكلب الموجود به. وصل إلى هُناك ووجد ضحيته في غرفة تكاد تكون أفضل من الغرفة المتهالكة التي يقيم هو فيها، حدثته نفسه وتمنى لو يقيم هنا ويعمل حتى خادماً أو حارساً، ولكن لماذا وهو لا يريد أن يتعب ولا يجتهد، ودائماً يحلم بأن تمطر السماء عليه ذهباً وفضة وعملات من مختلف الأنواع والفئات، لم يخف الحقد الذي تحرك داخله نحو الأغنياء، وخاصة سكان هذه المنطقة الذين يعيشون في ترف، ويملكون المال والسيارات الفاخرة، لكن كاد قلبه يخرج من مكانه عندما فوجئ بأن ضحيته ليس سهلاً، وأنه أكثر شراسة مما توقع، كان يظن أنه كلب مستأنس وسيذهب به بسهولة وينقاد بهدوء ويذهب معه طائعاً، كما يشاهد ذلك كثيراً في الشارع والحدائق، ارتفع نباح الكلب بشكل ينم على وجود شخص غريب، صوته العالي ونبرته الحادة وصلت إلى كل أرجاء البناية، مما جعل الجميع يتنبهون ويخرج بعضهم ليستبين الأمر، المفاجأة أن هُناك ثلاثة من الشباب في مساكنهم، توجهوا إلى السطح، كان أحدهم صاحب الكلب ويعرف طريقة نباحه، فهو مدرب على ذلك، وتأكد أن ما حدث الآن يدل على وجود شخص غريب، لم يكن الوقت مسعفاً للص كي ينجو بنفسه أو يهرب، فقد حاصروه بسرعة، حاول أن يقفز من أعلى، لكنه وجد نفسه هالكاً لا محالة، لجأ إلى حيلة لا يصدقه أحد فيها، بأنه تائه، لقنوه علقة ساخنة وهو يتوسل إليهم، أوسعوه ضرباً وأصابوه بكدمات كانت واضحة على جسده ووجهه، قرروا أن يسلموه للشرطة، لكنهم اكتفوا بما لقيه، وتركوه ليطلق ساقيه للريح. خرج «اللص عوض»، وهو يندب حظه العاثر ليعود خاوي الوفاض لا يجد ما يشتري به المخدرات التي كان في الأساس يريد أن يسرق من أجلها لا من أجل أن يشتري احتياجات زوجته التي تجلس وحيدة في البيت مغلوبة على أمرها منذ تزوجته قبل عامين ولا تعرف كيف تصلحه، وهو يرفض أن يخرج إلى العمل رغم أنه كان يعمل في حرفة إصلاح السيارات، وكانت تدر عليه دخلاً كبيراً، مما اضطرها للخروج إلى العمل هنا وهناك مرة بائعة في أحد محال الملابس ومرة في مصنع للمواد الغذائية، ومع ذلك تتعرّض منه للضرب والإهانة ويستولي على ما تحصل عليه من أجر عنوة ورغم أنفها، بل ويؤنبها ويعنفها إذا لم تعمل، انقلب الوضع في البيت، أصبحت المرأة فيه هي التي تعول الرجل مع أنه صحيح سليم معافى، وهو ينام النهار ويستيقظ بالليل، ويبقى إما عكر المزاج، وإما على المقهى مع الذين هم على شاكلته. «عوض» مستعد لأن يفعل أي شيء من أجل الحصول على المال لشراء المخدرات التي مسحت عقله وألغت تفكيره ولا يفكر إلا فيها، جلس على المقهى وجد صحيفة في يد شخص يجلس على مقربة منه، لمح إعلاناً يطلب التبرع «بكلية» مقابل خمسة آلاف دولار، فاستأذن منه وسجل رقم هاتف المعلن، لم يضيع وقتاً وقام على الفور بالاتصال به، وأخبره أن لديه المتبرع، وهي سيدة شابة لا تعاني أي متاعب صحية ومستعدة للتبرع له، كل منهما وجد ضالته في الآخر، احتال «عوض» على زوجته واصطحبها إلى المستشفى دون أن تدري في الوقت المحدد لإجراء الجراحة، تم إدخالها غرفة العمليات تحت تأثير المخدر، وقبض الثمن واختفى، بعدما أفاقت وجدت نفسها في سرير بالعناية الفائقة وقد أجريت لها عملية نقل كلى، وعلمت الحقيقة المرة أن زوجها باع كليتها، لينفق على المخدرات. بعد عدة أيام أبلغت الزوجة ضده، لكنه اختفى ولا تعرف أين ذهب، وتوجهت إلى المحكمة لتطلب الطلاق من الرجل الذي لا يستحق أن تعيش معه لحظة واحدة ولا تأمن على حياتها معه بعد أن تجرأ وباع أحد أعضائها، فقد لا يتورع أن يبيعها كلها كقطع غيار بشرية عضواً عضواً إن استطاع، ومن فعلها مرة يفعلها ألف مرّة. ولم تجد المرأة الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة وسيلة للحصول على حقها، بعدما لم يعثر له على أي أثر، وترك عندها ملابسه التي لا تساوي شيئاً وألقت بها في أقرب مكان للقمامة لتتخلص من كل ما يمكن أن يذكرها به ويتسبب في رفع ضغط دمها، وإن لم يكن من طبعها الانتقام، لكنها تتمنى لو أنه أخذ جزاءه وما يستحق من عقاب بما اقترفت يداه في حقها، وان كانت لا تعرف واقعة اتهامه بمحاولة سرقة الكلب إذ لم يتم تحرير محضر فيها ولم يبلغها بها، لكنه الآن مطلوب في واقعة اتهامه بسرقة كلية زوجته والتزوير؛ لأنه وقع بدلاً منها بموافقتها على التبرع بكليتها على خلاف الحقيقة. رحل عوض إلى صديقته القديمة في منطقة نائية كانت مثله يجمعهما تعاطي المخدرات ولم يزرها منذ فترة طويلة، كانت لحيته قد طالت أثناء فترة هروبه إلى أن وصل إليها، رفضت استقباله بحجة الحفاظ على سمعتها وسط الجيران، فوافق مضطراً على الزواج منها لأنه يريد مكاناً يختبئ فيه هذه الأيام محاولاً النجاة من السجن، وتزوجها إلا أن إحدى جاراتها استنكرت مظهر لحيته الكثة غير المهذبة، فأبلغتها كذباً أنه رجل مبروك، من قبيل التندر والسخرية، فأخذت المرأة الكلام على محمل الجد، وأصرت على أن يفحصها لأنها تعاني بعض المتاعب النفسية، ومن جانبه قام بترديد كلمات غير مفهومة، كما يسمع ويرى في الأفلام، ثم أخبر المرأة بأنها تعاني من مس شيطاني وعلاجها يحتاج إلى زوجين من الحمام الأبيض وبطة سمينة وبعض البخور الذي سيتولى هو إحضاره بنفسه لأنها لا تعرف أوصافه، ولم تكذب المرأة خبراً وفعلت كل ما قاله لها، فلم يتراجع عن اللعبة التي بدأها، واستولى على تلك الطيور المذبوحة هو وزوجته، وتمتم بكلمات مثل المرة الأولى ومن المؤكد أنها بلا معنى ولا تشبهها إلا في عدم القيمة وأخبرها بأنها شفيت وادعى أنه عالجها، واستمتع هو وزوجته بوجبة هنيئة نتيجة لتلك المهزلة. لم يصدق عوض وزوجته أن تلك المرأة كانت مثل الإذاعة ووكالات الأنباء، بل أكثر وهي تذيع أخبار هذا المبروك، وقد بالغت في إمكاناته وقدراته، انهال عليه الجهلاء والحمقى واليائسون والأغبياء، يطلبون بركته وينشدون عنده الدواء والعلاج، لم يستطع أن يتراجع وإلا تحول الأمر إلى فضيحة مدوية، ولماذا يتراجع وهو يتكسَّب كل يوم آلاف الجنيهات بلا أدنى مجهود، واستمرأ المسألة وزوجته تعاونه في ترتيب المواعيد واستقبال الزبائن الذين توافدوا عليه وكل منهم يساهم في المزيد من الشهرة الكاذبة والوهمية له على خلاف الحقيقة، والعجيب أنه رغم أن عوض لم يقدم أي فائدة لأي منهم فإنهم كانوا يمدحونه عند الحديث عنه ويبالغون في إمكاناته وقدراته الخارقة. «انتصار» كانت واحدة من الذين توجهوا إليه بصحبة زوجها وأمها، حيث كانت تشكو ألما في الظهر ومنذ عدة أشهر، وهي تتردد على الأطباء والمستشفيات ولم تجد فائدة ولم تتحسن على كل أنواع العلاج التي وصفوها لها، وعندما سمعت عنه هرولت إليه، وبمجرد أن رآها وبعد أن استمع شكواها وصف حالتها بأنها مس من الجان وتحتاج إلى جلسات علاج، وبعد جلستين قرر أن يكثف العلاج، فقام بتوثيق يديها وقدميها بالحبال على مرأى ومسمع من أمها وزوجها وانهال عليها ضرباً باللكمات والصفعات والركلات وهو يأمر العفريت أن يخرج من جسدها، بينما هي تستغيث بهما، لكنهما لم يستجيبا لصراخها وألمها، وظلّت تستنجد حتى فقدت الوعي وراحت في غيبوبة فأمرهما بالعودة بها إلى بيتها وأوهمهما أن ذلك بسبب إرهاق الجان لها، لكن لأنها فقدت النطق والحركة اضطرا للتوجه بها إلى المستشفى، وبنظرة مجردة اكتشف الأطباء أنها تعرّضت لضرب مبرح والإصابات ظاهرة على جسدها كله وتم على الفور إجراء محاولات لإنقاذها، لكنها باءت بالفشل، ولفظت أنفاسها الأخيرة متأثرة بضربات ذلك الدجَّال المحتال لص الكلاب. كان لا بد من إبلاغ الشرطة وتحرير محضر لمعرفة الشخص الذي ارتكب تلك الجريمة واضطر الزوج والأم إلى أن يفصحا عنه، على الفور تحركت قوة من رجال المباحث للقبض عليه، لم يقاوم ولم يساوم انسحب معهم بلا كلام لم يحاول الإنكار، اعترف وأجاب عن كل سؤال تم توجيهه إليه، حتى عند السؤال التقليدي الأخير هل لديك أقوال أخرى اعترف بمحاولة سرقة الكلب وسرقة كلية زوجته، فتم تجميع كل هذه الاتهامات ضده وتحويله إلى النيابة التي أمرت بحبسه، وإحالته إلى المحاكمة مطالبة بسجنه بما يصل إلى أربعين سنة، أي أنه لن يرى نور الحرية مرة أخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©