السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوطنية محور فكر محمد عبده

الوطنية محور فكر محمد عبده
22 سبتمبر 2010 20:47
مازالت أفكار الإمام محمد عبده تثير شغف الباحثين والدارسين ليتوقفوا عندها، ومن هؤلاء أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة د. مصطفى لبيب الذي ضع أربع دراسات حول فكر الإمام، ضمها كتاب واحد، تناول فتاوى الإمام وفقه الضرورة ثم تفسير الإمام للقرآن الكريم وتوقف عند دور محمد عبده في بعث التفكير الفلسفي بمصر والعالم العربي، إذ ظل هذا الفكر مكروها منذ أن وضع أبو حامد الغزالي كتابه “تهافت الفلاسفة” والدراسة الأخيرة عن مفهوم الوطنية عند محمد عبده، وجمع د. مصطفى لبيب دراساته في كتاب “نظرات في فكر الإمام محمد عبده”. جاء العصر الحديث بمفهوم الوطنية ومفهوم القومية، بعد أن كان الاعتبار قبل ذلك للرابطة الدينية وحدها، وفي عالمنا الإسلامي كان هناك مفهوم “الجامعة الإسلامية” الذي آمن به جمال الدين الأفغاني ودعا إليه، ورغم أن محمد عبده تلميذ مباشر للأفغاني، فإنه لم يأخذ بمفهوم الجامعة الإسلامية. وهي على الأقل لم تكن من بين اهتماماته ولا من أولوياته. كان محمد عبده ابن مجتمعه وعصره، ونشأ في ظل قضية معقدة، وهي أن الأتراك والجراكسة كانوا ينفردون بالمناصب الكبرى في مصر، ولم يكن مسموحا للمصري أن يتولى منصبا رفيعا في بلاده، كان المسموح به أن يشغل المصري وظيفة إدارية متواضعة، وكان نضال المصريين مستمرا للحصول على هذا الحق في بلادهم، وكان مفهوم الجامعة الإسلامية آنذاك يعني الرابطة العثمانية، ومن ثم استمرار سيطرة الأتراك على كل شيء، وكانت الحركة العرابية، التي انبثقت عن الحزب الوطني القديم تعبيرا عن التصدي لسيطرة الأتراك، والمعروف أن بيان الحزب الوطني عام 1881، صاغه محمد عبده بنفسه، وشارك في الحركة العرابية، وكان يمثل الواجهة المدنية والدينية لها، وقد حوكم بعد فشلها وسجن فترة ثم نفى عن مصر. كان وعي محمد عبده بالوطنية مبكرا، ففي عام 1881 كتب في الوقائع المصرية مقالا بعنوان “ الوطن ومحبته” يحاول فيه تعريف ذلك المفهوم بالقول “الوطن: محل الإنسان مطلقا فهو السكن” وهو عند أهل السياسة مكانك الذي تنسب إليه ويحفظ حقك فيه ويعلم حقه عليك، وتأمن فيه على نفسك وأهلك ومالك، ومن أقوالهم فيه لا وطن إلا مع الحرية. فإن الحرية هي حق القيام بالواجب المعلوم، فإن لم توجد فلا وطن لعدم الحقوق والواجبات السياسية، وأن وجدت فلابد معها من الواجب والحق. وهما شعار الأوطان التي تفتدى بالأموال والأبدان وتعز على الأهل والخلان، ويبلغ حبها في النفوس الزكية مكان الوجد والهيام. فإذا اتفق عنصر الحق الواجب يصير المعنى مختلفا ومغايرا، أما السكن الذي لا حق فيه للساكن ولا هو آمن فيه على المال والروح، فغاية القول في تعريفه أنه مأوى العاجز، ومستقر من لا يجد إلى غيره سبيلا فإن عظم فلا يسر وإن صغر فلا يسوء. وبتركيز شديد يحدد معنى الوطن والمواطنة في ثلاثة أبعاد” إن في الوطن من موجبات الحرص والغيرة ثلاثة تشبه أن تكون حدودا، الأولى: أنه السكن الذي فيه الغذاء والأهل والولد، والثاني أنه مكان الحقوق والواجبات التي هي مواد الحياة السياسية وهما حبان ظاهران، والثالث: انه موضع النسبة التي يعلو بها الإنسان ويغزو”. وهذا يعني أن الوطن والوطنية في النهاية تساوي الأرض أو المكان والقانون أي الحقوق والواجبات والتاريخ أي نسبة الإنسان له ومن ثم الجماعة. وإذا كان الأفغاني تحدث عن الجامعة الإسلامية فإن محمد عبده تحدث عن الجامعة الوطنية أو الجامعة المصرية. ويتوقف الأستاذ الإمام عند آيات القرآن الكريم التي تعزز رابطة الوحدة الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد، مثله قوله تعالى -الآية 84 سورة البقرة- “وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون” فالآية الكريمة تنهى عن سفك دماء بعضنا البعض، وجعلت الآية كل فرد أو كل مواطن كأنه دم الآخر، لا يجوز سفكه وإن فعل ذلك فكأنما ينتحر ويخلع نفسه من ميثاق الله، وتنهي الآية أيضا عن إخراج الناس من أوطانهم بالطرد أو بالنفي. ويعلو النص القرآني برابطة المواطنة، فيؤسس العلاقات الاجتماعية والسياسية بين المواطنين على أسس من المودة والتراحم والبر حتى لو اختلفوا في الدين أو في المذهب، ونموذج ذلك علاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود المدينة ففي سورة الممتحنة يقول الله تعالى “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون”. والوطن عنده هو الوحدة التي تجمع كل الأفراد فيه مهما تباينت أوضاعهم ومواقفهم. ويكتب في الوقائع “لابد لذوي الحياة السياسية من وحدة يرجعون إليها ويجتمعون عليها اجتماع دقائق الرمل حجرا صلدا، وإن خير أوجه الوحدة الوطن لامتناع الخلاف والنزاع فيه”. كما وقف ضد تملك الأجانب وتقلدهم المواقع القيادية فيه ولم يكن ذلك عن موقف أو نعرة عنصرية بل لديه الأسباب الواقعية: “ان الأجنبي لا يشرف بشرف الأمة التي هو خادم لها وان الملتحم مع الأمة بعلاقة الجنس والمشرب يراعي نسبته إليها ونسبتها إليه ويراها لا تخرج عن سائر نسبة الخاصة به فيدفع الضيق عن الداخلين معه في تلك النسبة دفاعه عن حوزته وحريمه. ثم يقول والدول في نموها وبسطتها ما كانت مصونة إلا برجال منها يعرفون لها حقها كما تعرف لهم حقهم وما كان شيء من أعمالها بيد أجنبي عليها وان تلك الدول ما انخفض مكانها ولا سقطت في هوة الانحطاط إلا عند دخول العنصر الأجنبي فيها وارتقاء الغرباء الوظائف السامية في أعمالها فإن ذلك كان في كل دولة آية الخراب والدمار. وإصلاح الوطن والمواطن لا يكون إلا بالتربية وإصلاح التعليم لذا فإن عباس العقاد حين وضع كتابه عن محمد عبده سماه “عبقري الإصلاح والتعليم” وهنا نجده يتصدى بقوة للتعليم الأجنبي في البلاد ويدعو إلى إصلاح الأزهر والتعليم الأزهري ولم يكن غريبا أن تلاميذه هم الذين بادروا بالدعوة إلى تأسيس وإنشاء الجامعة المصرية. إذن لم تكن الوطنية أو القومية في نزاع مع الدين ولا مضادة له على النحو الذي صوره بعض السلفيين ودعاة الإسلام السياسي في زماننا وأيامنا، حيث يتصورون الوطنية معادية للإيمان وللدين بالضرورة. ودرس محمد عبده وغيره أن التدين يعني الوطنية وليس تجاهل الوطن أو خيانته. وقد تعامل محمد عبده مع المعتمد البريطاني في مصر كرومر فيما بعد، مما أثار عليه بعض المآخذ ولا يجب أن ننسى أنه كان في صفوف الثورة العرابية وبعد عودته من المنفى كان كرومر هو الحاكم الفعلي للبلاد وكان محمد عبده يكره أسرة محمد علي خاصة بعد ما جرى من الخديو محمد توفيق من استدعاء الإنجليز والاستعانة بهم يضاف إلى ذلك أن كرومر بدأ يحقق بعض ما كان ينادي به محمد عبده فقد أتاح للمصريين من أبناء الطبقة الوسطى أن يشغلوا المواقع الكبرى في البلاد فصار سعد زغلول وزيرا مع آخرين وكان رأي محمد عبده ومدرسته أن التعليم حين ينتشر سوف يؤدي بالضرورة إلى الخلاص من الإنجليز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©