الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرز.. قوت الفقراء المسروق

الأرز.. قوت الفقراء المسروق
22 سبتمبر 2010 20:46
يطعم الأرز كل يوم 3 مليارات من الأشخاص في العالم، وخلال ربيع 2008 تضاعف ثمنه 6 مرات مما أسفر في الكثير من بلدان الجنوب عن حصول اضطرابات بسبب الجوع، وتبع ذلك غياب الأرز واختفائه من الأسواق وهو ما هدّد بظهور مجاعة في إفريقيا. هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “الاستيلاء على الأرز” يكشف عن المتسبب في حدوث تلك الأزمة يبحث عن المستفيدين منها، ويصل إلى الدروس الواجب استخلاصها من مثل هذه الأزمة التي يصفها المؤلف جان بيار بوريس بأنها كانت في جانب كبير منها أزمة مفتعلة. مواسم وفساد والمؤلف ـ وهو صحفي بإذاعة فرنسا الدولية ومختص في المواد الأولية ـ أجاب بإطناب عن كل هذه الأسئلة، وقد أعد انطلاقا من كتابه شريطا وثائقيا بثته القناة الفرنسيّة ـ الألمانية ARTE “أرتي”، وتحصل على جائزة في إحدى المهرجانات في الأسابيع الماضية. وقد انتقل المؤلف بلدنا الأرز والمجاعة في أفريقيا وآسيا، وهما القارتان اللتان تحتلان الأولية في زراعة الأرز وتصديره إلى بقية أنحاء العالم، وبيّن أنّ أصل الأزمة انطلقت إثر موسم 2007 بسبب تأخر جمع المحصول في تايلند، كما أنّ الفيضانات التي حصلت في الهند زادت الطين بلة وكذلك الجفاف في فيتنام، وكشف الكتاب أن الفلبين ورّدت 3 أضعاف ما تحتاج إليه، ورسمياً فإن ذلك كان بهدف ضمان الأمن الغذائي للشعب الفلبيني والحقيقة ـ كما ذكر المؤلف ـ هي أنّ أقرباء من رئيسة الفلبين جلوريا أرويو Gloria Arroyo وزوجها تعمّدوا توريد كميات أكبر من احتياجات الناس لربح عمولة كبيرة. وفي العام التالي فإن الموسم في تايلاند كان طيّبا ولكنّ السلطات عمدت إلى خزن المحصول حتى لا تنزل الأسعار عما بلغته العام السابق، وفي نفس الوقت فإن الوسطاء في سويسرا كان همّهم الأول المزيد من الربح باعتماد سياسة الاحتكار، ولمعالجة النقص فإن دولا مثل السنغال وبوركينا فاسو ومالي حاولت الزيادة في إنتاجها الخاص، وقد نجحت مالي في تحقيق اكتفائها الغذائي في حين أنّ بعض المنتجين السنغاليين باعوا إنتاجهم إلى موريتانيا. لقد عم الخوف العالم، كما يقول المؤلف، وحصل انطباع بأن الأرز لم يعد مضمونا وهناك أطراف غذّت عن سوء نية وبغرض الاحتكار وربح أقصى ما يمكن من مال، الشعور بأن الأرز أصبح مادة نادرة، وقد انطلى الأمر وارتفع سعر كيلو الأرز الواحد إلى مستوى خيالي، والمتضرر هو الشعوب الفقيرة المستهلكة لهذا الغذاء. ويكشف الكتاب المسالك التجارية المعقدة والغامضة سعيا للوصول إلى الأطراف التي تحرك اللعبة في الخفاء وهدفها هو الربح المادي ولا يهمها من يموت جوعا أو من يهلك عطشا. فالعالم بأسره يستهلك القهوة والسكر والقمح والأرز وغيرها من المواد الغذائية، ويشتريها ولكن المستهلك العادي لا يهتم كثيرا بالمسالك التجارية لهذه المواد التي أصبحت أساسية في حياتنا اليومية، والكتاب يبين الأهمية الاقتصادية وبالتالي السياسية لكل هذه المواد الغذائية والاستهلاكية بالنسبة للبلدان التي تنتجها وأيضا بالنسبة للبلدان التي تستهلكها وتشتريها. بفعل فاعل ويرفع المؤلف الستار عن هذه المسالك وقد تابعها في أماكن الزراعة وتصدير الإنتاج، من الفلاح البسيط إلى الوسيط الجشع إلى المستهلك “الغلبان”. ويقول إن الفلاح الآسيوي الذي يزرع الأرز هو فلاح فقير، والمستهلك الأفريقي للأرز هو أيضاً مستهلك فقير، ولكن بينهما سلسلة من المحتكرين والوسطاء الجشعين أصحاب البطون المنتفخة وهم في صالوناتهم في العواصم لا يهمهم إلا الربح. وبيّن الكتاب أن زراعة الأرز تتم على مساحة خمسة عشر في المائة من مساحة الأراضي الفلاحية في العالم، وهذا الغذاء الأساسي يمثل توفره بأسعار مقبولة ـ مثل الخبز في بعض الدول العربية ـ ضمانا لاستقرار بعض الأنظمة، وقد يتسبب فقدانه أو غلاء ثمنه في هزات اجتماعية قد تصل إلى حد قلب بعض الأنظمة، وقد ركز المؤلف على فضح الواقع البشع للعولمة والذي مثلت أزمة الأرز إحدى وجوهها، والحقيقة التي يكشف عنها هذا الكتاب أن الأرز لم يفقد يوما، والأزمة التي حصلت والتي ما زالت انعكاساتها باقية إلى اليوم إنما هي بفعل فاعل ومفتعلة. وتوقف المؤلف عند الداء العضال الذي ينخر اقتصادات الدول الفقيرة الموردة للمواد الغذائية الأساسية والمتمثلة في العمولات التي يتقاضاها المسؤولون مقابل إبرام الصفقات مع هذه الشركة دون تلك، أو توريد المواد من جهة دون أخرى، والمهم ليس مصلحة الناس وإنما الأهم هو ما سيغنم المسؤول من هذه الصفقة أو تلك. سوق سرية أكدت أزمة الأرز مرة أخرى أنّ المجاعة هي إحدى أهم تحديات القرن الواحد والعشرين، وإن سعر المواد الأولية سيبقى أحد أهم الرهانات الأساسية في المستقبل القريب والبعيد، ويؤكد المؤلف أن أزمة جديدة يمكن أن تحدث في الأسواق الدولية اعتبارا لعديد من العناصر من بينها أن دولة مثل الهند والتي لا تستورد حاليا مادة الأرز قد تجد نفسها مضطرة لأسباب مرتبطة بالمحصول غير الكافي لاستهلاكها إلى شراء الأرز من السوق الدولية مما قد يخلق خللا بين العرض والطلب، كما أن الأزمة السياسية في تايلند ـ أحد أهم البلدان المصدرة لهذه المادة الغذائية الأساسية ـ قد تساهم في عدم انسياب الأرز إلى الأسواق الخارجية وبقائه مخزنا لأسباب مختلفة. إن الأرز يغذي ويطعم أكثر من نصف سكان الأرض، وخلافا لسوق النفط والقمح وهي سوق تحدد أسعارها في المراكز المالية العالمية فإن سوق الأرز هي “سوق سرية” ـ على حد تعبير المؤلف ـ وأصبحت هذه المادة خاضعة لقواعد البزنس، فالأرز أيام الأزمة كان موجودا ولكنه لم يكن موجودا في المكان الذي يجب ان يكون فيه ولم يكن متوافرا في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون فيه حاضرا في الأسواق، وهذه هي لعبة “البزنس الغذائي” التي يديرها الوسطاء في جنيف بالتواطؤ طبعا مع أطراف مصدرة للأرز وأخرى موردة له. والقضية لها أبعاد أخرى كشفها الكتاب، فقد وعدت القمة الغذائية التي انعقدت في روما عام 2008 وحضرها أكثر من 50 رئيس دولة تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة “الفاو” بمساعدة الدول الفقيرة بـ20 مليار دولار لتنمية الزراعة بها، وذلك على هامش أزمة الأرز، ولكن فلسا واحدا لم يصل، بينما لم يحضر القمة الأخيرة من الرؤساء إلا رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني وبابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بحكم وجود مقر منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة في روما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©