السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلّنا تحت حكم العسكر «عالم ثالث»!

كلّنا تحت حكم العسكر «عالم ثالث»!
16 يناير 2013 19:47
هذا الكتاب واحد من الأبحاث العلمية المتميزة التي أشرف على إعدادها المفكر الراحل د. أنور عبدالملك، وظل باللغة الفرنسية سنوات طويلة، إلى أن ظهر مؤخراً باللغة العربية. يضم كتاب «الجيش والحركة الوطنية» مجموعة من الأبحاث عن دور الجيش في مصر وفيتنام وباكستان وإندونيسيا واليابان والصين والكونغو، وقد قام د. أنور بإعداد الجزء الخاص بمصر وكتابة المقدمة العلمية للمشروع كله. توقف الباحثون عند مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وكان الهدف دراسة دور الجيش أو المؤسسة العسكرية في بلدان العالم الثالث، وتحديدا مرحلة التحرر من الاستعمار الأوروبي الحديث؛ ولذا نجد أصداء الحرب الباردة واضحة في هذا العمل الذي وقف خلفه مركز دراسات الحركات الاجتماعية في فرنسا، وسوف نجد أن عدداً غير قليل من الباحثين الذين شاركوا في الكتاب يتأثرون بالنظرية الماركسية التي كانت في أوج ازدهارها آنذاك. يصدر د. عبدالملك الكتاب بمقولة الفيلسوف والقائد الصيني القديم (صان تسو) «إن إحراز مئة نصر في مئة معركة ليس غاية القوة والبراعة، أما القضاء على العدو بلا معركة فهو غاية القوة والمهارة». الجيش والممارسة السياسية وينطلق الكتاب من ظاهرة عرفتها معظم بلدان العالم الثالث في فترة الاستقلال وهي دخول العسكريين مجال السلطة السياسية، ولم تكن هناك غرابة ولا غضاضة في ذلك، وقتها، ذلك أن الجيش كما يقول د. عبدالملك يقع بالضبط في أعمق نواة السلطة، في نقطة الالتقاء بين المشروع السياسي الوطني والجهاز الذي يقوم بالحفاظ على هذا المشروع، وهذا ما يحاول الباحثون دراسته في عدد من بلدان العالم الثالث، تقع في قارات ثلاث آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ويجمع بينها أن كلاً منها مر بتجربة الاستعمار الأوروبي وأن الجيش لعب دوراً مهماً في عملية الاستقلال والتحرر. في المدرسة الأوروبية هناك تراث يعود إلى عصر الاستنارة والعقلانية يرفض أو يكره وجود البعد العسكري في السلطة، وقد ارتبط ذلك بصعود البرجوازية الأوروبية وانتشار الأفكار المثالية، حول معنى ومفهوم السلطة، في المقابل كان هناك من يرفض ذلك بالمرة ويرى أن العامل العسكري مهم، حتى في العلوم الاجتماعية أو ما يطلق عليه السوسيولوجيا العسكرية وبات لها مكان في عدد من الموسوعات العلمية المتخصصة في «العلوم الاجتماعية. هذا على مستوى الغرب أما في بلاد الشرق أو العالم الثالث فالأمر مختلف، حيث يلعب الجيش دوراً في «نشوء الأمم ودولها» وفي التكوين الاجتماعي للمجتمعات لتصير كيانات وطنية، حدث هذا في مصر، ابتداء من العصر الفرعوني، حيث لعب الجيش دوراً في توحيد مصر وفي بنائها بعد طرد الهكسوس، وهذا ما نراه كذلك في بلاد فارس القديمة، بل يمتد الأمر إلى فرنسا زمن نابليون والثورة الفرنسية، وفي بريطانيا العظمي مع كرومويل والوحدة الألمانية بفضل بيسمارك وروسيا مع بطرس الأكبر، والقائمة ممتدة إلى إيطاليا زمن غاريبالدي وإسبانيا واليابان والحبشة وغيرها وغيرها، ففي كل مرة حاولت المجتمعات البشرية أن تحقق لنفسها وجوداً متكاملًا باعتبارها كياناً وطنياً متميزاً ملتفاً حول مركز السلطة فان الجيش كان في قلب العملية بأسرها، ورأس الحربة التي شقت الطريق وأمنت السلطة الوطنية وحمت الحدود ووحدت مختلف القوميات التي تؤلف الكيان الوطني. ويضيف د. عبدالملك أن كل ذلك كان يتم بالحديد والنار. بعد الحرب العالمية الأولى ظهرت موجة أوروبية لرفض دور الجيش في المجتمع والدولة، استناداً على أن الدور الأبرز في الدولة يجب أن يكون للمجتمع المدني وجانبه الإنساني الديمقراطي والعلماني، غير أن بروز هتلر والحرب العالمية الثانية أدى إلى تراجع هذه الموجة، وعاد التركيز على دور الجيوش في الحركات الوطنية، خاصة في العالم الثالث بل وفي البلاد المتقدمة. التجربة المصرية وفي تناوله للتجربة المصرية يتوقف أنور عبدالملك بتركيز عند تجربة محمد علي، في بناء الدولة المصرية الحديثة التي اعتمد فيها بشكل أساسي على تأسيس الجيش الحديث وحوله قامت المصانع والصناعات العسكرية والمدنية ومدرسة الترجمة ومطبعة بولاق، أي أن مشروع الحداثة والدولة الوطنية كان للجيش فيه الدور البارز، ويتكرر الأمر بشكل آخر في تجربة عبدالناصر، وتحديداً مع ثورة 23 يوليو وطلائع الضباط الأحرار، وهؤلاء كانوا من أبناء الطبقة الوسطى التي اندفعت نحو المدرسة الحربية والجيش بعد معاهدة 36 وثورة 19 التي أنجزها حزب الوفد ومن حوله الجماهير المصرية. وحين وقعت ضربة يونية 1967، كان المقصود بها وقف اندفاع التجربة الوطنية المصرية بعد أن امتد أثرها إلى بلاد المنطقة، بل وبلاد العالم الثالث عبر باندونج ودول عدم الانحياز، وكان وقف هذه التجربة يقتضي ضرب الجيش المصري وتدميره تماماً، وهذا ما فطن إليه الشعب المصري جيداً. في باكستان، لعب الجيش دوراً بارزاً منذ استقلالها، وقام تحالف في السنوات الأولى لقيام الدولة بين العسكريين والبيروقراطيين وفي إندونسيا اتخذ الجيش نمطاً محافظاً، لكنه لم يخضع يوما للسلطة السياسية، الأدق أنه هو الذي اخضع السلطة السياسية له، مستعيناً ببعض السياسيين والبيروقراط. دراسات الكتاب تتناول حقبة، صارت في ذمة التاريخ، وتغيرت أمور كثيرة في البلدان موضوع الدراسة، خاصة اليابان، فضلاً عن انتهاء الحرب الباردة وسقوط النظرية الماركسية، ويحتاج الأمر إلى دراسات جديدة تتناول الوضع الحالي، لكن يبقى لهذا الكتاب أنه يضع ايدينا على مفاتيح لفك الكثير من الألغاز المعاصرة، ودور الجيش في بلاد مثل مصر وباكستان واندونيسيا، خاصة أن البلاد الثلاثة من البلاد الإسلامية ومازال للجيش في كل منها دور فاعل ومؤثر، فضلاً عن أنه موضع جدل بين التيارات السياسية والفكرية المختلفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©