السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عالم مسطح.. وكائنات سطحية

23 يونيو 2013 22:30
عندما تكون على مقربة من اشتباك محلي مسلح متصل بحدث إقليمي يُبحث في اليوم نفسه في قمة قادة القوى العظمي، تدرك عن قرب كم أن العالم صغير جداً جداً. على وقع أزيز الرصاص والقذائف وشريط الأخبار ذات الصلة، لا شيء يمنع أن يكون تفكيرك كونياً، فكل السياسة وكل التصريحات والمواقف بل كل الإعلام الدولي تعيشه بتجلياته على مرمى البصر ومدى السمع. كنت اقتنعت نسبياً بنظرية الكاتب الأميركي توماس فريدمان عن "العالم المسطّح" منذ صدور كتابه الشهير (The World Is Flat ) قبل سبع سنوات الذي تحدث فيه عن ثلاث موجات من العولمة، وكيف أن الأفراد باتوا القوة المحركة للموجة الثالثة من العولمة التي نعيش، بعدما كانت الدول هي القوة المحركة للموجة الأولى، ثم كانت الشركات القوة المحركة للموجة الثانية. العالم يبدو فعلا بدون حواجز في شؤون كثيرة يصعب حصرها، نعم ثمة كائنات كونية تفكّر وتؤثّر وتتأثر بكل شيء يدور في العالم من حولنا. هذا ما يؤكده أزيز الرصاص وانفجارات القذائف العابرة للحدود وعمليات الخطف على وقع أنباء القمم والقرارات الأممية إلى جانب مستجدات الأزمات العالمية الأخرى التي تطالنا مباشرة، من أزمة ارتفاع أسعار الغذاء إلى أزمات أوروبا مع الركود والانكماش الاقتصادي، وقبلها أزمات أسواق الائتمان والعقار والاقتصاد الأميركي، مرورا بأسعار النفط والطاقة وانعكاسها الفوري على كلفة تنقلاتنا اليومية. لكن في هذا الطور من العولمة التي يحركها الأفراد بشكل رئيسي، لا يتساوى الجميع بالتأكيد بحق "الكيانية الكونية" الفاعلة، فمقابل هذا الامتياز كثيرون يمكن أن يتحولوا، عن رضا أو غفلة، إلى مشاريع ضحايا بسرعة قياسية ومن دون أي سابق إنذار. وثمة من هم أكثر بكثير ممن ارتضوا أن يكونوا مجرد "كائنات سطحية" يدورون في فلك العولمة ويتلقون آثارها مهما كانت كارثية على حياتهم ومستقبلهم ومصيرهم ومصالحهم، وهؤلاء ما زالوا بعيدين عن إمكانية الارتقاء إلى مرتبة الكائنات الكونية الفاعلة، لأنهم أسرى تفكير أو نمط عيش سطحي تفصله هوة سحيقة عن إدراك "العالم المسطح". يمكن إدراك هذه الهوة ببساطة من خلال المقارنة بين قوى تنعم، رغم مشاكلها وأزماتها المالية، بالأمن والأمان، الاقتصادي والوجودي، وبين أمم وشعوب تنهش لحم بعضها، سواء كان ذلك بجهل منها أو بإرادة غيرها. هذا الواقع المعاش- على أزيز الرصاص- أكثر صدقاً من الجدل العقيم عن وجود أو عدم مؤامرات، كل شيء على مرأى النظر، بالعين المجردة، هنا كل شيء واضح رغم تعنت البعض وراء التعصب ومتاريس العشائر والمذاهب والأحزاب، وغصباً عن كل تحليلات وتقارير السياسة والإعلام التي تضيع في التفاصيل وتغوص في النظريات وتسهم غالباً في تأجيج النزف فيتكاثر القاتل والمقتول ونتحول كلنا مشاريع ضحايا سطحيين. ما نعيشه هنا سبق وتحدث عنه فريدمان في الكتاب نفسه، ولكن بطريقته حين أشار إلى أن أغلبية العالم لا يشارك في العولمة الكبرى الجارية، بل هو مشغول بالبقاء على قيد الحياة، ويعاني "المرض والفقر والجهل والتخلف والحروب والصراعات". المأساة لا تكمن فقط في أن لمنطقتنا نصيبا كبيرا من هذه الغالبية المهمّشة. بل لأنّ هذا النصيب يزداد حالياً وسيزداد كل يوماً، كلما ازداد الفقر والمرض والجهل مما سيؤدي في المستقبل إلى جولات أخرى من التعصّب الذي سيفرز مجددا كائنات سطحية وهامشية، وكأننا بذلك سنبقى حتى إشعار آخر مجرد لزوم.. للعولمة الثالثة. د. إلياس البرّاج | khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©