الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

خليل أحمد : مأساة العالم العربي الراهنة أنه عالم جماهيري

30 مايو 2006
عرض- د· رسول محمَّد رسول :
رغم أن الدراسات الاجتماعية قد عكفت على تناول مشكلات المجتمع العربي والإسلامي خلال القرن العشرين، وقدَّمت عددا لا يُستهان به من الدراسات النظرية والتطبيقية الميدانية، إلاّ أن تلك الدراسات ما زالت ضيقة الأفق ما يتعلق بإحاطتها الشاملة في تناول جوانب باتت مهمة في حياة المجتمع العربي والإسلامي، ولعل كتاب المفكر اللبناني 'خليل أحمد خليل' (سوسيولوجيا الجمهور السياسي الديني في الشرق الأوسط المعاصر)، الصادر مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، قد أحدث قطيعة في المجال الذي اشتغل فيه، أي علاقة الجمهور بالنُّخب السياسية والدينية بمنطقة الشرق الأوسط، وهي دراسة تبدو في سياقها وفي سياق الدراسات الخاصة باستقراء أوضاع الجمهور في المجتمع العربي عبر علاقته بقوى النفوذ وإدارة الصراع في فضائه·
بعد المقدِّمة، جعل المؤلف كتابه في ثلاثة فصول، درس في الأول أوضاع ما أسماه بـ (السياسي)، وفي الثاني درس ما أسماه بـ (رجل الدين)، وفي الثالث درس ما أسماه بـ (الجمهور)·
في كل فصل لجأ المؤلف إلى التحليل الأفقي لأوضاع السياسي ورجل الدين والجمهور من حيث المرجعيات التي ينطلق منها كل عنصر من هذه العناصر، ومن حيث العلاقة بين المرجعية والفعل المعبر عنها، كذلك من حيث علاقة الفعل سوسيولوجياً بالمجتمع بكل ما فيه من أفكار ووسائل تعبير وتصادمات واعتراضات، ومن حيث جملة من البُنى الصغرى التي تؤثر في علاقات كل واحد منها بالآخر في خلق مشهد يبدو معقَّداً وشائكاً وفق رؤية الكاتب النقدية·
الالتباس الكبير!
في شأن السياسي أو رجل السياسة، الذي هو المتغلِّب في بلداننا العربية، قال المؤلف: ليس قليلاً أن يحدث مبكراً في الإسلام طلاق بين الديني والسياسي، وأن يحدث تالياً استيلاء السياسي على الديني وسط الجمهور بقوة السلطة والمال والسلاح، وليس قليلاً أن يسير الدين خارج الزمان، وأن يُحصر في أماكن مقدسة، مثل شعائر عامة كالحج وطقوس خاصة كالمقامات والمزارات لدى المذاهب الإسلامية·
أما لدى الجمهور فاختلطت ضرورات مذاهبه، كما اختلطت ضرورات تنظيم الجمهور في دولة بضرورات ربط الدولة بالدين، من جهة الحاكم، للسيطرة على المحكوم· وفي هذا المضمار التاريخي والتبادلي حصل الالتباس الكبير بين السياسي ورجل الدين والجمهور، وبات الحاكم يُصادر على الدين لمصادرة الجمهور، تارة بالمظهر الديني، وغالباً بقوة المظهر الديني·
وفي ضوء ذلك، أردف خليل قائلاُ: إن الجماهير التي يُعزى إليها صنع التاريخ، إنما تستعمل غالباً لصنع تاريخ لفئات أو طبقات أخرى، كالنحل الذي يُسرق عسلها وكالأشجار التي تُؤخذ ثمارها؛ وأن مدح الجمهور، في الخطابين السياسي والديني، إنما يُستعمل لاغتصابه، ولإقامة ديكتاتورية باسمه، إدامة تخلُّفه وجهله وفوضاه، وأن مأساة العالم العربي الراهنة أنه عالم جماهيري، (بمعنى الجمهور الغائب لا الشاهد)؛ وأنه تاريخ التباسي، فهو لا جمهوري ولا ديمقراطي ولا علماني إلاّ في توصيف أيديولوجي· وفي النهاية يقدِّم المؤلف جملة من الأسئلة المهمة يترك الإجابة عنها للجمهور نفسه، فيقول: منْ المنبوذ لدى الجمهور العربي: أهو السياسي المهزوم، التابع، المحايد، أم المخاتل؟ أم المهزوم هو رجل دين تابع للسياسي، جاهز لخدمته كموظف في أجهزته؟ أم أننا نشهد مولداً لسياسي مقام ورجل دين مقاتل؟ أما عن رجل الدين، فقد ناقش المؤلف جملة من الطروحات التي تصدت لنقد الخطاب الديني في الشرق الأوسط· لقد تساءل الكاتب اللبناني مرة قائلاً: كيف يسمون رجل الدين عالماً؟ وأرادَ أبو فخر نزع صفة العلمية عن الفقهاء، ودعا إلى أن يبقى رجل الدين رجل دين وكفى! وهنا اعتقدَ المؤلف أن أبا فخر يعبر عن رأي جمهور النُّخبة العلمية الجديدة في العالم العربي التي تقول بضرورة فصل العلم عن الدين، وتساءل خليل، بروح نقدية :هل بات العلماء العرب المعاصرين في موقع يجعلهم حقاً بإزاء رجال السياسة المستعين عليهم برجال دينهم أو جمهورهم المشترك؟
المعرفة والتراجع
في هذا السياق المجتمعي القلق، يحيل ضعف الجمهور وخوفه الفرد إلى مجهول (دين، رجل دين) يتدبر بدوره المجهول، بشراكة مع رجل دين، قد يكون أحيانا هو نفسه رجل دين، وسوسيولوجيا يتحدد إذا بالجمهور نفسه النوع الديني ومعنى التدبير السياسي / الديني· ويذهب المؤلف إلى أن الجمهور يتراجع كلما اكتفى بمعرفته الدينية، وانفصل عن معرفة عصره العلمية / التقنية· لكنه في الشرق العربي الإسلامي، يتراجع إلى أين، ما دام الشرق الآن على المحك؟ ربما سيأتي من بعده دور المشرق العربي الأفريقي والمغرب العربي الكبير، حتى موريتانيا! عمليا، يتراجع من فراغه السياسي إلى فراغه الديني، حيث يؤدي سلوكه إلى نقل السلطة من الدولة إلى المجتمع ومرجعياته·
خلُصَ المؤلف في هذا الفصل إلى أن الدين هو ناظم جزء قدسي من حياة الجمهور، من الدنيا إلى الآخرة، بما يعني أنه لا يقابل الدنيا، بل يقع فوقها، مثلما يقع رجل الدين في درجة فوق جمهوره· إذ ينظر الفقيه إلى وظيفته على أنها مركبة من دنيا ودين، وأنه بذلك يمانع الفصل بين الدين والسياسة، وتقع على كاهله مهمة مركبة، مزدوجة: منازلة الفلسفة وعلومها الناشئة، بعلم ديني يحتكرهُ وحدهُ؛ ومحاربة العَلمانية والعَلمانيين، باسم تصورهُ الفقهي لدينه، مع تعبئة لجمهوره· وهنا يظهر جلياً ألا معنى للفصل بين الفقهاء والسياسيين، ما دام الفقهاء المسلمون يرغبون في ممارسة السياسة والمشاركة في السلطة ولو كموظفين إنْ تعذَّر تحول الفقيه نفسه إلى حاكم· سوسيولوجيا رجال الدين هم فئة اجتماعية مختصة بأدوار مميزة وسط جمهور المؤمنين·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©