الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أهل الميناء وعماله: ما أحلى البقاء فيه

أهل الميناء وعماله: ما أحلى البقاء فيه
4 يونيو 2006
حين يغمضون عيونهم في ساعات الليل طلباً للنوم، تستيقظ أحلام اليقظة· فأحلام بسطاء الميناء لا تغفو··· لكنها مع كل مدّ وجزر، تتغير، تكبر أو تصغر، بحسب وقائع أيامهم والمعطيات والظروف، فحتى الأحلام التي يرسمونها ثمة ما يغيّر ألوانها! نستخدم في هذه المقدمة ضمير الغائب لكنهم حاضرون ··· من هم؟ في الحلقة الثالثة والأخيرة من سلسلة ميناء زايد بأبوظبي سيعرّفونكم بأنفسهم وأحوالهم وأيامهم وأحلامهم·
روعة يونس:
طرقنا في عددين سابقين أبواب ميناء زايد بأبوظبي دخلنا شاطئه ورصدنا سفنه، تأملنا توسد الشمس لموجهِ، ومصافحة النوارس لزبده، وجلنا في أسواقه، نتعرف على أصناف المنتجات المتوفرة، نحدث الباعة ونمهر الحديث بسؤالنا عن الرحيل، رحيل الميناء إلى منطقة وأرصفة أخرى·
حين وصلنا إليهم، ظنوا أنه قد تكون لدينا إجابات تروض قلقهم وتهدهد تعبهم· كان السؤال الأبرز: ما مصيرنا بعد انتقال الميناء؟ وهل سنرافقه في رحلته؟
بينما كانت أسئلتنا: كيف مرّت عليهم السنون هنا؟ ما وقائع يومياتهم؟ وما هي الصعوبات التي تعترضهم؟ وأمانيهم·
تأجير المحال بالمجان
التقينا بعدة باعة في أسواق الميناء بجهتيه، منهم من يقيم على أرضه، ومنهم يقيم بعيداً عنه· يبيعون في المحال كل ما يحتاجه المرء· أسعار منتجاتهم في متناول جميع القدرات الشرائية، يقدمون للعمل فيه من عدة دول: إيران وباكستان وأفغانستان والهند والفلبين· وهناك قلة قليلة جداً من الباعة العرب تتمركز في سوق الخضار والفاكهة والتمر، من بينهم أبوعيسى و الدرعاوي، قالا لنا: قلقنا في الرحيل عن الميناء يتمثل في جهلنا للمستجدات، فنحن حتى الآن لا نعرف متى وأين وكيف··· وهل سننتقل إلى مكان آخر؟ لكن أينما كنا فحنيننا إلى هذه المنطقة دائم لأن 'عمر النخل ما ينكر جذور قاعه'·
أما الصفدي فقال: الميناء شهد أحزاني وأفراحي، وصوت أبنائي حين يتصلون يخبرونني عن نجاحهم في الدراسة أوشوقهم إلي، قضيت فيه نصف عمري تقريباً·
عبد الحسين من سوق المفروشات، قال مبدياً أساه لما يتردد حول انتقال الميناء: مضى على وجودنا نحو 15 عاماً، اعتدنا المكان وخدماته والزبائن والرزق، وتربطنا بالمكان وأهله علاقات طيبة، وكلما ضاقت بي السبل أقصد بحر الميناء، تلاحق عيني الموج، فبلادي وراء هذا البحر، لكن حياتي وذكرياتي هنا·
يخفف عنه 'أبو حميد' بائع الفخار ويقول: نحن لا ندفع إيجاراً للبلدية عن المحال التي تقدمها لنا مجاناً، نبيع المزهريات وأواني النباتات والصناعات اليدوية التي نحملها من القرى الساحلية بإيران، بأقل الأسعار، وإدارة الميناء تمنحنا فرصة التخزين المجاني للبضائع المفرغة من السفن والبواخر لمدة ثلاثين يوماً، ولا أحد يعرف ما سيكون عليه الحال لو تغير مكان الميناء·
ويهز مصطفى بائع النباتات رأسه مؤيداً كلام جاره، مضيفاً: لم تبلغنا إدارة الميناء أو البلدية بأي تعليمات بعد، ونحن كما هذه الشواطىء ننتظر!
أما بائع الورد فقال متنهداً: حين يغلقون الميناء ويطلبون منا الرحيل، سأترك كل أواني الورد هدية للعابرين!
عرجنا إلى سوق الأسماك واللحوم، الأسى ذاته، والأسئلة مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن ثمة من يتصف بالحلم والأمل، كما محمد ألطاف: مررنا بصعوبات عدة كمعظم الناس، وسنتجاوز كل طارىء جديد بصبر وحكمة، أينما صار موقع الأسواق سنكون هناك، هذا عملنا وتلك أيامنا·
أما بابير حسين فقال: العمل هنا يمنحنا الأمان والاستقرار، وما قلق الناس الآن إلاّ لشعورهم بخسارة ما هم عليه، نتمنى أن تأتي علينا أيام أفضل·
الزمان و المكان
مجموعة أخرى من الباعة، تشعر بحزن الفراق لأن صلتهم بالسوق قديمة ومتينة· فقد أسست جغرافية المكان ذكريات حميمة في حياتهم وشكّلت تاريخهم البسيط والمليء معاً، إذ يكاد واحدهم لا يخرج من الميناء· فالمحل والسكن في بناء واحد·
يقول عبد القادر: إنه يسكن وقريبه في غرفة تقع فوق دكانهما، وكان يأمل أن يتسع رزقه باستمرار عمله في الميناء· يشاطره الرأي عبد الوكيل بائع 'أغطية صوفية' محله أسفل غرفة إقامته، شأنه كزملائه ديلاور وعبد القادر، يستأجرون غرفاً تقع فوق محالهم، مقابل 500 درهم للشخص الواحد·
حين يفرغ كل من ميرامول ونذيرخان وشايخان، من عملهم في فترة الغذاء، يجتمعون قبالة محل أحدهم، يجلبون أرغفة الخبز يتناولونها مع الجبن والشاي، ويستفيئون بستائر البلاستيك 'مظلة المحل' ويتناولون طعام الغذاء·
يبادر ديلاور قائلاً: أحياناً نتناوب على طهي طعام الغذاء الذي يتكوّن عادة من أرز بسمتي و'صالونة' خضار ولحم·
أما عبد المقبول ومحمد غور، فيتشاركان في السكن والعمل ببيع السجاد، قال الأول: لا أعرف مكاناً في أبوظبي غير الميناء، هنا زماني ومكاني وكل حياتي، نادراً ما أخرج من السوق· وأكد محمد غور كلامه مشيراً إلى أنهما يخرجان من السوق يومي عيد الفطر والأضحى للتجول في الشوارع أو الحدائق الممتدة على طول الكورنيش·
حيث تسند أكياس الفحم ظهرها إلى أعمدة حجرية، التقينا خدادي وشقيقه أحمد، أخبراننا أنهما مع والدهما يسكنون في غرفة بمحيط الميناء، مقابل ألف درهم، وغالباً ما يبقيان في محلهما أثناء فترة الغداء والقيلولة، أو يشربان الشاي مع أصحاب المحال المجاورة·
في حين عبّرغلام محمد عن هموم العمل والانتقال من الميناء بقوله: رضينا بالهمّ المتمثل بقلة البيع وشح الدخل، على أمل أن تتحسن الظروف، كنا نعاني من سيارات تأتي من إمارات مجاورة، تقف على جانبي السوق دون رخصة! وتنافسنا في الأسعار وتبيع حمولتها بسرعة··· نحن ندفع إيجار المحال واستهلاك الكهرباء، لذا لا نستطيع أن نبيع بذات أسعارهم··· لكن مع قرار انتقال أسواق الميناء ربما لن نستطيع حتى مجرد الشكوى!
بينما اعتذر بائع فحم عن الكلام معنا لأنه -كما قال على عجلة-: أنا أعمل ولا أريد معرفة متى ينذروننا بالرحيل!
تطير الطيور بأقفاصها!
نيشان سينج من سوق الطيور، أشار إلى أنه كما طير 'الباجري' الذي يأنس إلى القفص ويرتاح فيه ويشعر بالأمان، على عكس معظم الطيور، لذا يساوره القلق بشأن مغادرة الميناء، وتساءل: هل ستُطلق الطيور أم سيحملونها معهم حين الرحيل؟
أما حــظرة خـان، فقد كان نائمـاً حين وصــولنا سوق الأعلاف، وتمنى ألا ينتـقل الميناء، بل يتحول إلى مزارع كالتي في منطقة الشهامة، لأنه يحلم أن يركض في المزارع والحقول مثلما كان يفعل في قريــته قبل وصوله هنا، ورفض الإفصــاح عما إذا كان يقيم في السوق أم خارجه!
بينما محمد وجعات و توس محمد، بائعان في سوق الحطب، اتفقا على صعوبة الحياة، لكنهما لن يكونا كما الشجر المعطوب أوالحطب الذي يبيعانه، بل سيستمران في الأمل·
نمضي عنهم، وتظل أسئلتهم عن انتقال الميناء مستمرة، ليس بينها 'لماذا ينتقل'؟ فهم لا يطلقون هذا السؤال، لأن لديهم يقيناً بأن البلد تمضي في عمرانها ونهضتها، وبدورهم يتمنون للإمارات كل خير وتقدم·
بينما الخلاصة التي خرجنا بها عقب جولتنا، وهي لسان حال العمال -رغم كل الصعوبات والإحباطات التي اعترضت حياتهم- تتمثل في القول العربي: رُبَّ يومٍ بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©