الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

رؤساء الجمهورية والحكومات في الجزائر وصراع هرم الحكم

31 مايو 2006
الجزائر- حسين محمد:
لم يكن أحمد أويحيى المستقيل يوم 24 مايو الجاري أول رئيس حكومة يذهب ضحية منازعته رئيس الجمهورية على هذا المنصب، فأغلب رؤساء الحكومات الجزائرية منذ 1989 إلى الآن تطلعوا إلى رئاسة الجمهورية ونازعوا الرؤساء في المنصب بشكل أو بآخر، وأثناء توليهم رئاسة الحكومات أو بعدها، فكان مصيربعضهم الإقالة أو الدفع إلى الإستقالة مرغمين ومصير الآخرين الطرد من النظام ليلفهم النسيان · وإليكم التفاصيل·
في شهر نوفمبر 1988 أقدم الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد على تعديل دستور 1976 لتعيين حكومة تتقاسم معه أعباء التسيير وتتحمل جزءا من المسؤولية، وعين الشاذلي قاصدي مرباح، الرئيس السابق للمخابرات الجزائرية، أول رئيس للحكومة في عهد الجزائر المستقلة، وعمل مرباح لمدة تفوق العام مع الشاذلي، إلا أنه صرح برغبته للترشح لأول انتخابات رئاسة تعددية في عهد الجزائر المستقلة· وأثار ذلك حفيظة الرئيس الشاذلي، فلم يتردد في إقالته، وصُدم مرباح بشدة ودفعه ذلك إلى تأسيس حزب والإنضمام إلى المعارضة الراديكالية، وعاب على الشاذلي أن ينكر عليه حقه طموحه الشرعي وحقه في الترشح لإنتخابات الرئاسة ونسي فضله عليه حينما رشحه لرئاسة الجمهورية في أوائل 1979 خلفا للرئيس الراحل 'هواري بومدين' وأقصى من أجله عبد العزيز بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي من السباق إلى الرئاسة آنذاك·
مرباح والشاذلي
وأصر مرباح على الترشح في أول إنتخابات رئاسة يتم تنظيمها، إلا أن النظام أوقف المسار الإنتخابي في 11 يناير 1992 وجمد الإنتخابات لمدة قاربت الأربع سنوات، ودخلت إثرها في أزمة أمنية خطيرة كان قاصدي مرباح أحد أبرز ضحاياها حيث أغتيل في صيف 1993 بينما كان يقوم بوساطات مكثفة بين السلطات وقادة'الإنقاذ' المحظور لحل الأزمة، ومات مرباح دون أن يحقق طموحه في أن يصبح رئيسا للجمهورية·
شلّ رد فعل الشاذلي على طموح رئيس حكومته الأول، رغبات كل من جاء بعده، فلم يفصحوا عنها وهم يمارسون مهامهم، وإن تطلعوا جميعا، بإستثناء بلعيد عبد السلام وإسماعيل حمداني، إلى تولي رئاسة الجمهورية·
وبعد مرباح جاء مولود حمروش ثم سيد أحمد غزالي، بلعيد عبد السلام، رضا مالك، مقداد سيفي، أحمد أويحيى، إسماعيل حمداني، أويحيى مجددا، أحمد بن بيتور،علي بن فليس ثم أويحيى للمرة الثالثة إلى غاية 24 مايو 2006 قبل أن يتولى عبد العزيز بلخادم رئاسة الحكومة· وأعلن أربعة رؤساء حكومات سابقون وهم حمروش ورضا مالك وغزالي وسيفي ترشحهم لإنتخابات الرئاسة التي جرت في 15 أبريل 1999 ، إلا أن غزالي ورضا مالك خرجا من السباق مبكرا لعجزهما عن جمع الـ 75 ألف توقيع المطلوبة للترشح، بينما إنسحب حمروش وسيفي في 14 أبريل ،1999 أي قبل 24 ساعة فقط من موعد الإنتخابات، رفقة أربعة مرشحين آخرين بحجة 'التزوير المعمم للإنتخابات وتغيير نتائج الصناديق المتنقلة، وتركوا بوتفليقة وحده في السباق، وسببوا له حرجا شديدا حتى أنه كاد ينسحب هو الآخر ويرفض إجراء الإنتخابات أصلا، إلا أن الرئيس الأسبق اليامين زروال أصر على إجرائها في موعدها المحدد·
وفي إنتخابات الرئاسة لـ9 أبريل ،2005إنضم إلى الأربعة السابقين رئيساَ حكومتين أخريين وهما أحمد بن بيتور وعلي بن فليس · وشكل هؤلاء أغلب أعضاء مجموعة 10+1 التي ضمت كل المترشحين ضد الرئيس بوتفليقة،إلا أنهم إنسحبوا من السباق قبل الوقت بعد أن إلتمسوا مدى إتساع شعبية بوتفليقة وتأكدوا من إستحالة الإنتصار عليه، ولم يبق منهم سوى رئيس الحكومة المقال علي بن فليس·
بن فليس ·· وانتقام الرئيس
شابهت قصة الصراع بين بوتفليقة وبن فليس، تلك التي حدثت بين الشاذلي وقاصدي مرباح في 1990؛ إذ عقد بن فليس المؤتمر الثامن لحزب'جبهة التحرير الوطني' في فبراير ،2003 وإنتهى المؤتمر دون أن يعلن دعمه لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية ثانية، وأكثر من ذلك لمّح بن فليس في البيان الختامي إلى رغبته بالترشح لإنتخابات الرئاسة المقررة في أبريل ·2004 وصدم ذلك الرئيس بوتفليقة الذي عين بن فليس أمينا عاما لرئاسة الجمهورية وساهم في توليه رئاسة جبهة التحرير ثم عيّنه رئيسا لحكومته، وقال عنه في نيويورك إنه يعتبره أقرب شخصية سياسية إليه وأنه يشعر بالإطمئنان التام على الجزائر في غيابه مادام بن فليس فيها·
وشعر بوتفليقة بنقمة عارمة على رئيس حكومته وأدرك أن 'متنفذين' في الحكم يسعون إلى الإطاحة به فرشحوا بن فليس لخلافته في أبريل 2004 بعد أن عجز هؤلاء عن إخراجه من الحكم بإفتعال أحداث منطقة القبائل ضده لعامين كاملين· ونقم بوتفليقة على قبول بن فليس أداء هذا الدور القذر والتنكر لفضائله عليه، فرفض عقد أي مجلس وزراء معه وظلت القرارات ومشاريع القوانين المتوصل إليها في مجالس الحكومة مجمدة · وبالموازاة، ألّب عليه قياديين في جبهة التحرير فأثاروا له متاعب جمة·· وفي مايو ،2003 أقدم بوتفليقة مباشرة على إقالة رئيس حكومته علي بن فليس بعد أن رفض الإستقالة، وأسند رئاسة الحكومة لأحمد أويحيى زعيم' التجمع الوطني الديمقراطي' غريم 'جبهة التحرير ' ومنافسها الأول على الحكم· وترشح بن فليس لإنتخابات الرئاسة في 9 ابريل 2004 على أمل الفوز بعد أن توهّم أن 'صناع القرار' الذين تعودوا على تعيين الرؤساء وعزلهم منذ ،1992 قادرون على ترجيح كفته على بوتفليقة بعد أن دفعوه للترشح ضده، لكن تجربته إنتهت إلى الفشل، فمني بهزيمة ساحقة في الإنتخابات وإضطر بعدها إلى الإستقالة من رئاسة جبهة التحرير تحت ضغط خصومه المناصرين لبوتفليقة وعاد إلى مكتبه للمحاماة بولاية باتنة(470 كلم شرق الجزائر) بعد أن أنهى بوتفليقة بريقه، وربما مشواره السياسي كله·
وإلى حد الساعة لم يصل أي رئيس حكومة سابق إلى منصب رئيس جمهورية، إلا أنهم جميعا تقريبا يطمحون إلى تولي هذا المنصب ويتحينون الفرص للترشح مستقلين، بينما يطمح بعضهم إلى أن يكونوا مرشحي 'المتنفذين' داخل النظام لضمان فوزهم بالرئاسة؛ فحينما مرض بوتفليقة في 25 نوفمبر 2005 وطال مرضه، بدأ حمروش يخرج إلى العلن ويتحرك ميدانيا ويدلي بتصريحات صحفية لعله يلفت الإنتباه إليه في خضم تصاعد الحديث عن تحضير بديل لبوتفليقة إذا تعذر عليه مواصلة مهامه لأسباب صحية·
أويحيى·· والطموح
ليس مفهوما على وجه التحديد الأسباب الحقيقية لإستقالة أحمد أويحيى أو بتعبير أدق إرغامه على الإستقالة في 24 مايو الجاري، وهل صحيح أن الأمر يتعلق بمجرد رغبة جبهة التحرير بإستعادة رئاسة الحكومة منه بإعتبارها الحزب الحائز على الأغلبية البرلمانية؟
ذلك ما يبدو ظاهريا، وما قيل للإستهلاك الداخلي، لكن متتبعين سياسيين أعطوا قراءة لاتخرج عن نطاق الصراع بين رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات في الجزائر على منصب رئيس الجمهورية الذي يريد كل رئيس إحتكاره بعد الوصول إليه، بينما يتطلع إليه كل رئيس حكومة بعد أشهر أو سنوات من رئاسته الحكومة·
وتكون شهية أويحيى قد تفتحت بدوره، وككل رؤساء الحكومة السابقين، إلى تولي رئاسة الجمهورية في سنة 2009 خلفا لبوتفليقة، لاسيما وأن دستور 1996 ينص صراحة على أن الولاية الرئاسية لاتجدد سوى مرة واحدة فقط · ويكون أويحيى قد إنزعج من مقترح بلخادم بتعديل الدستور حتى يتمكن بوتفليقة من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وهو ما دفعه إلى التصريح مرارا أن فكرة تعديل الدستور 'غير مطروحة تماما على مستوى مؤسسات الدولة'، وحينما لاحظ أن تصريحاته أزعجت رئيس الجمهورية، 'نصح' بتأجيل الفكرة إلى نهاية 2008 وطرحها للبرلمان بغرفتيه إذا كان الرئيس يرغب بولاية ثالثة، وأكد أنه لن ينافسه في إنتخابات يترشح لها· إلا أن كل ذلك لم يطمئن بوتفليقة الذي يكون قد أوعز لبلخادم وأبي جرة سلطاني بالمطالبة برحيله من الحكومة، ما دفع حزب الأغلبية إلى التهديد بحجب الثقة عنه إذا قدم حصيلة حكومته في البرلمان، وشعر أويحيى برغبة الرئيس فلم يتوان عن تقديم إستقالته· ولاشك أن تعيين بلخادم رئيسا للحكومة ستيح المجال واسعا لتعديل الدستور والسماح لبوتفليقة بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، إلا أن ما قاله أويحيى للتلفزيون الجزائري عقب تقديمه إستقالته يثير الإنتباه مجددا؛ لقد قال إنه تمنى للرئيس التمتع بـ'الصحة الكاملة' وهو ما يعني أن أويحيى لايزال يعتقد أن الوضع الصحي لبوتفليقة لم يستقر بعد بصفة' كاملة' مما سيفرغ مشروع تعديل الدستور من أي معنى إن إنتكس مجددا· وربما شعر بوتفليقة بالألم حينما سمع هذه العبارة لإدراكه أن أويحيى هو المرشح البديل له لدى بعض 'المتنفذين' بدليل أن هؤلاء فكروا، قبل رئاسيات 15 أبريل 1999 ،في ترشيح أويحيى، لكنهم وبعد دراسة عدة بدائل، توصلوا إلى أن بوتفليقة هو المرشح 'الأقل سوءًا' لتولي رئاسة الجمهورية كما قال أحد المتنفذين في الحكم لجريدة جزائرية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©