الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الهدية» رسالة للود ومفتاح من مفاتيح القلوب

9 يوليو 2014 23:46
الإسلام يدعو إلى المحبة والألفة والأخوة، ومن هذه الوسائل التي تتحقق بها هذه المعاني «الهدية»، حيث جاءت النصوص التي فيها الحث على التهادي، فهي جالبة للمحبة، ومذهبة للشحناء، تدخل السرور إلى النفس، وهي من العادات والتقاليد عند مختلف الشعوب والأمم، لكنها في الإسلام كانت ذا وقع خاص، وتوظيف يخدم الدعوة إلى الله، فالهدية شعيرة إسلامية، سبب للتآلف بين القلوب والاجتماع، وشيوع المودة بين المسلمين. ومما يدل على أثر الهدية على النفوس ما جاء في قوله تعالى عن ملكة سبأ حينما أرسلت هدية إلى سليمان عليه السلام لما أرسل إليها بكتاب يدعوها فيه إلى الإسلام، قالت للملأ: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)، «سورة النمل: الآية 35». القبول والإثابة جاء في السنة الحث على التهادي، قال صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا»، وقال: «تهادوا، فإن الهدية تذهب ما في الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة»، «والفرسن عظم قليل اللحم»، وجاء في «تحفة الأحوذي»، وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لما فيه من استجلاب المودة، وإذهاب الشحناء، والتعاون على أمر المعيشة، والهدية وإن كانت يسيرة، فهي أدل على المودة، وأسقط للمؤنة، وأسهل على المهدي لإطراح التكلف والكثير قد لا يتيسر كل وقت، والمواصلة تكون كالكثير، وقال ابن حجر، وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله. وقد جاء في الصحيح أن النبي كان يقبل الهدية ويثيب عليها، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت»، قال ابن حبان، فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر، ويشكر عنها، وإني لأستحب بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم، إذ الهدية تورث المحبة، وتذهب الضغينة، وجاء الأمر بقبول الهدية وعدم ردها إذا كانت لا شبهة فيها ولا حرام، قال صلى الله عليه وسلم: «أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين»، وقال القاضي أبو بكر بن العربي، قبول الهدية سنة مستحبة تصل المودة وتوجب الألفة. وكان من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءته الهدية، أشرك فيها من معه، أو من حوله، يتألف بهداياه القوم، وربما كان رجلاً حديث عهد بالإسلام أو في قلبه شيء على الإسلام وأهله، أو على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يزال يعطيه حتى يرضيه، قال ابن قدامة، ومن دفع إلى إنسان شيئاً للتقرب إليه والمحبة له، فهو هدية، وجميع ذلك مندوب ومحثوث عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا»، وقال القرطبي، الهدية مندوب إليها، وهي مما تورث المحبة وتذهب العداوة، ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تزيل حزازات النفوس. وقال العلماء: إن الإسلام دين عظيم حريص على اجتماع كلمة أبنائه وإذابة أسباب الفرقة والاختلاف بينهم، ولذلك شرع أموراً تكسب المرء ود أخيه، وتقارب القلوب من بعضها وتزيل ما فيها من غل أو سخيمة، ومنها الهدية، فالهدية لها آثارها العظيمة على نفسية الإنسان، فهي مع الاتفاق تزيد القرب قربا والمودة مودة، ومع الاختلاف تذيب أسباب الاختلاف وتقطع الطريق على الشيطان. رسائل والهدية رسالة رقيقة تحمل معاني الود والألفة، ولها تأثير في تأليف القلوب، وإذهاب العداوة والحقد، وجلب المودة والمحبة، وفيها إدخال السرور على النفوس، وهي عنوان السلام والتصالح والصفاء بين النفوس، وتؤدي الهدية وظيفة بالغة الأهمية في الترابط الاجتماعي بين الأهل والأزواج والأصدقاء، إلى درجة أنها يمكن أن تزيل تاريخاً من الخلافات، وتؤسس لصفحة جديدة بين شخصين، أو بين عائلتين، أو حتى بين دولتين، وهذا ما يدعو إليه الإسلام، والهدية مفتاح من مفاتيح القلوب، وسنة هجرها الكثير ولم يعيروها اهتمامهم. ويعد الإهداء من الحوافز النفسية التي رغب بها علماء النفس من أجل حفز المتلقي على قبول ما يراد منه وهذا ما كان يستخدمه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، حيث كان يكثر العطاء والإهداء للمسلمين الجدد ولأصحابه كسباً لقلوبهم، وتثبيتاً لهم على الاستقامة، وإعانة لهم عند الحاجة، وكي تعطي الأثر المطلوب في حسن العلاقة بينه وبينهم، وقد كان استخدام النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الوسيلة سبباً في ترك من يراد دعوته عن سلوك مشين ومعصية، وكم حول قلوب عدد من أعدائه من الكراهية إلى المحبة، وبدل مواقفهم من العداوة إلى الصداقة، وبدل سلوكهم من المعصية إلى الطاعة، فالهدية لها وقع في نفس المهدى له، لأنها إشعار بالاهتمام به، تفعل ما لا تفعله الخطب والمواعظ، وهي وسيلة تربوية ودعوية ذات أثر فعال. (القاهرة - الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©