السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق «باب دكالة» للكتب المستعملة بمراكش تصارع من أجل البقاء

سوق «باب دكالة» للكتب المستعملة بمراكش تصارع من أجل البقاء
23 يونيو 2013 22:25
محمد نجيم (الرباط) - إذا كنت في زيارة خاطفة إلى مراكش، وكنت من عشّاق جمع الكتب القديمة والنفيسة، فلابد أن تستقل سيارة أجرة صغيرة، وتطلب من السائق أن يأخذك إلى سوق «باب دكالة للكتب المستعملة». السائق سيرمقك بنظرة استغراب وحذر تضمر الكثير من الأسئلة من قبيل: هل أنت كاتب أو مفكر أو صحفي؟ أم أنك من عشّاق البحث عن التحف والكنوز والكتب النفيسة والمخطوطات أم أنك تبحث عن كتاب تجد فيه توقيع كاتب من مشاهير الكتاب أمثال كامي أو سارتر أو سيمون دي بوفوار؟. فهذا المكان أصبح من الأماكن شبه المهجورة، ومن النادر أن تجد فيه إلا أهل الفكر والكتّاب والشعراء والأدباء، وزمرة قليلة من السياح الأجانب أو بعض أفراد الجالية الأوروبية، خاصة الفرنسية المقيمة في مدينة مراكش. حوانيت الكتب القديمة عدد حوانيت «باب دكالة»، المتخصصة في بيع الكتب المستعملة والنفيسة، كان يفوق 20 حانوتا، بقي منها اليوم أقل من هذا العدد بكثير، وهي تصارع من أجل البقاء. حيث يقول أحد أصحاب تلك الحوانيت: «في السابق كان عدد الحوانيت، المتخصصة في بيع الكتب القديمة والمستعملة والنفيسة، أكبر بكثير مما هو عليه اليوم، وكان السوق بكل حوانيته يشهد رواجاً ملحوظاً طول العام، وكانت الكتب المستعملة تباع بكثرة، وتعرف حركة كبيرة، وكان عدد القراء أوفر، وكنا نشتري الكتب القديمة، ونعرف مسبقاً أنها ستجد من يشتريها فور أن نطرحها للبيع أو نرتبها على رفوف حوانيتنا البسيطة، كنا نشترى الكتب من المغاربة ومن الأجانب الذين يقيمون في مراكش، وحتى من السياح. وكنا نفاجأ بزيارة كتّاب لهم شهرة في الوسط الثقافي الأوروبي والفرنسي على الخصوص، وأدباء مغاربة وعرب من العيار الثقيل ممن توزع كتبهم ومؤلفاتهم في مكتبات الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه، وكان الأدباء يجدون عندنا طبعات قديمة من أعمالهم. ويضيف: كما كان يزورنا طلبة من أعرق جامعات المغرب ومن البلاد العربية، ويجدون لدينا في أسلاك مختلفة من التعليم الجامعي المراجع التي يعتمدونها في رسائلهم الجامعية سواء الإجازة أو الماجستير أو الدكتوراه، كما كان يرتاد حوانيتنا ومكتباتنا البسيطة قراء أجانب يشترون منا روايات فرنسية تباع بأسعار باهظة في المكتبات الباريسية، ونحن نبيعها لهم بأسعار زهيدة جداً، فنحن نشتري أعمال ومؤلفات كبار الروائيين والفلاسفة الفرنسيين بدراهم قليلة ممن يقصدوننا، ونبيعها بأسعار متدنية جداً، لأننا لا نعرف قيمتها الحقيقية ومدى أهميتها». روايات فرنسية شهيرة ولكن هل هناك من يبحث عن توقيع جان بول سارتر وميشيل فوكو أو جاك ديريدا؟.. عن ذلك يخبرنا السيد أحمد، وهو أحد أقدم بائعي الكتب المستعملة في سوق باب دكالة، أن هناك من السياح الأجانب من تقوده قدماه إلى هنا ولو بالمصادفة، فينبهر بما يجده عندنا من كتب قد لا يجدها في مكتبات باريس العريقة، وإن وجدها فهي باهظة الثمن، لأن الناس هناك تقرأ وتشتري الكتاب فور صدوره، يقول السيد أحمد: «يشتري منا السائح الفرنسي روايات فرنسية شهيرة لكبار الكتاب بأبخس ثمن، ويمكن أن تجد وسط ركام تلك الكتب، مؤلفات وطبعات فاخرة لروايات وكتب لأبرز كتّاب وشعراء فرنسا، بدءاً من جان بول سارتر وميشيل فوكو وجاك ديريدا، ومروراً بألبير كامي ورامبو وأبولينير وألفريد دي موسيه وفيكتور هوجو، وليس انتهاءً بسيمون دي بوفوار، وغيرهم من عمالقة الأدب الفرنسي. كما يمكن لك، إن كنت محظوظاً ومتذوقاً للأدب الرفيع، أن تعثر على طبعة قديمة من أعمال هؤلاء، وتجد فيها توقيعهم أو إهداء منهم، فغالباً ما يبيع الأبناء محتويات مكتبات الآباء، وهم لا يعرفون قيمة الكتب التي تحمل توقيعات مؤلفيها وإهداءاتهم. الكتاب والشباب ويجلس الكتبيّ العجوز الذي باع ملايين النسخ من الكتب لملايين الأفراد على مدى عقود من الزمن في محله البسيط، وهو ينظر بحسرة إلى ما آل إليه الكتاب، فالكتاب لم يعد يغري الشباب كما كان الأمر في العقود الماضية، والناس أصبح تفكيرها «مسطّحاً»، هذا ما قاله الكتبيّ، الذي جلس، وهو يعرض الطبعات النادرة من الكتب القيمة والقديمة، والتي كانت في السابق مفخرة لأصحابها، وأصبحت اليوم تنتظر السائح الفرنسي ليشتري بعضها أو تنتظر أحد المهووسين بالقراءة من القراء المغاربة أو العرب. كتبيّ آخر يشير قائلاً: «أحبّ مهنة بيع الكتب منذ عقود عدة، ولا أفكّر في تغييرها، لأنني تعلمت منها الكثير، ونهلت من معارفها، ولا أريد أن أتنكر لها». وآخر قال إنني من خلال بيع الكتب القديمة والنفيسة أصبحت من أصدقاء كبار الكتاب والشعراء الذين يقصدون محليّ من داخل المغرب وخارجه، وهم يسألون عنيّ دوماً، وأنا أعتز بهم، وبالصداقة التي تربطني بهم منذ عقود خلت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©