الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عاشق العراء المبجل

عاشق العراء المبجل
16 يناير 2013 19:45
بين ضلوعي حريق، وأنا الغريق في طريق لا أستفيق، أسأل عني وعنكَ ، وعن ذلك المحتال في صدري، أسأل لعلي أعثر على قطرة من حفرة، من طفرة، من صخرة، من غصن في شجرة، لعلي أسكن الريح وأمضي في فضاءات مترامية، لعلي أخضب يدي بحبة عرق بعد أرق، وبعد أن افترق الوريد عن الشريد في عقد نضيد، أصفد الأشواق وأمد الأحداق، وأنتظر كيف يمكن للسؤال الوجودي أن يختصر الزمان والمكان والأشجان والألحان والألوان والحنان، ويبوح عن سر التشظي، حين يبدد الشطآن أسنان شظف وتلف وكلف وعجف وسف ونسف وخسف. بين ضلوعي مضغة من ومضة، وعضة من لحظة، أشاعت فضيحة انتمائي وإنشائي واحتوائي واستوائي، ودهاء المرحلة المستبسلة بإغرائي أنني في العهد وعد وعهد، ورعد يزلزل النجوم، ويثري التخوم، ويفشي للعيون أسرار المطر، وزخات البلل، وعنوان الزلل، حين يكون النث شيئاً من رحلة في قماشه المدنفين الغارقين في شؤون عدالة الأشواق.. وبيني وبينك رسائل تلاقٍ وتساقٍ، وتوق وشوق وأشياء أُخر تشبه الجلجلة، عندما تمتطي الجسد مطايا الرعشة المذهلة، في الذروة القصوى لمراحل ما بعد فراغ المرحلة. حمّال الأسى أنت أبو صابر حمّال الأسى، حين كانت الصحراء أشبه بالجحيم اللئيم، أشبه بالدرس المغلف بالتعتيم، أنت أبو صابر خيل الصحراء، عاشقها ومفسر أحلامها، وقارئ كف النُهد الكواعب، وراعيات السراب في لهفة اللظى، الكاسيات الشوارد، الشاديات باسم الجذر الرفيع، وأوتاد وعماد وسهاد وعتاد، وسواد السابحات المتساميات أنوثة ولدونة وخصوبة وعذوبة، الرابضات على الجبل المبجل، الناهضات مجوناً وفنوناً وشجوناً، الذاهبات في الشوق فتنة ومحنة ومنحة وسحنة وفطنة وحنكة المتلفات جنوناً. أنت أبو صابر المثابر المغامر، الساهر المجاهر المكابر السامر، الساحر، المتفاخر، الناخر المتناحر، الطائر السائر، القادر، الحاضر، الخافر، الناعر، الداغر، الداجر، الساخر المسافر، القاهرة، النادر، الحائر، الجائر، الجاسر، الحاسر، الحاشر، أنت أبو صابر، سفينة وسكينة ومدينة، وأنت المشيئة التي شاءت أن تكون صدراً وظهراً وقدراً وبدراً ونهراً وبحراً ودهراً، وزهراً، وقهراً، وسطراً وحبراً، ونحراً وفجراً وفخراً وذخراً، وسفراً، ودوراً وطوراً، ومطراً، وجزراً، وكِبراً وصِفراً، وحجراً، ونُذُراً ونَذْراً، وعمراً، وسُحراً وسَحَراً وصُوراً وسُوَراً ومئزراً ومَصدراً. أنت أبو صابر الحليف الأليف، الظريف الطريف، المنيف، الرهيف، الرئيف، الكليف، التليف، الحنيف، اللطيف، القطيف، الرجيف، الرديف، الرسيف، الوصيف، الوريف. أنت أبو صابر، في الزمن الغابر، كنت الخل الوفي، والنهار المضيء على قصيدة مدنفة، مشنفة في اللوعة، أنت.. أنت الذهب والعتب والعذب والخضب والخصب والنحب والسحب، أنت الغضب، والنقب واللقب والحدب والحدب، أنت الخطب، والكُرب والصخب والحزب والحرب والسطر والشطر، والسفر والنحر والصدر والفجر والقدر، أنت أبو صابر في المكان حمالة الحطب، وفي الزمان لوعة في القلب بلا عتب، أنت الغب والشخب وأنت الحطب، أنت في الزمان أسطورة الأثقال والأهوال والموال والدلال والزلال، والأقوال والأمثال والامتثال، والبذرة الصحراوية في ساعة التشظي والتلظي، أنت الحلم المشرد في العراء، تبحث عن خطم تاه في طريق المراحل المهرولة، والسواحل المسترسلة، في وقار ودُوار.. أنت نقطة البدء، حين كان الشراع سيقانا أربعة، تحفر في الرمل، كأنها المناجل المؤدلجة، وتخصب الأمل بالعزائم المدججة، فلا شيء يثنيك ولا يغنيك ولا يفنيك، لأنك كنت في المرحلة الحلم والقلم والناي الموزون بالكلم، كنت السطوة والنخوة، وكنت الورطة الجميلة في عيون المحاصرين في الصحراء، أعواد النار وقطرة الارتواء، المنجزين على سفح الرمل، عريش الهفهفة وخيمة الدفء، الزاحفين على موجات التراب، متقين اللهيب العجيب المهيب، وحومة المريب، من دبر أدمن قُبل.. أنت أبوصابر، قدرة الكائن المبجل على ظهرك الفسيح تدفق القطر من خزف السقيا، وكنت تنهق بأناة وتؤدة، وتسحق الأرض بقوة الإرادة. على ظهرك الدلو تنحدر نحو الجدول تدلي بخطمك، تلعق العذوبة بشغف، تحدق في من حولك، تُضيف حليفك فينزل الدلو في قعر الماء، يحدب وأنت تصطف في الجانب الآخر، تنتظر نهاية الرحلة الأليمة، تنتظر الرضى والمغفرة، تنتظر العودة الميمونة إلى مربط السكينة، تنتظر الجزية من يد المعروف ثم تنهق رافعاً خطماً عظيماً إلى السماء، ثم تنهق وتنخر وتحرف في أنفة الكائنات العظيمة.. تفكر دائماً في الغد الآتي، تفكر في صاحب لا يسوط بغضب ولا يفرط في العتب، تنتظر زمناً جديداً يخلصك من الشهيق والنهيق، يحررك من حرائق الصحراء وحرقة الأحمال.. تنتظر كل شيء يعفيك من مهمة الأسفار الطويلة.. تحسد الكلاب والقطط وتغار من انفلاتها ولهوها وعبثها في الأزقة كأنها صغار البشر. وبعد زمن لم تبق غير الذكرى، وذاكرة عامرة بالصور والمشاهد، غامرة بأشيائك الصغيرة، الضائعة في غضون الصحراء، وتجاويف عرائك الموحش، الآن وقد صرت في الطلاق الأخير، صرت العاري، من اللجام والحزام والسنام، تخبئ أسرارك تحت الأشجار أو خلف الكثبان، تطفئ نيرانك الجسدية في الهواء الطلق، وتطلق الصيحة عالية، منشداً باسم الحرية البلهاء، وفي الخضم ينتابك الأسى، لأنك أصبحت بلا معنى، ولأنك صرت بلا خشخشة، الأجراس حول عنقك المعظم، صرت شيئاً يذوب في اللاشيء، وينتهي جيفه في الفراغ الوسيع. وحدك في الصحراء أبو صابر، وحدك الآن في الصحراء يلحقك ظلك ويلفك ظلام الوحشة، وحيداً فريداً في الفجيعة، والذين كانوا يغنونك بالنشيد ساروا بعيداً، بعد أن أصبحت الصحراء مرتعاً لعويل الفراغات الوسيعة، صارت مهجعاً، لصور كلما بللتها الشمس بعرق اللهيب، وكلما شاب الظلام قدرة الضواري. أبو صابر، على رصيف تخضه الذاهبات بسرعة الريح تقف متوجساً متفرساً، متغطرساً، محترساً، مكدساً بمشاعر مبهمة، غائمة معتمة، مظلمة متجهمة، مفعمة بغموض ورضوض، تنقض فجأة على الفراغ، تفر كأنك الأرنب المذعور، متجاهلاً الألفة القديمة، متعالياً كأنك تهبط من فضاءات بعيدة، تحرس الشارع المتهور بشغب الكائنات المندهشة، تغرس خطمك في كومة عشب يابس، ترفع رأسك، تهز ذيلك، تغادر المكان إلى مكان آخر، أحياناً تبحث عن أنثى، وأحياناً تبحث عن نفسك، وأحياناً تذوب في اللاشيء، متحزماً بإرادة الوحدة الأزلية والضياع المريع في أتون صحراء، ضيعت أشياءها بمجرد غفلة مفاجئة. أبو صابر.. وحدك الآن تقرض شعر البلبلة، وتنام تحت جذع، تتسلى بذيلك الطويل، تروغ به ذبابات الشغب ثم تغمض العينين، ربما لست قريراً لكنك تستلقي كما هي الحشائش المهجورة، وأشجار الغاف المنثورة بفوضى خلاقة.. أبو صابر لست أنت الصديق العابر، بل إنك الشيء الذي بات مثل غيمة بلا مطر، مثل شجر بلا ثمر، مثل عمر بلا زهر، مثل النخب المهدور على حجر.. أبو صابر وحدك الآن في هذه الرمال المتحركة تحرك ذيلاً، وترخي خطماً، وتختم العمر بفجوة وسيعة، سعة الزمن الذي مرَّ حولك، دون أن تأكل العشب من يد تحبها. أبو صابر.. لست الآن حماراً يحمل أسفاراً، ولا النهار من حولك يذكرك بمغيب شمس ليأتي يوم جديد، وأنت في مهد الصحراء تتوسد الرمل، ولحافك رقبة امرأة، تود أن تحظى بكائن محب لا يخون ولا يعشق سوى أنفها المبجل.. أبوصابر تنهض الآن، وتعفر الغبار، وتنثر التراب، وتطلق السيقان للهواء، تعربد وتسرد وتجرد وتنود وتغرد وتنشد، ثم تعود أدراجك تبحث عن ظلك، عن رائحة إنسان كان يحاذيك ويجاريك ويساورك عن نهار جديد، تكون أنت الصاحب، والصاخب، والواهب، والذاهب، والشارب، والمحارب، والطارب، والغارب، والقارب، والسارب، والناخب، والجاذب، والحادب، والساكب، والراهب.. أبو صابر.. تأخذ الآن رشفة من عيون الصحراء، تأخذ سعفة، تأخذ نفة، ثم تلقي بالجسد على الرمل، تسأل عن صوت امرأة كأنك تمسح أذنيك، تهدهدك، تشذب شعرات عنقك، ثم تودعك لتنام قرير العين هانئاً.. وتودع أنت الرائحة الأنثوية، بسكينة الكائنات الوفية.. تودع يقظتك، وتغمض العينين نافخاً في التراب، طارداً تعب نهار بأكمله.. أبو صابر.. كنت في الصبر جبلاً، وكنت في الوفاء خلاً، وكنت الرفيق في الطريق، وكنت النُدرة في أحشاء صحراء مبللة باليباب، مزنجلة في الغياب الأبدي، مكللة بأوراق الجفاف والجفاء، مغربلة بعصف الضواري، مدهشات الظلام المريع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©