السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القصة الإماراتية الراهنة.. أصوات وأصداء نسوية

القصة الإماراتية الراهنة.. أصوات وأصداء نسوية
22 سبتمبر 2010 20:56
بدت القصة القصيرة التي كتبتها، وتكتبها، النساء في الإمارات، وتحديداً خلال السنوات الخمس الأخيرة، محوراً أساسياً، بل ومسيطراً على جملة الأوراق التي جرى تقديمها خلال ملتقى الشارقة السابع للسرد الذي أقامته دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة في التاسع عشر والعشرين من هذا الشهر في قصر الثقافة وشارك فيه قرابة عشرين ناقداً قدموا أوراق عملهم على مدى تسع جلسات. بهذا المعنى، الرمزي وغير الرمزي، فرض الصوت النسوي المحلي في القصة حضوراً شاسعاً إلى حدّ أنه لم تتطرق أي من الأبحاث إلى ما هو خارج المنجز على الرغم من الاختلاف حول هذا الصوت في مقدرته على تجاوز القصة النسوية التي ظهرت تالياً على الجيل المؤسس خلال الثمانينات والمطلع التسعينات على المستوى الفني وليس على مستوى الكم في الإنتاج. على الرغم من أن بعض الأوراق قد شابها إفراط في التأويل لجهة علاقة الذات الساردة في القص النسوي الإماراتي بالمحيط والبيئة وعناصرهما المختلفة، خاصة المكان، بوصفه فضاء يدور فيه الحدث وتتحرك فيه الشخصيات ويتوافر على أبعاد نفسية عبر دلالات تفاصيله الصغيرة، إلا أن هذا المكان لم يُنتَبَه إليه بوصفه مجالاً متكوّناً وغير ثابت أو مستقر بما يحمله ذلك من تعبير فردي من قِبَل القاصات يُفصح عن إشكاليات خاصة بسيكولوجيا شخصياتهن في مجتمعات متفاوتة اجتماعياً بوصفهن جزءاً من تفاصيل زمان ومكان يتغيران بحكم الضغوطات التي تفرضها التغيُّرات الاجتماعية ـ الاقتصادية التي بدأت تشهدها هذه المجتمعات مع بدايات تأسيس الدولة مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وما أصبح عليه المكان الذي أصبح، مع تبدّل ساكنيه، مكان “الذكرى والمُتخيّل” أكثر مما أنه البيت “الأول” أو بيت “طفولة” كانت يوماً والآن تحولت إلى مشاعر وأحاسيس مختلفة تجاه ماض لا يُنظَر إليه بعين الرضا غالباً. أيضاً، وفي ما يتعلق بالمكان، لم يتتبع أي من أبحاث المؤتمر أو أوراقه ملامح المكان، التي غالباً ما تكون متناثرة في تضاعيف السرد، أو في إشارات الكلام والأحداث وطبيعتهما وفقاً لدلالات بعينها يحملها الوصف أو الكلام أو البنية التركيبة النحوية والصرفية للسرد كأنْ يقوم على فعل الحاضر أو الفعل الماضي، حيث لكل منهما إيحاءاته الخاصة به فيكون المكان إما نتاجاً لراهن أو لماضٍ يلّح على صاحبه إنْ بهذا الشكل أو ذاك، خاصة أنّ الأمر قد يبدو مقصوداً أحياناً أو غير مقصود أو حتى بسبب أدوات في الكتابة تحتاج إلى المزيد من النضج والدربة، وهو أمر طبيعي تماماً. على أية حال، فقد بدأت الإشكاليات الأساسية في النظر إلى السرد الإماراتي عموماً على نحو مبكر في الملتقى، مع ورقة الدكتورة سعاد العريمي، التي عاينت من موقعها بصفتها قاصة وناقدة وأستاذة أكاديمية مسيرة هذا السرد باختصار دون مجاملة أو تسويف، فرأت أن الجيل الذي تلى الجيل المؤسس في القصة القصيرة قد تأثر بنزوع اجتماعي عام تجاه ما هو قومي يتجاوز الانتماء المحلي إلى ما هو أكثر رحابة وأكثر اتصالاً بالعمق العربي من جهة وأكثر اشتباكاً وتواشجاً مع مشاغل السرد العربي التي كانت سائدة آنذاك في الثمانينيات والتسعينيات مع تحديد عدد من المزايا التي تخص هذا السرد وطبيعته ونزوعه باتجاه التورية وانشغاله بالجانب الفني. في حين لاحظت أن ما أسمته بـ”الوعي الأنثوي” الخاص بكاتبات القصة اللواتي ظهرن في السنوات الخمس الأخيرة، قد أغرق القصة القصيرة الإماراتية في المحلية المفرطة، بحسب ما جاء في ورقتها، معتبرة أن القصة التي كتبنها لها طابعها الخاص ولا يمكن وصفها بالضرورة على أنها “نتاج شرعي” لفترة الثمانينيات والتسعينيات بحكم معطيات ثقافية واجتماعية حديثة مختلفة شكّلت لديهن رؤى أدبية جديدة، مؤكدة في الوقت نفسه أن هذا المر قد أدى ببعض السرد إلى الاستغراق في الرصد اليومي الذي أدخل القصة في نطاق السرد التقريري المباشر ما أفقد القصة الكثير من عناصرها الفنية والموضوعية على مستويي الشكل والمضمون. أيضاً، وفي ما يتصل بالكتاب “الناشئين”، أوضحت الدكتورة العريمي أن عملية “الاعتراف” الأدبي والرسمي بالكتّاب الناشئين سهّلت فعل الكتابة والانتشار السريع ـ والمقصود هنا الإعلام الثقافي بوضوح ـ بحيث أصبحت الكتابة أمراً يسيراً من الممكن تعاطيه وقد تصبح مهنة مَنْ لا مهنة لهم، مطالبة بإعادة النظر بما يطرح على الساحة الأدبية من أسماء وكتب وتغيير مفهوم رعاية المواهب الشابة من الترويج لهم إلى تقويم ما تقدمه هذه المواهب من إبداع بعيداً عن الطابع الاحتفالي وأقرب إلى النقد الحقيقي. “كليشيهات” جاهزة غير أن مجمل الأوراق التالية التي حاولت أن تعاين ملامح القصة القصيرة في منجز الكاتبات الإماراتيات الجديدات قد وقع في مطب الإغراق في الجانب الأكاديمي و”كليشاته” الجاهزة تبعاً للدرس النقدي الأكاديمي الأقرب إلى التوصيف والتعميم منه إلى إقامة الجدل الحقيقي بين ما هو أدبي في الأدب من جهة وعلاقته بمنجز الكاتبات بوصفه تعبيراً عن تحولات اجتماعية ذات صبغة قسرية لا يمتلك الفرد أمراً تجاه تغييرها أو التأثير في مساراتها القسرية. في هذا السياق، تبدو ورقة الدكتور الناقد صالح هويدي جديرة بالتأمل عند بعض مفاصلها التي تطرقت إلى هذه الإشكالية. ولقد بدا الدكتور هويدي غير مقتنع كثيراً بـ”التحقيب” التاريخي للقصة الإماراتية على نحو ما بات متعارفا عليه، من جيل مؤسس، إلى آخر وسيط فجيل الكاتبات الآن، فرأى في هذا “التحقيب” جوراً للتاريخي على الفني ممثلاً بأن القصة الإماراتية قد قامت بحرق مراحل في تطوّرها المر الذي اعتبره هويدي أنه وعي زائف، مؤكداً أنه من غير الممكن تلمس خطوط تحول أو مؤشرات نقلة نوعية على مستوى الفن قبل الألفية الثالثة مع اعترافه باستقلالية تجربة الثمانينيات. لكنه في الوقت نفسه سلط الضوء على العديد مما أسماه بمظاهر التحول في القصة القصيرة الذي أنجزته القاصات الجديدات فذهب إلى معالجتهن للقضايا الوجودية الكبرى وامتلاك رؤية ما تجاهها كالحياة والموت والذكورة والأنوثة ورفض الإكراهات التي تُمارَس على المرأة وتمردها على نمطية صورتها، وكذلك شخصياتهن ذات الملامح الجدلية مع الواقع المعيش وكذلك النظر إلى الآخر “الذي هو العمالة الآسيوية، كما حددته الورقة” بوصفه ذا إنسانية تتعرض لظروف اقتصادية واشتراطات تاريخية جديرة بالتعاطف، وذلك فضلاً عن الانطلاق من الذات القصصية بخصوصيتها وذاتيتها. وفي سياق دراسة جماليات المكان وخصوصيته لدى القاصات الجديدات، تناول بعضهم من الباحثين مسألة علاقة المكان بالشخصية وطبيعة كل منهما التي تفرض على الآخر ملامح بعينها، ما يعني أن المكان وشخوصه يتبادلان إحداث الأثر في بعضهما بعضاً، ضمن منطق سردي خاص فوجود “الداية” مثلاً في أحد الأحياء الراقية يمثل جانباً عضوياً من المكان في حيّ شعبي، وذلك في إطار دراسة بعض النماذج القصصية التي حمّلت كلاً من المكان والشخصية أبعاداً رمزية قابلة لتأويلها بهذا القَدْر أو ذاك. لكن السؤال الذي لم تتم الإجابة عنه، بل جرت ملامسته فحسب، هو: هل تقصدّت الكاتبات بالفعل أن يكون المكان جانباً من نزعة، حيث تتضمن النزعة التقصُّد في قول شيء ما، إلى الذهاب نحو ما هو محلي على وجه التحديد أم أن حدوث هذا الأمر هو واحد من ملامح السرد الجديد؟ أي، هل إضفاء الطابع المحلي على إبداع يتميز بأن منطلقاته فردية كان استجابة لشعار ترفعه مؤسسة أم أنه نتاج وعي فردي لدى الكاتبة يدفعها إلى التعبير عن ذاتها من خلال الشخصيات وحيواتها التي تتقاطع بشكل أو بآخر مع حياة الكاتبة ذاتها أو مع “الذات” الساردة على الأقل؟ وبوصف ذلك تعبيرا عن موقف من المعرفة ومن العالم معاً؟ يجد هذا السؤال شكلاً من أشكال إجابته في ورقة القاص والناقد إسلام أبو شكير، الذي رأى في معاينة القاصات للتحولات الاجتماعية الكبرى الراهنة وتذكّر الأمكنة الأولى نوعاً من الحنين إلى الماضي الذي يقابله شيوع لكل مظاهر انعدام الرضا والقلق بإزاء ما يحدث في الحاضر، في سعيه إلى التقاط ملامح القصة القصيرة الجديدة التي رأى في أنثويتها واحدة من ملامحها. أما تركيز الأبحاث على التفاصيل التقنية في السرد وتوظيفها الجمالي فتركز في بحث الدكتورة فاطمة حمد المزروعي التي اقتصر بحثها على “ضوء يذهب للنوم” لابتسام المعلا، خصوصاً في ما يتصل بتعدد الأصوات في قصتها وعلاقته بزمن السرد وما تتمتع به القاصة المعلا من ديناميكية في استخدام هذا الزمن الذي ينعكس بدوره على تفاصيل الشخصيات والمكان. وأخيراً إلى ورقة الناقد والروائي عبدالفتاح صبري الذي تناول بدوره المكان في القصة الجديدة فرأى أنه يمثّل المواجهة بين حالة الوجود الاجتماعي في مقابل الذات التي تستشعر الوحدة والعزلة، فضلاً عن أنه متكأ للبحث هن الهوية التي هي هوية الذات والجسد وبوصفه تمثيلاً للعلاقة الإشكالية بين الإنسان المعاصر والمدينة الحديثة التي ولّدت لدى الفرد الانعزال والتهميش.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©