الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبناء الجيل الجديد حائرون بين واجب «الطاعة» وخياراتهم الشخصية

أبناء الجيل الجديد حائرون بين واجب «الطاعة» وخياراتهم الشخصية
25 يونيو 2013 00:43
بعض الآباء يقعون في خطأ إصدار الأوامر إلى الأبناء لأنهم يريدون الابن آلة مطيعة لتنفيذ كل الأوامر مهما كانت، وهم يريدون أن يجردوه من شخصيته ليجعلوا منه « نسخة كربونية» منهم. وهناك في المقابل بعض الآباء يعثرون على الطريق الصحيح وهم يضعون أسس بناء شخصية الطفل ليكتشف ما في أعماقه من مواهب. هل تريد أن يكون ابنك مثل بقية أبناء الآخرين، وأن يكون مجرد إنسان ترعاه لينمو ويكبر ويحصل على وظيفة ويضمن رحلة العمر في سلام؟ أم أنك تريد أن يكون ابنك صاحب شخصية قوية متميزة قادرة على أن تضيف إلى المجتمع الذي يعيش فيه؟ هل يجب أن نربي الطفل على التفرد والاستقلالية، وأن يجد في أعماقه متعة في مناقشة كل أمر يلقى إليه، أم نجعله إنساناً مطيعاً لكل الأوامر ونصبه في قالب الطاعة؟ (أبوظبي) - إن الذي يتحكم بداية في تحديد نمط تربية الأبناء، هو علاقة التفاعل بين الأسرة وبين الطفل أثناء نموه وتطوره، وهذه العلاقة تحددها ثقافة الأبوين والمجتمع الذي يعيش فيه، ولا أظن أن ذلك الأمر سهل. فليس من السهل طبعاً أن تعقد الأسرة اجتماعاً وتتخذ فيه قراراً بأنها اختارت لابنها أن يدخل «قالب» المجتمع الذي يفرضه على الأبناء حتى يكونوا ناجحين ومطمئنين بعيدين عن المشاكل أو تتخذ الأسرة قراراً بعكس ذلك، بأن يكون الابن إنساناً مستقلاً عبقرياً يتمرد على المجتمع، ويطوره ويؤثر فيه وينميه ويفتح أمامه آفاقاً من العلم أو التطور الاجتماعي. ليس هناك أي شك في أن الوالدين اللذين دخل كل منهما قالب المجتمع وأصبح خاضعاً من أعماقه بإعجاب وتقدير، للتقاليد والأصول والعادات المتفق عليها اجتماعياً، يميلان بطبيعة الحال إلى تربية أطفالهما على الطاعة وعلى تقبل الدخول في قالب المجتمع بمنتهى السهولة. وبما أن الطفل كان مقلدا ويرى في أسرته المثل الأعلى، فإنه غالباً ما يكون مطيعاً وغالباً ما يقبل الدخول في «قالب» المجتمع بمنتهى التسامح والرضا. وطبعاً لا أحد من الأبوين يدري أنه يستطيع لو عاش في ظروف أخرى وفي مجتمع أكثر توفيراً لحاجات التربية الإنسانية، لربما انفجرت فيه طاقات إبداعية لا حدود لها. القواعد الاجتماعية الدكتورة هبة قطب، استشارية طب الأسرة تشير إلى أن الطفل يحاول أن يكون شبيهاً بأبيه. وكذلك أيضاً نجد الأمر في الأسرة التي تعود الأب فيها على الرأي المستقل، والتفكير قبل التدبير، وعدم التسليم بالقواعد الاجتماعية، وإخضاع كل شيء للمناقشة، وكذلك الأم. فمن المؤكد أن أبناء هذه الأسرة سيتميزون بالفردية والاستقلال والمناقشة والقدرة على إبداء الرأي. لكن هذا المعنى ما زال يحمل قدراً كبيراً من الاتساع. فليس هناك تطابق كامل في كل الأسر بين الآباء والأبناء. إن بعض الأفراد الذين يتميزون بالتطرف تكون أسرهم محافظة، وهناك والدان ينغمسان في الانطلاق والتحرر وقد يفاجأ هذان الأبوان بأن أحد أبنائهما أصبح طفلاً تقليدياً، بلا أي فردية، يخضع تماماً للعرف والتقاليد الاجتماعية. وهذا يثير الدهشة والتعجب. وهذه الأنماط طبعاً قد يكون السبب فيها الثورة أو التغير الفجائي في موقف الطفل نتيجة لمناقشته لنفسه. ويمكننا أن نرى بعض العوامل التي تلعب دوراً مؤثراً بشكل واضح في بعض مراحل النمو بالنسبة للطفل. وتضيف الدكتورة قطب:«عندما يصطدم عناد الطفل بعناد الأم نكتشف صراعاً بين الإرادتين، صراعاً طويلاً قد ينهزم فيه الطفل فيصبح شخصاً سلبياً لا يفكر إلا في تنفيذ ما هو عكس أوامر الأم، سواء كان يريد ذلك فعلاً أم لا، ونحن نشاهد ذلك في الكبار الناضجين الذين نجد على ألسنتهم كلمة «لا»، ينطقونها بصورة آلية رداً على كل اقتراح أو أي فكرة». التمرد تكمل الدكتورة قطب: «إن المناقشة الحادة والاحتجاج الصاخب يضخمان أصغر الأمور لتصبح كبيرة تشغل حيزاً من التفكير. ويكتشف الشاب بينه وبين نفسه أن التمرد أيضاً هو تمرد ضد نفسه. إنه يحتاج إلى أن يضع حداً للشد والجذب بين طرفين. إنه يريد أن يكون نسخة متطابقة مع الأب في كل ألوان السلوك والوظيفة وطريقة النظر إلى الأمور وطريقة اتخاذ القرار. وهناك دافع آخر مضاد، يريد الشاب أن يكون في الناحية الأخرى المضادة للأب. إنه متمرد. لا بد أن يكون مختلفاً عن والده بأي طريقة وأن يتفوق عليه وأن يهزمه. وعندما نسأل هذا الشاب عن المستقبل الذي يريده وأي نوع من العمل يتمنى؟ فإنه يفكر كثيراً، إنه يريد أن يستفيد من خبرة الأب ويريد أن يتمرد عليه في نفس الوقت. ويدرس إمكانيات المجتمع ويحاول أن يقارن بين المهن المختلفة. قد يقول إنه سيختار مهنة أبيه، ولكنه يضع شروطاً لتطوير هذه المهنة سواءً في الزراعة أو التجارة أو العلم. ويظل يتكلم عن أحلامه. وقد ينفجر قائلاً إنه لا بد أن يكون إنساناً أفضل من الأب في نفس مجال العمل. ويظل يقذف والده بوابل من الأسئلة والاقتراحات، ويحاول أن يستغل أكبر قدر من الوقت ليكتشف أي جديد في مجال عمل أبيه لا لشيء إلا ليثبت أن والده كان متخلفاً وأنه كان بطيئاً وأنه كان يستطيع أن يكون أفضل من ذلك». المنافسة الدكتور محمود رشاد، استشاري الصحة النفسية، يقول: بعض الأبناء يعلنون التنافس مع الأب بأسلوب آخر، ويهربون من مهنة الأب كأنها مرض خطير يؤدي إلى الدمار. والواحد منهم يقول على الفور عندما تسأله: لا أدري ماذا سأكون في المستقبل لكن من المؤكد أنني لن أسير في نفس الطريق الذي سار فيه أبي. سأختار عملاً آخر. إن عمل أبي لا يعجبني. وكثيراً ما يعود مثل هذا الابن عن قراره بألا يكون مثل أبيه ويختار نفس الطريق الذي سار فيه والده من قبل، لا لشيء إلا لأنه أثناء الدراسة الجامعية خاف من المنافسة وخاف من المغامرة. لذلك قرر أن يريح نفسه باختيار نفس مجال عمل الأب. أما عن البنت، فمنذ زمن قريب كانت الفتاة التي تدرس بالجامعة هدفها اللاشعوري هو مجرد التمرد على أسلوب حياة الأم. وقد نجد فتاة بين الفتيات اللائي لهن أمهات ممن يحملن شهادات جامعية واحدة تمتنع عن الذهاب إلى الجامعة لنفس السبب، هو التمرد على أسلوب حياة الأم. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا التنافس بين الأجيال الذي يشتعل أحياناً كحرب لا هوادة فيها، هو المنبع الأساسي للتقدم الإنساني. لذلك فلا داعي للبكاء على حظ الجيل الجديد العاثر أو غير المسؤول، إلى آخر هذه القائمة من الاتهامات التي يكيلها كل جيل قديم لكل جيل جديد. فالمقياس الأساسي الذي يمكن أن تتحدد به فاعلية كل إنسان هو: هل يصل هذا الإنسان في نهاية المطاف إلى درجة من النضج تكفي لتجعله قادراً على أن ينسجم مع حقائق المجتمع الذي يعيش فيه. تصحيح الخطأ يكمل الدكتور رشاد: لو وقع الابن في خطأ ما فهل سيستطيع أن يصحح الخطأ أم سيستمر فيه من دون أن يكتشفه؟.. هل سيظل الابن محاصراً بالعجز عن التعبير عمّا يضايقه أم سيحاول اكتشاف وسائل لوضع حد لهذا العجز؟ إن الابن أحياناً يحمل اقتراحاً جديداً عن طريقة ترتيب الطعام في الثلاجة مثلاً، وقد يحمل في الغد رأياً آخر، وقد يرفض في اليوم الثالث تناول طعام غير طازج. وقد يقول مرة إن طريقة تدريس العلوم يجب أن تطور، وقد يعلن انضمامه إلى جماعة من أنصار السلام في العالم، كل ذلك يحدث. بينما قد يهمل دروسه وعلومه فهل نستسلم له أم نوجهه؟ لكن ما أن نبدأ في التوجيه حتى يبدأ الابن في المزايدة علينا فيقوم بواجبه كاملاً. ولهذا فليس لنا أن نقول كلمة حاسمة في هذا الأمر. إن الأب الذي دخل في أحد «قوالب» المجتمع قد ينجب ابناً متمرداً على ذلك ومهما حاول الأب أن يجعله مصبوباً في قالب، فإن الابن سيرفض وسينجح في هذا الرفض. وكذلك الأب الذي تعود على أن يرفض القوالب الاجتماعية، فإنه قد ينجب ابناً تقليدياً يغرق في احترام الأصول والقواعد. الخروج على القالب ترى الإعلامية في تليفزيون دبي مديحة معارج أن على كل أب أن يؤمن بأن معظم الأبناء سيختارون الطريق الخاص بهم في تلك الناحية، دون حاجة إلى أن يبذل الأب جهداً خارقاً للطبيعة، ولكن إذا لاحظ الآباء أن أحد أبنائهم يتجه إلى الشراسة، والعنف والانحراف، فعلينا أن نسرع إلى طلب معاونة الأخصائي النفسي، فليس معنى الخروج على القالب أن يصبح الابن مجرماً. وعلينا أيضاً نحن الآباء أن نعرف الحقيقة وهي أنه ليس باستطاعة أحد أن ينشئ عامداً متعمداً ابناً مصبوباً في قالب أو ابناً متميزاً، إن ذلك يتمثل في حركة المجتمع نفسه. لقد رأيت كثيراً من الآباء يحاولون أن يجعلوا أبناءهم يتفوقون في نفس مجالاتهم كالزراعة، أو ميدان الموسيقى، أو الألعاب الرياضية، فلا يقابل الابن أباه إلا بالرفض التام لهذا المجال. وتكمل معارج: «إن الطفل ليس قطعة من الطين في يد نحات، إنه كائن حي، يعيش آلاف التجارب ويمر بمختلف الظروف. وعملية محاولة إكراه الابن على انتهاج طريق معين يفشل فيه الابن ويصاب من جرائه الأب بالإرهاق العصبي. إن كل ما نستطيع أن نحيط به أبناءنا هو الأمن والاطمئنان وترك الحرية لهم للاختيار. صحيح أنه يمكننا أن نحدد إطارات معينة ومعقولة لسلوك الأبناء مثل الأدب والإحساس بالمسؤولية، ونحن قادرون على ذلك عندما نكون نحن قدوة لهم على هذا الطريق، لكن لن ينجح أحد في إكراه الابن على أن يكون مثلما يريد الأب، إلا إذا أراد الابن ذلك».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©