الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقد الضياع الأميركي: إفراط في استخدام القوة

3 يناير 2010 23:07
إي. جي. ديونر كاتب ومحلل سياسي أميركي من شأن عقود معينة أن تشكل المشهد السياسي لأمة ما وأن تؤثر على حياة ومستقبل أجيال عديدة، وذلك لما تتركه هذه العقود خلفها من تأثيرات إيجابية أو سلبية. ولا شك أن عقد الستينيات كان أحد هذه العقود، وكذلك عقد الثمانينيات. لكن مهما كانت أهمية العقدين المذكورين، فهما ربما يتضاءلان كثيراً أمام طيش هذا العقد الذي ودعناه منذ أربعة أيام. وأكثر ما يخيفني أن ينظر المؤرخون إلى السنوات العشر الماضية باعتبارها الفترة التي ضلت فيها الولايات المتحدة الأميركية سبيلها، بسبب إفراطها وتهورها في استخدام قوتها العسكرية، وعدم إدراكها للتحديات المستقبلية الحقيقية لأمنها القومي، وتبنيها لسياسات داخلية فرضت قيوداً كبيرة على الخيارات المستقبلية المتاحة للمواطنين، في ذات الوقت الذي هددت فيه هذه السياسات الرخاء الاقتصادي لبلادنا دون ما ضرورة لذلك. ورغم علمي بالطبيعة الخلافية للفقرة السابقة من هذا المقال، فإن ما يجب قوله هنا هو أن معظم الخلافات الدائرة الآن بشأن ولاية الرئيس الحالي أوباما، إنما هو استمرار للخلاف الدائر سلفاً حول مدى تأثير ولايتي الرئيس بوش على الإدارة الجديدة. ولعل هذا ما يفسر عجز أوباما حتى الآن عن التوصل لنوع من الإجماع القومي، رغم تطلعاته الكبيرة إلى التغيير وحماسه له. ويدرك المدافعون عن بوش جيداً أن انتخاب أوباما كان بمثابة ردة فعل قوية من قبل الناخبين على التركة التي خلفها بوش. ولما كان أوباما نقيضاً لبوش في الأساس، وبالتالي كونه قائداً لأميركا ما بعد بوش، فمن الطبيعي أن يمثل نجاحه في عملية محو آثار بوش هذه، استكمالاً للرفض الأميركي لسياسات الإدارة السابقة. وهذا هو نفسه الذي يفسر استمرار المتكتلين مع بوش وحماته، من أمثال كارل روف، في حملة هجومهم العنيف على أوباما من خلال صفحات الرأي والتحليل السياسي في بعض كبريات الصحف الأميركية، مثل "وول ستريت جورنال". فعلى الصعيد الداخلي، ورث أوباما عن الإدارة السابقة كارثة اقتصادية. وقد تطلب منه التصدي لذلك الحطام الاقتصادي تبني ميزانية إنفاق عام ضخمة للغاية، ما زاد من عجز الموازنة الفيدرالية المتضخم أصلاً بسبب تورط إدارة بوش في خوض حربين كبيرتين، مصحوبتين بسياساته التي عمدت إلى خفض الضرائب في ذات الوقت. والملاحظ أن حماة بوش العازمين على صرف الأنظار عن تلك السياسات الطائشة، يعمدون إلى وصف الواقع الأميركي وكأنه بدأ في العشرين من يناير 2009، وهو اليوم الذي تولى فيه أوباما مهامه الرئاسية. والفكرة بالطبع هي إلقاء اللوم كله على أوباما، وتحميله المسؤولية عن كل المشكلات التي تواجهها بلادنا الآن. أما في مجال السياسات الخارجية، فيتعين القول إن الرئيس الجديد أكثر تحفظاً إزاء استخدام القوة في التصدي للأزمات الدولية مقارنة بسابقه بوش. كما لا يخفى على أحد حرص أوباما على إصلاح صورة أميركا في عيون كافة الشعوب والأمم الأخرى. ورغم التزام أوباما بمحاربة الإرهاب، إلا أنه لا يؤمن بأن تكون "الحرب على الإرهاب" هي العامل المحدد لسياسات إدارته الخارجية. وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى حجة رئيسية لها صلة بتفسيرنا لما كان عليه العقد الماضي كله: فإلى أي مدى كان صحيحاً أن تتخطى ردة الفعل الأميركي على هجمات 11 سبتمبر، ليس غزو أفغانستان فحسب، إنما شن حرب أوسع نطاقاً، شملت غزونا كذلك للعراق؟ يجيب أوباما على هذا السؤال باعتقاده أن في غزو العراق تبديداً للقوة الأميركية، إلى جانب ما أثاره ذلك الغزو من شكوك دولية إزاء نوايانا ودوافعنا. وبذلك يشجب أوباما علناً السياسات الخارجية التي تبنتها إدارة بوش السابقة. وعلى ذلك القياس ينطبق رفض أوباما وضع أو إقرار أية أهداف تبعد كثيراً عن حدود مسؤوليتنا القومية، أو تتطلب أكثر مما تستطيعه قدراتنا الحقيقية أو مصالحنا القومية. ويذكر أن تصريحه بهذا المعنى ورد في الخطاب الذي ألقاه أمام الحضور العسكري الكبير في "ويست بوينت"، مصحوباً بتأكيده على ضرورة الربط دائماً بين متطلبات الأمن القومي، وقدراتنا الاقتصادية. وكما نرى فإن تحفظ أوباما الواضح إزاء الاستخدام المفرط وغير المسؤول للقوة العسكرية، يتعارض تعارضاً جوهرياً مع نهج سلفه بوش القائم على العزم على سحق أعداء أميركا في كل شبر من الكرة الأرضية، وملاحقتهم عسكرياً أينما وجدوا. غير أن هذا الصراع المفاهيمي بين أوباما وبوش، يلزم الأول بتعزيز ثقة الأميركيين في قدرته على التصدي للإرهاب وفقاً لفهمه هو للكيفية التي تدار بها عمليات مكافحة الإرهاب. لكن لم تكن استجابة مسؤولي إدارته الأمنيين لمحاولة تفجير طائرة "نورث ويست إيرلاينز" التي صادفت الاحتفال بأعياد الميلاد موفقة على أية حال. وسرعان ما اختطف الحادثة الجمهوريين واستغلوها سياسياً دون حياء منهم. فبالنسبة لهؤلاء يستحيل ترميم صورة حرب بوش على الإرهاب، دون تشويه النهج المختلف الذي تبناه أوباما في مكافحة الظاهرة نفسها. وعليه فليس من الغريب أن يتشكل الصراع من أجل رسم المستقبل، على المعارك التي تدور حول الماضي. ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يدافع فيها المحافظون عن سياساتهم استناداً الى الماضي وليس المستقبل. ولنا في تعويلهم على إنجازات الستينيات خير الأمثلة على ذلك. وبالمنطق نفسه نراهم اليوم يدافعون عن عقد الثمانينيات، وإن كان هو نفسه العقد الذي ترك فيه حبل المؤسسات المالية والاقتصاد القومي على الغارب، ما أدى إلى الركود الذي نحن فيه اليوم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©