الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقول مختلة في رؤوس محتلة!

29 نوفمبر 2016 20:32
الخطاب العربي كله سواء كان دينياً، أو إعلامياً، أو سياسياً، أو حتى خطاباً عاطفياً شاعرياً غزلياً.. خطاب سابق التجهيز انتهت صلاحيته وعمره الافتراضي ولم يعد خطاباً صحياً على الإطلاق.. بل صار بفعل فساده خطراً على الصحة العقلية ويؤدي إلى تلبّك ومغص وتقلصات دماغية خطيرة.. أصبح خطاباً ساماً بفعل انقضاء فترة فترة صلاحيته، لكننا ما زلنا نلتهمه ونلوكه ونجترّه بلا وعي ولا أي محاولة لإعادة النظر حتى أصبح الإجماع العربي وكأنه على باطل وأصبحت الأغلبية غبية.. ولم يعد إجماع الناس على أمر أو احتشادهم حول قضية أو أمر ما دليلاً على صواب الأمر.. بل ربما صار دليلاً على بطلان الأمر والقضية معاً! ونحن مستهلكون للخطاب في كل المجالات ولسنا منتجين.. بل إن الخطاب العربي في كل مجال خطاب مستورد وتم تعريبه من لغات وثقافات أجنبية.. إنه خطاب النقل لا العقل.. خطاب الحكائين لا خطاب المحللين والعارفين والمفكرين.. فالتفكير صار عدونا اللدود.. ولقب «مفكر» الذي يحصل عليه اليوم كل من هب ودب ويطلق على المنخنقة والمتردية والنطيحة والموقوذة مجرد لقب بلا معنى.. فلا أحد يفكر.. ولو فكرنا نموت! تابعت قبل أيام فقرة رياضية بإحدى الفضائيات وضحكت حتى بكيت عندما تحدث مقدم الفقرة عن مباراة ودية في كرة القدم بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث قال إن المكسيك ردت بسرعة على تصريح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بشأن بناء السور أو السياج الفاصل بين البلدين وهزم منتخبها نظيره الأميركي بهدفين لهدف في عقر داره.. أرأيتم سذاجة وبلاهة تعادل هذه البلاهة العربية التي نتعثر فيها بكل مكان وكل مجال؟ إنها سذاجة الربط بين أمور غير مرتبطة والوصل بين أمور منفصلة لمجرد الإساءة لدونالد ترامب أو السخرية منه أو الشماتة فيه.. ولا أدري لماذا يصر العرب على أن يحاربوا معارك غيرهم، وأن يظلوا تابعين لتيار أجنبي ما ضد تيار آخر.. إنه داء التبعية الذي لا نريد أن نبرأ منه.. إنه داء العقول والأدمغة المحتلة وهو داء أخطر من احتلال الأرض.. فاحتلال الأرض زائل لا محالة وهو احتلال مرفوض ويجد مقاومة، لكن احتلال العقول لا يزول أبداً وهو مرحب به ولا يجد أي مقاومة.. فنحن نقاوم من أجل جلاء المحتل عن الأرض، لكننا نقاوم من أجل بقاء المحتل في العقل والرأس.. إنها العقول المختلة والرؤوس المحتلة. وموقف العرب وفي القلب منهم ما يسمى زوراً وبهتاناً التيار الإسلامي في التعامل مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة موقف نفاقي بامتياز.. والنفاق آفة بعض العرب في كل مجال.. وهو الموقف النفاقي المقيت الذي عبر عنه أمير الشعراء أحمد شوقي في بيت يبدو كوميدياً، لكنه يحمل حكمة بالغة، حيث قال عن صديقه الذي اختلف معه ثم تصالحا: بقارعة الطريق ينال مني ويوسعني عناقاً في الزقاق هذا بالضبط موقف العرب من الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة، بل وموقفهم من إسرائيل أيضاً: عداء سافر وكلام ناري وشتائم في العلن.. وعناق وقبلات وتبعية وامتثال للأوامر في الخفاء.. فـ«الإخوان» مثلاً هم الذين اخترعوا وروجوا أكذوبة عداء الغرب للإسلام والمسلمين وتآمره عليهم على مدى الأربع والعشرين ساعة.. وانتشرت الكذبة كالنار في الهشيم حتى صار من يتصدى لها أو يفندها «خائناً» و«مرتداً».. و«الإخوان» أنفسهم هم الذين تآمروا على أوطانهم بدعم من الغرب المتآمر.. وهم وإيران الذين هتفوا «الموت لأميركا».. «الشيطان الأكبر».. وتحالفوا مع الشيطان ضد الأمة.. وقالوا في إسرائيل ما لم يقله مالك في الخمر، وتحالفوا معها وأوسعوها عناقاً في الزقاق وفي الخفاء. ومعركة الانتخابات الأميركية كشفت المستور العربي كله وتحديداً المستور «الإخواني» والإرهابي وكشفت أيضاً عورات عربية وتبعية عربية فجة وموت العقل العربي وتحوله إلى مقلب أو مكب للنفايات الفكرية والثقافية الغربية.. كما كشفت سيطرة المحفل الماسوني الدولي على الآلة الإعلامية العالمية والعربية معاً.. وعبقرية تسويق وترويج الأكاذيب المدفوعة الثمن لتشويه ترامب وتبييض وجه أوباما وهيلاري.. وهذا كله ما كشفه المواطن الأميركي الذي يبدو أنه ما زال واعياً بعكس العربي المغيب تماماً، والذي تحول إلى ببغاء يردد ما لا يفهم وغراب ينعق بما لا يسمع. والأسطوانة المشروخة التي لا يمل العرب ترديدها وسماعها الآن هي «الفوبيا» الناجمة عن صعود ما يسميه الماسون وتابعه العربي التيار الشعبوي أو اليمين المتطرف المعادي للإسلام في الغرب... لذلك كان الحشد ضد ترامب وضد مارين لوبن في فرنسا وحزب الاستقلال في بريطانيا والأحزاب المماثلة في إيطاليا وألمانيا والسويد والمجر والنمسا وغيرها... والحق أن هذه الأكذوبة وتلك الأسطوانة المشروخة وجدت صدى ضخماً في العقول العربية المختلة والرؤوس المحتلة.. فالتيار الصاعد في الغرب ليس متطرفاً ولا شعبوياً ولا معادياً للإسلام، وإنما هو تيار الدول الوطنية.. تيار الوطن أولاً قبل التجمعات الإقليمية والدولية وقبل التفكير في أستاذية أو حكم العالم.. بمعنى صعود تيار وشعار «أميركا للأميركيين وفرنسا للفرنسيين وكل دولة لمواطنيها أولاً»، وإذا تبقى شيء يذهب إلى الآخرين.. وهذا التيار هو المضاد تماماً لتيار أوباما وهيلاري الماسوني وهو تذويب الوطني وإلغاء الهوية الوطنية لمصلحة حكم العالم... وهذا السيناريو هو الذي طبقه «الإخوان» الذين قادوا الخريف العربي حيث لا وجود ولا حدود للوطن.. والتيار الوطني هو السائد في الدول العربية، وهو الذي أريد ضربه في الخريف العربي، ولكنه عاد قوياً وفرض نفسه وعلت الهوية الوطنية على كل الانتماءات والهويات الإقليمية والدولية.. فلماذا ننكر هذا على الغرب؟ لماذا نرضى لأنفسنا الهوية الوطنية وننكرها على الغرب؟ ثم أين هو العداء للإسلام والمسلمين لدى التيار الوطني الصاعد في أوروبا؟.. إنها قراءة خاطئة لما يجري.. بل هي قراءة مغرضة؟.. هل ينكر أحد على التيار الوطني العربي ما يفعله التيار الوطني الغربي، وهو العداء للإرهاب والتطرف ومحاولة خطف الدول الغربية رهينة في يد الإرهابيين؟ نحن أيضاً ضد الإرهاب الذي يتسربل بالإسلام ويريد تدمير الدول الوطنية لحساب الشعارات الماسونية كالخلافة والنظام العالمي والعولمة وأستاذية العالم.. والعرب لا يجيدون القراءة، ولكنهم يقولون ما يملى عليهم.. ولا يجيدون إعادة النظر لأنهم فقدوا النظر... ولأن لدينا عقولاً مختلة في رؤوس محتلة! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©