الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذكرى النكبة... وعودة الأمل

23 يونيو 2012
صادف منتصف هذا الشهر مرور الذكرى الـ 64 للنكبة. وقد مرت الذكرى وسط ثورات عربية ومواجهات فلسطينية تتحدى الاحتلال نتج عنها مئات الجرحى. غير أن النكبة لا تزال حاضرة، لأن ما نتج عنها من ظلم واقتلاع يتكرر كل يوم، فحين قامت إسرائيل عام 1948، لم يكن يهود فلسطين يملكون سوى 6 في المئة من أراضيها، لتشرع إسرائيل في سرقة الأرض بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 وبعد تهجيرها لما يقارب 900 ألف مواطن عربي فلسطيني من أصل مليون و400 ألف، وقامت بمصادرة أملاك الفلسطينيين تحت مسمى قانون أملاك الغائب، وأمعنت في الوقت نفسه في تدمير مئات القرى ومنع عودة من شردتهم بعد سيطرتها عسكرياً على 77 في المئة من الأرض. وفي سنوات النكبة الأولى، بادرت إسرائيل بجلب مئات الآلاف من اليهود من أوروبا ومن البلاد العربية، وأسكنت معظمهم في مدن فلسطينية سبق أن شردت أهلها. ومنذ يومها الأول، أصبحت النكبة هي الرمز الأكبر لظلم واقتلاع لشعب مصحوبين بفقدان شامل للأرض والحقوق. وعلى رغم مرور 64 عاماً على النكبة، نجد أن التمييز والعنصرية والتوسع والاستيطان التي تميز سياسة إسرائيل، تعيد بناء الصلة بين ما وقع في الأمس وما يقع اليوم، فمنذ هزيمة 1967 واحتلال إسرائيل لما تبقى من أرض فلسطين، ازدادت حدة الصراع ومعاني النكبة. وفي الوقت ذاته، هناك في الضفة الغربية وفي القدس العربية المحتلتين نصف مليون مستوطن إسرائيلي جاء معظمهم في السنوات العشرين الماضية، وذلك بعد أن صادروا جزءاً كبيراً من الأرض المحتلة عام 1967. وقد أقامت إسرائيل في الضفة الغربية جداراً كبيراً يفصل بين الأراضي والقرى والمستوطنين، ما يعمق ذاكرة النكبة الأولى وقساوتها ويضيف عليها ما يتواصل مع سياسات الفصل العنصري كتلك التي كانت مطبقة في جنوب أفريقيا. أما في غزة، فالحصار ما زال قائماً، واضعاً مواطني القطاع في منطقة هي الأكثف سكانياً في العالم. وفي ذكرى النكبة، ما زالت المخيمات الفلسطينية المنتشرة في الدول العربية المحيطة بإسرائيل، والمقامة أيضاً في الضفة الغربية المحتلة وغزة، شاهداً على جرائم ما وقع عامي 1948 و1967 وفيما بعدهما، فالمخيمات تعبير عن معاناة أحفاد النكبة. ففي كل مخيم قصة من قصص الماضي والتاريخ، وفي كل مخيم مصاعب وموانع ناجمة عن الحاضر. وفي الذكرى الرابعة والستين للنكبة، لا يزال الشعب الفلسطيني في الحلبة: لم يستسلم، نهض المرة تلو الأخرى في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، وذلك بعد ضربات شبه قاتلة، رافعاً لواء العودة والثورة. وفي الذكرى 64 للنكبة، لا يزال الشعب الفلسطيني يعيش على الأرض التي تستهدفها إسرائيل بعدد يساوي عدد الإسرائيليين من اليهود. فالإسرائيليون تجاوزوا الخمسة ملايين وكذلك الفلسطينيون القاطنون على أرض فلسطين تجاوزوا الخمسة ملايين. وهذه الحقيقة السكانية أصبحت جوهر الصراع وأساس تعبيراته القادمة. وتبرز بين الفلسطينيين في هذه المرحلة روح جديدة تتساءل عن الطريق القادم، فطريق السلام الذي بدأ مع أوسلو عام 1993 أخذ يصل إلى مأزقه الطبيعي لأن إسرائيل ملتزمة بالتوسع والاستيطان وتسعى ليهودية الدولة وقضم القدس والأرض والضغط على السكان بهدف جعل الحياة بالنسبة إليهم على الأرض شائكة. وتمر إسرائيل بمرحلة هي الأكثر عنصرية في تاريخها بينما يمر الشعب الفلسطيني بمرحلة هي الأعلى، بثباته على حقوقه وتمسكه بأرضه. وفي هذا الإطار يتراجع الطريق التفاوضي على مراحل من دون أن يعني ذلك الانتقال إلى النقيض المفتوح. ويترافق الجديد مع نمو في الوعي الفلسطيني الذي يرى أن مشروع الدولة لم يعد جوهر الموضوع على رغم أنه الشعار الرئيسي حتى الآن للحركة الوطنية الفلسطينية. فالحركة الفلسطينية تتحول نحو التركيز على حقوق الفلسطينيين في كل الأرض، سواء كانت تلك الأرض في إسرائيل 1948 أو في الضفة وغزة والقدس. ففي كل يوم يتعمق التحول في النضال الفلسطيني من السياسي إلى الحقوقي وذلك بهدف تثبيت الحقوق في كل منزل ومكان، بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني بالديمقراطية على أرضه وحقه في التعليم النوعي والانتقال الحر في بلده. إن ملايين الفلسطينيين على الأرض سيكثفون من تحديهم في المرحلة القادمة للقوانين العنصرية الإسرائيلية، مثل: الجدار، والفصل، وقوانين مصادرة الأراضي، وقوانين السجن والحبس والإبعاد، وقوانين الاعتقال، وقوانين نسف المنازل وتهويد المناطق. والصراع القادم سيتعامل مع القانون الدولي والمحلي والعالمي، وسيرفع من قيمة الحقوق في مواجهة العنصرية. إن إضراب السجون الأخير يمثل علامة فارقة في هذا الطريق الطويل الذي سيأخذ الحالة الفلسطينية إلى مرحلة جديدة. ويمثل الجيل الفلسطيني الجديد القوة الاجتماعية الأكثر قدرة على إحداث تغييرات جوهرية في النضال ضد الاحتلال والعنصرية، ففي فلسطين تنمو قدرات وإمكانيات بين جيل جديد يزداد انفتاحاً على ذاته، بينما يبتكر وسائل نضال جديدة. في الذكرى الرابعة والستين للنكبة، يزداد الأمل وتبدأ ملامح مرحلة لم نكتشف حتى الآن كامل ملامحها الجديدة. د. شفيق ناظم الغبرا كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©