الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأبناء راشد وسالم: لا سبيل أمام جيل اليوم إلا التمسك بالقيم والعلم

الأبناء راشد وسالم: لا سبيل أمام جيل اليوم إلا التمسك بالقيم والعلم
16 فبراير 2009 00:24
التقينا بعلي سيف المحرزي''أبو أحمد''وولديه سالم وراشد اللذين يعملان ضباطين بالقوات المسلحة· في منزل العائلة في منطقة مسافي وقد عمل ''أبوأحمد'' لسنوات عدة بالزراعة، ثم بصناعة الذخيرة، وبالخياطة، وأخيراً بالتجارة والمقاولات· يحدثنا أبو أحمد عن الثلاثينات التي عاشها في قرية طيبة ثم في قرية مسافي حالياً بأن الحياة فيها: ''كانت متعبة لكنها جميلة جداً وبسيطة وعفوية وكانت المساكن من سعف النخيل وبيوت الشعر التي كان الناس يتعاونون في بنائها كما كانوا يساعدون بعضهم بعضاً في مزارعهم من دون مقابل، وكنا نزرع الحب أو القمح ونغني أثناء الحصاد (حب الحيل شارب سيل) وتقوم النساء بطحن الحبوب على الرحى ويصنعن منه الخبز، أما طعامنا فهو التمر واللبن والقهوة والحنطة ونسميها الدخن والذرة والسمن واللحم، وكانت تسمى في ذاك الوقت (همبا) حيث كانت الشجرة الواحدة تنتج ثمانية آلاف حبة تقريباً أما الآن ما عادت كذلك، كما كنا نحصل على الماء من البئر أو من النبع حيث كانت المرأة تحمل جرة الماء على رأسها وكانت المياه مجانية وكانت الأمطار تنزل بوفرة وغزارة ليس كأيامنا هذه؟! أما الكهرباء فلم تكن موجودة وكنا نستخدم بدلاً عنها الحطب، وكنا نتعالج بالأعشاب كالجعدة والحرمل والسريو مع الحليب الذي كنا نستخدمه للكسور وغيرها من الأعشاب، وكذلك كنا نستخدم العلاج بالكي وبالقرآن الكريم ولم يكن لدينا مستشفيات ولا أدوية، كما كنا نتنقل على ظهر الحمير والجمال حيث كانت تستغرق المسافة من قرية مسافي إلى دبي سبعة أيام كنا نصطحب معنا خلالها الرطب ونضعه في(الوخيفة) وهي كحافظة مصنوعة من سعف النخيل· أما التعليم فكان يجب على كل واحد منا أن يدفع درهماً ليدخل إلى الكتاب الذي يعلمنا القرآن والصلاة وغيرها لكنني شخصياً لم أتعلم لا في كتاب ولا غيره لأنني كنت فقيراً لا أملك درهماً أدفعه كل شهر للكتاب وكان الدرهم في ذاك الوقت يساوي الكثير الكثير''· العلاقات الأسرية يشيد أبو أحمد بالعلاقات الأسرية والاجتماعية في زمانه بأنها قائمة على الاحترام والتراحم والمحبة والنخوة والرجولة والأصالة والتكافل ويقول: ''كان الناس في الماضي قلوبهم متآلفة يهبون لمساعدة بعضهم بعضاً في العمل وبناء البيوت وفي الأفراح والأتراح، كما كنا كأبناء قرية واحدة نجتمع على رأي واحد، وللكبير بيننا وزن وقيمة ليس كأبناء هذا الجيل الذين لا يحترمون الكبير، وكنا نجتمع دائماً ونتزاور ونتسامر وننام بعد صلاة العشاء لنستقبل يوماً آخر بجد ونشاط''· ويضيف: ''كنا في الماضي نجتمع على مائدة واحدة نأكل مع بعضنا بعضاً وربما من الطبق نفسه ونتسامر ونسهر ونضحك أما الآن فكل واحد منا يأكل لوحده وفي غرفته، وكنت أربي أولادي على الاحترام والقيم والدين، ولا أنكر أنني كنت أستخدم العصا والحجر معهم أحياناً وذلك لا يعيبني فقسوتي جعلتهم رجالا ناجحين متعلمين، كما أن جميع بناتي يحسن الطبخ ورعاية شؤون البيت ليس كبنات هذه الأيام، ورب الأسرة يعمل ويغيب عن البيت الساعات الطوال ولا يدري ما حال أبنائه''· الزواج وتكاليفه ويصف لنا زواجه: ''كانت زوجتي أم أحمد تسكن في ''وادي كوب'' وأنا في''الطيبة''، وعلى عادة أبناء القرى يتزاورون فيما بينهم فكنت أذهب لزيارة أهلها، فرأيتها وطلبتها للزواج، وكانت في ذاك الوقت ابنة السادسة عشرة وأنا في الخامسة والعشرين من عمري، ووافق والدها على زواجي منها بدون أن يخيرها وهكذا كانت العادات لدينا وتزوجتها على مهر مائتي درهم شاملة لكل شيء''· ويخبرنا أبو أحمد عن تمسكه وأبناء جيله بما ورثوه من العادات والتقاليد ويقول : ''كنا في الماضي نخص العيد بفرحة مميزة عن باقي الأيام ونشعر بأن هناك عيداً ليس كالآن يأتي العيد وينتهي من دون أن نشعر ببهجته حيث كنا بعد صلاة العيد وطيلة أيام العيد الثلاثة نرمي بالبنادق ونغني وندق الطبول (الرزفة) ونصنع حلوى العيد وهي الهريس والدخن مع السكر أو الدبس، وكنا نخص العيد بلبس الغترة على الرأس والكندورة ولا نلبسه بالأيام العادية، وكان لونه أبيض ونحن نصبغه ''بالمسك والخل والورس'' وهذا لباسنا في العيد والعرس فقط· أضف إلى ذلك استخدام الحناء للرجال والنساء والأطفال وكنا نقطف نبتة الحناء من الشجر ونستخدمها للعلاج والزينة، وكانت النساء يلبسن البرقع ويمنع عليهن كشف وجههن منذ لحظة زواجهن كما كن يستخدمن شجر الياس بدقه مع الورد ونقعه بالماء ويتزين به على شعورهن''· جيلنا وجيلكم عن جيل الشباب المتهم دائماً بالسلبية والعجز وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ينوب سالم، وراشد الذي يبلغ من العمر تسعة وثلاثين عاماً، ويروي قصة المكان قائلا: ''هذه المنطقة الموجودة في رحم الجبال لم تكن ملكاً لأحد، فأخذنا موافقة من البلدية، وبدأنا العمل، في شق الصخور ورصفها وإحضار تربة صالحة للزراعة وأشتال من بلاد متعددة وصلت إلى خمسة وسبعين نوعاً وقمنا بزراعتها في ذاك المكان، الذي نسميه منتجع الجبل؛'' فهو حقاً كالمنتجع الذي يبهرك بنقاء جوه وجمال الجلسة فيه ولذة الفاكهة الممزوجة بتعب وعرق سالم الذي تحدى الجميع من أهله وأبناء قريته الذين حاولوا ثنيه عن هذه الفكرة التي اعتبروها مستحيلة وهدراً لأموال طائلة يمكن استغلالها في مشاريع ربحية كثيرة، لكن سالم تحدى الجميع وبرهن لهم أنه قادر على أن يسحق هذا المستحيل، فمنذ عام 2001 وحتى يومنا هذا أنجز الكثير، ويطمح الآن إلى بناء شاليهات على مستوى راقٍ في جزء من المزرعة التي تزيد مساحتها عن مائتي ألف قدم ··· ويعلق راشد على طبيعة العلاقات الأسرية والاجتماعية الآن بقوله: ''ربما نكون قد نشأنا في زمان كل شيء فيه متوافر لكننا دفعنا ضرائب كثيرة فهذا التنوع الثقافي والاجتماعي الذي أرغمنا عليه وانشغالنا بحشو أرصدتنا في البنوك أفرز بروداً في الروابط والصلات سواء على صعيد الأسرة الواحدة أم على صعيد المجتمع بأكمله فما عادت الحميمية وقيم التكافل والتسامح واحترام الكبير موجودة الآن كما كانت تبرز في الماضي، ولكننا في الوقت نفسه لسنا متشائمين فبيننا آلاف المبدعين والمتميزين وصناع الحضارة الذين لا نغفل دورهم في التقدم والتطور الذي وصلنا إليه الآن''· ويمتدح سالم دور المرأة في المجتمع الحالي ويقول: ''أنا أشجع عمل المرأة لأنها تعلمت وتعبت حتى يكون لها وجود ودور واضح وملموس في المجتمع وليس لتدفن نفسها بين جدران المنزل بل يجب أن تعطي وتنجز من دون أن يؤثر ذلك على اهتمامها بزوجها وأولادها وهذا يتطلب من الزوج أن يكون متفهماً لعمل زوجته فيصبر عليها ولا يرهقها بمتطلباته ويلتمس لها الأعذار ويشجعها على أن يكون لها كيان ووجود ''· ويقضي راشد معظم وقت فراغه مع أسرته في متابعة دروس أولاده والتسوق مع العائلة وبعضاً من الوقت يقضيه مع زملائه في المقهى· ويشير راشد إلى ظاهرة التقليد الأعمى، ويرجعها إلى الحرية المطلقة التي يمنحها الأهل لأبنائهم، وغياب رقابتهم عنهم فهو لا يحرم أبناءه من شيء، ولا يعزلهم عن المجتمع بل يعطيهم الحرية المسؤولة، ولا يغفل عن رقابتهم· أما سالم فهو يعمل في أبوظبي ولا يوجد لديه وقت فراغ كبير حيث يعتبر نفسه رجل ''بيتوتي'' ويقضي وقته بين الاهتمام بعمله والجلوس أمام الإنترنت والمطالعة وزيارة الأهل والجزء الأكبر من عطلة نهاية الأسبوع يقضيه في مزرعته الخاصة· ينكر راشد وسالم محافظة أبناء هذا الجيل على الموروث الغنائي المسمى بـ''الرزفة'' الذي تحدث عنه والدهما واستبدال ذلك بما نشاهده ونسمعه على القنوات الفضائية الذي هو في أغلبه فن مبتذل سواء من حيث الكلمة أو اللحن أو الأداء· سالم يخاطب هذا الجيل بقوله: ''نحن مقبلون على أيام قد تكون أصعب من الأيام التي مضت لذا فتزودوا بالعلم والمعرفة وتمسكوا بالدين وبما ورثتموه عن آبائكم وأجدادكم فهو هويتكم وتاريخكم المجيد'·
المصدر: العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©