الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأخبار الكاذبة.. لماذا وكيف نحاربها؟

15 أكتوبر 2017 21:45
بعد انتهاء إطلاق النار، غمرت صفحات الفيسبوك ويوتيوب مزاعم كاذبة مفادها أن مذبحة لاس فيجاس كانت من عمل تنظيم «داعش» الإرهابي أو المعارضين اليساريين المناهضين لدونالد ترامب. ومرة أخرى، رأينا كيف أن ما يسمى «الأخبار الكاذبة» يمكن أن تؤجج الفوضى وتثير الكراهية. ومثل معظم الأخبار الوهمية، تندرج هذه المقالات الخادعة تحت بند الخطاب المحمي بموجب «التعديل الأول» والضمانات الدولية لحرية التعبير. وما لم تتعد هذه الأخبار الكاذبة خطوطاً حمراء محددة، مثل تلك التي تحظر التشهير أو السب، فإنها لا تكون غير قانونية، وليس لحكومتنا السلطة لحظرها أو مراقبتها. لكن حقيقة أن الأخبار الكاذبة تأتي في إطار حرية التعبير، لا تنفي الخطر الذي تشكله على الخطاب المفتوح أو حرية الرأي أو الحكم الديمقراطي. إن ظهور الأخبار الوهمية وما يتصل بها من تآكل الثقة العامة في الصحافة الرئيسية ينذر بأزمة تلوح في الأفق. وعادة ما تركز الدعوة لحرية التعبير على الدفاع عن الخطاب المتنازع عليه من محاولات القمع، لكنها أيضاً تطالب بخطوات لتحصين النقاش المفتوح والمبرر الذي يدعم قيمة حرية التعبير في مجتمعنا وحياتنا. لكن هذا لا يعني ألا يبالي المؤيدون لحرية التعبير بالسعي وراء الحقيقة، أو محاولات تقويض قدرة الجماهير على تمييز الحقيقة عن الوهم. ووفقاً للتعديل الأول من الدستور والقانون الدولي، تتضمن حرية التعبير الحق في تلقي ونقل المعلومات. كما ترتبط قوة حرية التعبير بأن تكون هناك فرصة للإنصات والتصديق والإقناع. والأخبار الزائفة تحديداً تقوض مصادر القوة هذه. وإذا أصبح الخطاب العام مفعماً بالتضليل لدرجة لا يستطيع معها المتلَقُّون التمييز بين الحقيقة والزيف فإنهم سيفقدون الاهتمام. ويعلم المستبدون ذلك جيداً، وبالتالي فإنهم يحكِمون السيطرة على تدفق المعلومات. وهم يزودون هذا التدفق بالأكاذيب بهدف التضليل والإرباك، وفي النهاية غرس إحساس بعدم جدوى الكلام مما يضعف الرغبة في الاحتجاج أو المقاومة. أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن المشكلة لا تكمن في السيطرة، بل بالأحرى في الفوضى. والوتيرة الشرسة التي يمكن أن تنتشر بها المعلومات الكاذبة من الممكن أن تجعل الدفاع عن الحقيقة أو تصحيح المعلومات يبدو مهمة مستحيلة. ومشكلة الأخبار الكاذبة حالياً أصبحت متفاقمة، بسبب الانقسامات الاجتماعية والسياسية التي تقوض الطرق التقليدية لنشر الحقيقة. وتكون التحقيقات والإفشاءات والدراسات غير كافية حين يصبح جزء كبير من السكان لا يثقون بمجموعة واسعة من المصادر التي يعتبرونها معادية سياسياً أو أيديولوجياً، بما في ذلك المصادر التي تحظى عادة باحترام عالمي واسع. وقد تركز النقاش حول إيجاد حلول للأخبار الكاذبة على ما يمكن أن تقوم به الحكومة والمنافذ الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، مثل مجموعات التحقق من الوقائع. ولكل منها دور مهم تضطلع به، لكن عليها أيضاً أن تحترم الحدود لتدخلاتها. وبالطبع، لا ينبغي لأي رئيس أن يشوه بشكل روتيني الأخبار المشروعة التي يكرهها، كما يفعل دائماً بعض القادة. بيد أن سوء استخدام الرئيس لسلطته يذكرنا بأن هناك أسباباً وجيهة تجعل الدستور يمنع الحكومة من الفصل بين الأخبار الصحيحة والكاذبة. ويتعين على جوجل وفيسبوك، باعتبارهما منصات خاصة، مراقبة مواقعهما للتأكد من أن نظريات المؤامرة الخطيرة لا تنتشر. لكنهما إذا أفرطتا في مراقبة ما يظهر على صفحاتهما، فإنهما ستخلقان إعاقات جديدة للخطاب الجريء. وبطبيعة الحال، فإن المنافذ الإخبارية ينبغي أن تسعى جاهدة لدعم المعايير المهنية والأخلاقية، لكنها لن تستطيع وحدها إقناع القراء المنتقدين بأن يثقوا فيها. وفي النهاية، فإن قوة الأخبار الزائفة تكمن في عقول مشاهدي الأخبار أنفسهم. وفي العقود الماضية، كان استهلاك الأخبار يتركز على الصحف والمجلات وعروض الشبكات التي خضعت لمراحل من التدقيق والتحقق من الوقائع. وكان معظم المستهلكين لا يرون أنه من الضروري معرفة ميول مالكي وسائل الإعلام، وأساليب إسناد الاقتباس وبروتوكولات المصادر الصحفية، وما إلى ذلك. أما الآن، ومع انتشار وسائل الإعلام الحزبية بشكل علني، والحد من حواجز الدخول في الخطاب العام، وفيض المعلومات المتدفق عبر شبكة الإنترنت وشبكات الأخبار، فإن المستهلكين بحاجة إلى أدوات جديدة لفرز الخيارات واتخاذ قرارات مستنيرة حول ما ينبغي تركيز اهتمامهم عليه ووضع ثقتهم فيه. إن الكفاح ضد الأخبار الكاذبة لن يتوقف على ترسيخ الثقة في مصادر محددة للسلطة، ولكن على زرع الشك والفضول والشعور بالقوة بين المستهلكين الذين هم أفضل حصن ضد تجار الخداع. والاعتراف بالأخبار الكاذبة كتهديد لحرية التعبير، لا يمكن أن يكون سبباً لتبرير العلاج في صورة حكومة جديدة أو فرض قيود على التعبير. إن أفضل وصفة لمحاربة وباء الأخبار الكاذبة تتمثل في تطعيم المستهلكين من خلال بناء قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم. *المدير التنفيذي لمركز «بان أميركا» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©