الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

طارق البشري : خلاف السلطتين التنفيذية والقضائية قائم منذ قرنين

30 مايو 2006
عرض - حلمي النمنم :
لم يحدد المفكر المستشار طارق البشري -نائب رئيس مجلس الدولة المصري سابقا- تعريفا دقيقا للاستقلال في كتابة 'القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء' لكنه يقول ان لعبة شد الحبل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ليست من نتائج وآثار ثورة 23 يوليو 1952 لكنها أبعد من ذلك بكثير وربما بلغ عمرها 228 عاما· ويقول البشري في كتابه ان الاصلاح القضائي في القلب من الاصلاح السياسي العام والرصد التاريخي يكشف عن ان فترات او لحظات نهوض القضاة للدفاع عن النظام القضائي والوظيفة القضائية تأتي عندما يمر النظام السياسي بازمة او ضائقة وجرى ذلك في عامي 1951 و 1952 حين كان الملك فاروق في شهوره الاخيرة وحدث في عامي 1968 و 1969 ما انتهى بما عُرف بمذبحة القضاة ووقتها كانت هزيمة 1967 قد وقعت وانكسرت ثورة 1952 وكان الرئيس عبدالناصر يعاني النكسة، وهو اليوم يحدث ويقع من جديد ولا احد يمكن ان يتنبأ كيف تنتهي الازمة الراهنة ويخلص البشري الى ان نظم الحكم عندما تكون قوية فيما تقدمه للناس من سياسات نافعة وناجحة وفيما تستند اليه من مسوغات شرعية سياسية وثقافية وفيما تشيعه لدى الناس من روح الامل والرجاء القائم على شواهد مقنعة فانها تتعامل بثقة وباطمئنان وبقدر من الشجاعة اما عندما تفقد هذه القوة ولا تقدم ما يقنع الناس ويزداد الاحباط جراء السياسات الاقتصادية والاجتماعية فان الانظمة تكون في أشد الاحتياج الى ان تتستر بسياساتها وتتخفى وراء آخرين ويبحث القرار السياسي عن حجب واقنعة ويبدأ اختراق مؤسسات لديها مصداقية عند الناس محاولا احتواءها مثل القضاء وينهض القضاة للتمسك باستقلالهم وثوابت تقاليدهم كلما ادركوا ان المقصود هو استغلال حيادهم الوظيفي لتحقيق اهداف سياسية او اجتماعية او تمرير قرارات وسياسات تخدم القائمين على الحكم·
ضد الدستور
ويقول البشري ان الدستور المصري عام 1971 نص على ان السلطة القضائية مستقلة وان القضاة لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لاي سلطة التدخل في القضايا او في شؤون العدالة وان القضاة غير قابلين للعزل وهي نصوص تدعم استقلال القضاء عما قرره لهم دستور 1923 ولكن قانون السلطة القضائية الذي صدر عام 1972 لم يلتزم بما نص عليه الدستور في توزيع السلطات داخل الهيئة القضائية ولم يلتزم بالنزاهة في هذا الشأن لانه أقام من وزير العدل وهو من السلطة التنفيذية مديرا للقضاء ولا يجادل احد في ان ادارة العمل جزء من التدخل في شؤون القضاء وان وزارة العدل فرع من السلطة التنفيذية وبمراجعة مواد قانون السلطة القضائية نجد انه منح وزير العدل بصفته التنفيذية الكثير من السلطات والتدخل في شؤون القضاء والمادة 5 تجعل تشكيل المكتب الفني لمحكمة النقض بقرار من وزير العدل والمادة 9 تجعل الوزير ينتدب رئيس كل محكمة من المحاكم الابتدائية والمادة 24 تجعل الوزير يشكل النيابة العامة لمحكمة النقض والمادة 26 تنص صراحة على تبعية رجال النيابة العامة له·
ويطالب قضاة مصر منذ سنوات بالاستقلال الذي اقره الدستور وحصلوا على بعض الحقوق في مؤتمر العدالة الاول الذي نظمه نادي القضاة عام 1986 وتواصلت المطالبة بقانون استقلال السلطة القضائية·
وأضاف أنه في يوليو 2000 اصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما بوجوب الاشراف الكامل لاعضاء الهيئات القضائية على العمليات الانتخابية او تصبح الانتخابات باطلة بحكم الدستور وتصير القوانين التي تحول دون الاشراف القضائي الكامل باطلة، وجرت الانتخابات البرلمانية عام 2000 دون ان يتمكن القضاء من مد ولايته الكاملة على العملية الانتخابية وظهر بها عوار وضعف اتضح في كثرة الطعون الانتخابية التي رفعت الى محكمة النقض والقضاء الاداري اثناء العملية الانتخابية وبعدها ثم صدرت احكام النقض مؤكدة الخلل الذي شاب العملية الانتخابية وجاء موسم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2005 فنهض القضاة يطالبون بصدور قانون استقلال الهيئات القضائية ومنحهم كافة الضمانات التي تمكنهم من اداء واجبهم الدستوري وبدأ الهجوم على القضاة، بسبب ما يسميه البشري فتنة الانتخابات التي اصابت السلطة القضائية ووضعتها في امتحان عسير·
تاريخ غير كريم
ويقول ان تاريخ الانتخابات في مصر غير كريم وواقعها أليم خاصة ان الاوضاع السياسية والتاريخية الدولية تفرض على الدولة تعدد السلطات وتعدد الاحزاب لكن الدولة تصر على ان تكون سلطة واحدة وذات تنظيم واحد حتى لو بدا الشكل غير ذلك والدليل ان المجالس النيابية التي تشكلت جميعها في ظل دستور 71 كان التنظيم السياسي الوحيد يحصل على اكثر من 80 في المئة من المقاعد عدا برلمان عام 1987 الذي حصل فيه ذلك التنظيم على 78 في المئة من المقاعد اما برلمانات الاعوام 95 و90 و 84 و79 فلم تقل نسبة مقاعد الحكومة عن 90 في المئة وتم التوحيد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والهدف ان تضمن الدولة نسبة ثلثي المقاعد اللازمة لتمرير اي قانون او خطوة استثنائية وهي تتحوط من نسب الغياب او الانفلات فتؤمن نفسها بحوالي 80 في المئة من المقاعد وبعد ذلك رؤي ان نسبة 20 في المئة للمعارضة كبيرة خاصة ان الاعضاء نشطون ومتحمسون، فتقرر الاكتفاء بنسبة 10 في المئة فقط لهم وفي عام 2005 وقت الانتخابات كان على القضاة ان يواجهوا ذلك ولم يكن التساؤل هل هم قادرون على ذلك ام لا؟ بل هل سيتمكنون من اداء دورهم؟
وأوضح البشري أن مطالب القضاة يتقدم بها نادي القضاة عبر مجلس ادارته وهو ليس مجرد ناد اجتماعي يقدم خدمات لاعضائه وهو ايضا ليس كشأن النقابات المهنية التي تقوم للدفاع عن حقوق العاملين بها بل هو كل ذلك وهو التشكيل المؤسسي الوحيد الذي يجمع في عضويته القضاة جميعا بكل تخصصاتهم ودرجاتهم ومستوياتهم وهم حوالي 90 في المئة ممن يشكلون السلطة القضائية في مصر كما حصرها الدستور والبقية اعضاء مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا وهذا ما يعطي النادي تفردا شديدا ويجعل دوره يفوق دور النقابات المهنية فهو يحرس اعضاءه ويحرس تقاليد القضاء واعرافه وحسن ادائه والسلطة القضائية بحاجة الى حراسة دائمة لانها معرضة لتجاوزات السلطات الاخرى خاصة السلطة التنفيذية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©