الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لميس المرزوقي.. اللغة مُجرد كلام

لميس المرزوقي.. اللغة مُجرد كلام
22 سبتمبر 2010 20:45
لنفترض جدلاً أن أي ديوان شعري يتضمن نصين، أولهما نص صغير نسميه المقدمة أو قد نسميه الإهداء وثانيهما نص كبير نسميه المتن الذي يحتوي مجمل قصائد الديوان والتي عادة ما تأتي على عدّة أشكال منها قصائد تحمل عناوين أو قصائد تحمل أرقاماً تكون بالضرورة متسلسلة أو قصائد مفصول بعضها عن بعض بعلامات إشارية هي عادة ما تكون نجوماً من خلالها يمكن أن نقرأ سبب وجودها اما الموضوعاتي أو البنائي، أو قصائد مفصولة بفراغات واضحة، وهذا النوع من أكثر ما رتب من دواوين شعرية ندرة، إذ الأغلب والأعم أن تحتوي الدواوين القصائد بأسمائها أما ترتيبها فهذا أمر آخر يخضع لعدة أنواع منها الترتيب الزمني أو الموضوعاتي أو تشابه الرؤية البنائي الذي يعتمد الشكل. نتساءل وفق هذا الأمر ما الغاية من ترتيب أي ديوان شعري، بحسب الأرقام كأن يبدأ التسلسل من 1 إلى 36 مثلاً مصحوباً بأسماء القصائد، وأخيراً يضع الشاعر فهرساً يحتوي الرقم واسم القصيدة ورقم الصفحة. هنا في ديوان الشاعرة لميس فارس المرزوقي “النقطة السوداء في جيبي” الصادر عن مشروع قلم في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث يختلف الأمر، إذ احتوى المتن على 36 قصيدة رقمت بحسب تسلسل العدد من 1 إلى 36 ولم يحتو على فهرس القصائد؛ لأن الحاجة تنتفي هنا، إذ لا عنوانات للقصائد سوى الأرقام، وهي موجودة في الداخل. هذا من جانب أما الجانب الآخر فأظن النص هنا أصبح نصاً واحداً تترابط فيه القصائد ترابطاً موضوعاتياً وبنائياً، كما تترابط الأرقام مع بعضها بعضا في تسلسل متعاقب لا ثغره فيه. النص الواحد يقودنا هذا الاستنتاج البسيط إلى أن نقرر أن القصائد لدى المرزوقي تعتبر نصّاً واحداً أما التقسيمات العددية، فهي شكلية إلى حد بعيد وما غايتها سوى تهدئة الجو الشعري في استراحات متعاقبة متلاحقة متسلسلة وهنا نفترض أن فكرة تحول المتن الشعري للديوان إلى كتلة واحدة يعد افتراضاً صحيحاً ولكن يخدم معنى المعنى في الديوان، إذ إن هذه الكتلة الواحدة تتمحور حول “الأنا الشاعرة”. في الإهداء أو التقدمة إشارة أو علامة على رؤية الشاعرة المرزوقي لعالمها الشعري، فهي تقول: غريبة أسماؤنا كمنزلي القديم وحلم طفلة كانت تناديني أنا والنص هذا خارج متن الديوان، وهو كاشف لرؤية الديوان أيضاً، إذ يفصح عن أن المرزوقي تخاطب ذاتها أو لنقل “أناها”، فهي تلغي الأسماء وغرابتها كونها شبيهة بالمنزل القديم الذي ألغي من حاضرها ومن ثم فإن الطفلة التي كانت تنادي ذاتها “أناها”، فهي المخاطب والمخاطب (بفتح وكسر الطاء) أي المنادي والمنادي عليه. شكلياً كان المفترض أن يأخذ الضمير “أنا” أول السطر الرابع منفرداً بهذا الشكل: وحلم طفلة كانت تناديني أنا باعتباره محور القصيدة، إذ إن ضمير المتكلم في تناديني وهو الياء هو ذاته ضمير المخاطب “الياء” في تناديني أيضاً، وهو ذاته الـ”أنا” أيضاً. يتجلى كل ذلك في قصائد الديوان التي قسمت إلى 36 قصيدة دون فهرسة في آخره. اللؤلؤة السوداء يهيمن ضمير المتكلم الذي رأيناه في مقدمة الديوان على العنوان أيضاً، وكأن الشاعرة تشير إلى أن “الأنا” هي محور عالمها “النقطة السوداء في جيبي” إذ تعلن المرزوقي أن اللؤلؤة السوداء، لؤلؤة الشعر، أو الألم المتمركز في القول الشعري يقبع مختفياً في جيبها/ ذاتها، إذ يحمل الجيب دلالات عدة منها التملك أو الخفاء أو الذاتية أو السرية. وفي قراءتنا للمتن الشعري فيما بعد نشهد هذه الذاتية واضحة منذ القصيدة رقم (1) حيث تتكرر العناصر ذاتها التي تحدثنا عنها “في منزلي/ ضمير متكلم” و”لم يزرني/ ضمير متكلم” و”كما أن الحياة حيث أترك/ ضمير متكلم. نفسي/ ضمير متكلم” ولنقرأ النص كاملاً: كم مرة جاء الصباح؟ وليس أعلى الرأس جمع من هواء في منزلي تختلف السماء فليس شمس أو قمر ولم يزرني منذ موتي المطر كما أن الحياة حيث أترك نفسي لها لم تقِ لقبي المفزع تجسيد الشعور يتكرر التمركز حول الذات كما وجدناه في العنوان والمقدمة، ليكشف كيفية تشكل الذات الشعرية وهي تقول، تفصح، تتحدث، تنفعل، تبث أشجانها، مسرتها، أحلامها حتى أنها في حيرة ودهشة في بدايات القول الشعري، إذ إن اللغة لا تسعف الذات الشاعرة في لملمة الحالة الشعورية التي تفيض بغزارة، اللغة عند الذات الشعرية قاصرة على إيصال الشعور وتجسيده بوضوح: ماذا سأقول؟ وكل ما أعطتني إياه اللغة مجرد كلام أصوات: لا يخيفها الموت كيف سأنقل لك قلبي الموبوء كرمانة مستلقية وحيدة في الصحراء أي حدود تضع لي؟ وأي بلاد حزينة كبلادي ستوقظني؟ هذا المقطع يشير إلى حالتين أولاهما قصور اللغة عن وصف الحالة الشعورية كما قلنا “ماذا سأقول؟” و”كيف سأنقل لك قلبي الموبوء؟”. وثانيتهما أنه مقطع الاستفهامات التي استهلت بها القصيدة، وهو مرتبط بذاته ومبتعداً عن مقطع آخر جديد سيأتي بعده يمكن تسميته بمقطع الإجابات عن تلك الاستفهامات وما بين مقطع الاستفهامات ومقطع الإجابات فراغ طباعي.. تشير الإجابات في المقطع الثاني من قصيدة رقم (2) والتي أهديت إلى الورود التي جفت على طاولتي إلى ذاتية العالم الشعري هنا. إذ الورد الجاف تفترض آخر مغادراً والطاولة تفترض تقابلاً لشخصين، ولكن الجفاف يلغي أحدهما الغائب ويؤكد ألآخر الحاضر في الخطاب الذي تفصح عنه “الأنا” المتكررة في القصيدة خاصة في الإجابات عن الاستفهامات في الاستهلال: حيث الزمن الرابع بعد الألف وألف حيث الصمت المطبق وانت انت هناك حيث الكلمات قديمة وكل عبارات الأمم الأخرى قصة رجلٍ ميتٍ تحزنني كسرير كان لارضٍ ثم لعدمٍ صار هذا النص إجابة واضحة عن كل التساؤلات، وهو في الآن نفسه تمثيل للإهداء، حيث الطاولة والشخصين والورد الجاف. في قصيدة (4) تقول المرزوقي: مازلت أعود حيث الشارع مخبوء تحت ضفيرة عينان بلا رأس تمشيان حيث وجوه الناس بعيدة وقباب الأرواح لا تقفز وكأول خيط للعمر أتلحف بالجدران بخيط الشمس الهارب عنها نجد أن الشاعرة ابتدأت بـ “الأنا” في “مازلت أعود”، وهي إشارة إلى تخيل الطفولة بدلالة “ضفيرة” و”وجوه الناس بعيدة” و”كأول خيط للعمر”. هنا نجد لميس المرزوقي تسرد حكاية، ولكن بطريقة غير تقليدية عبر قلة الألفاظ واختزال اللغة وكثرة التلميحات الإشارية، وهذا ما نلحظه بوضوح في النص (8) وفي المقطع: أونيس غادر لن يعود ولكن “ليت” تظل تعوي مزعجة الليل الكئيب وتعلق الشاعرة شارحة “أونيس” بأنه شخصية روائية من عالم قديم، تعيش معه، وهو يمثل القيمة الفلسفية للاختفاء باعتباره موطئاً لما لا موطأ له وهو مرتبط في قلبها بـ”آشور”. وعودة إلى دلالة “أونيس” وما تقوله المرزوقي، تتضح لنا مفاصل المتن بأكمله فهو متن شعري ذاتي، قديم “أعيش معه منذ الطفولة” وانه ممثل لقيمة الاختفاء “في جيبي” كما جاء في العنوان. القصائد القصار اعتمدت لميس المرزوقي في بث رؤاها الشعرية على بنية القصائد القصار وفي هذا البناء التركيبي تسرب رؤاها واحدة بعد الأخرى، كما أنها تلخص الأجزاء التي تريد توصيلها من عالمها، ولكنها لم تعتمد على المفارقة بل لم تلجأ إلى الخاتمة الصادمة في القصيدة التي يطلق عليها بـ”ضربة القصيدة” أو ما يمكن أن تقول فيها “كسر أفق توقع القارئ” عبر الدهشة المباغتة، حيث ظلت قصائدها وصفية، شارحة لحالة الحكاية التي تعيشها أو الرؤية التي تريد توصيلها، وأعتقد أن هذا الأسلوب هو أسلوب تلخيص الذات لا توصيف العالم، فالذات تبتعد تماماً في شعر المرزوقي عن العالم المعاش أما باستخدام ضمير المتكلم أو باستذكار الزمن الماضي أو المكان القديم أو الطفولة البعيدة أو الموت المغيب. قلت إن قصائد المرزوقي بعيدة عن المفاجأة والصدمة، فهي هادئة تعتمد التساؤلات ووصف الذات، حيث لا نجد فيها قلبا للصورة أو تشكيلاً لتضادات العناصر من حيث المعاني أو المواقف في الديوان بمجمله إلا في قصيدة رقم (13)، حيث تقول: كل من أحببت كانت في فمها سيجارة لكنها ليست بالضرورة أمك كل النساء في فمهن سجائر مختلفة لكنهن لسن مدخنات وأعتقد أن “فمهن” كان المفترض أن تكون “أفواههن” لأنهن (النساء) جمع يقابله جمع “أفواه”. فما بين مدخنات في المقطع الأول ولسن مدخنات في المقطع الثاني تصور عن تقرير حالة ونفيها في تضاد موضوعاتي يشير إلى حالة شعرية. عن الشاعرة لميس فارس المرزوقي شاعرة ولدت في أبوظبي وصدر لها “شفاه أيبسها الرعب”، وهو ديوان شعر عام 2009م عن دار كنعان في عمان وصدرت لها رواية تحت عنوان “حدثتنا ميرة” عن دار صفصافة للنشر في القاهرة عام 2010م، وهي حاصلة على جائزة المرأة الإماراتية للإبداع في الفن التشكيلي في المركز الثالث عام 2009م، كما صدر لها ديوان “النقطة السوداء في جيبي” عن مشروع قلم التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©