الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طه حسين: رأيت...

طه حسين: رأيت...
22 سبتمبر 2010 20:57
“رحلة الربيع والصيف” كتاب ظل مجهولًا بالنسبة إلى القارئ العربي طوال عقود من الزمن تمتد من عام 1945 زمن صدوره وحتى الآن، خرج فيه طه حسين على المألوف عندما كتب عن رحلته البحرية التي قام بها مع أفراد أسرته ومجموعة من الأصدقاء عام 1925 إلى كل من إيطاليا وفرنسا. إن تجاهل هذا الكتاب عقوداً من الزمن، قد يكون من أسبابه ما عانى منه أدب الرحلة عموما من عدم التفات إلى القيمة التاريخية والأدبية والجغرافية والمعرفية التي ينطوي عليها هذا النوع من الأدب، الذي يجمع في لغته بين السرد والوصف والوثيقة والتضمين. لذلك كان تجاهل هذا العمل جزءاً من تجاهل أعم، على الرغم من كون صاحب الرحلة شخصية إبداعية وثقافية كبيرة، ثرية بالمعرفة، وذات بصيرة نافذة ورؤية عميقة مستنيرة، شكلت في فكرها ومواقفها الجريئة والشجاعة معلماً من معالم العقل النقدي والتنويري في مشروع النهضة والتحديث العربي في مطلع القرن العشرين. إن أهمية هذه الرحلة التي قام بها حسين على متن باخرة انطلقت من الاسكندرية باتجاه بلاد اليونان وفرنسا، تكمن في كون صاحبها رجلا أعمى كما نعلم، في حين أن الرحلة يقوم بها عادة رجال مبصرون يعتمدون عند تدوين وقائع رحلتهم على مشاهداتهم في تلك اليلاد التي يجولون فيها، أما حسين فقد اعتمد في تدوينها وتسجيل وقائعها ومشاهداتها وتعليقاته على تلك المشاهدات على شخصية أخرى وسيطة هي زوجته الفرنسية سوزان التي كانت تتولى مهمة وصف ما تراه من معالم وآثار له أثناء تجواله في رحلته، التي امتدت فصلي الربيع والصيف بين الآثار والأوابد التاريخية العظيمة للحضارة اليونانية القديمة، والمعالم القديمة والحديثة لفرنسا التي خبر الحياة فيها جيدا، أثناء دراسته العليا وعمله فيه فيها لسنوات عديدة، افتتن خلالها بسحر باريس ومنجزاتها الحضارية والأدبية والثقافية الحديثة، وبمناخ الحرية والديمقراطية التي تنعم بها. ولعل القارئ لهذه الرحلة سوف يكتشف أن البصيرة والخيال الأدبي اللذين يتمتع بهما الكاتب قد تفوقا من حيث لغة الوصف والتعليق والتمثيل الاستعاري على كثير من الرحَّالة الذين اكتفوا أثناء تدوين رحلاتهم بنقل مشاهداتهم وانطباعاتهم عن الأماكن التي زاروها، في حين استحضر الكاتب ذاكرة المكان التاريخية والثقافية وهو يطالع آثار الماضي العريق، كما قدم رحلة في أعماق الشخصية الإنسانية وطبائعها وسلوكها من خلال تجربته التي عاشها في وطنه، وراح يستعيدها أثناء الرحلة. رحلة في زمنين لقد كانت هذه الرحلة بمثابة رحلة في زمنين مختلفين وعالمين متباعدين، زمن الماضي العريق التي تمثله الحضارة الإغريقة بآثارها وشواهدها التي لاتزال ماثلة، تروي سيرة تلك الحضارة التي اغتنت من انفتاحها على محيطها الشرقي الحضاري، وأغنت الحضارة الإنسانية بمنجزاتها الكبيرة التي يستنطق حسين شواهدها، ويستذكر من خلالها أعلامها ورموزها العظماء من الفلاسفة والشعراء ورجال القانون، وماقدموه للإنسانية والحضارة من منجزات كبيرة في المنطق والعلم والفنون والقانون والسياسة. أما الزمن الثاني فهوالزمن الحديث الذي تمثله فرنسا الحديثة، والتي تتصل في منجزاتها وقيمها الحضارية والثقافية والسياسية مع تلك الحضارة الغابرة سواء من حيث مناخ الحرية والديمقراطية، أو تطور الفنون والآداب والفكر والحراك السياسي والثقافي الدؤوب، في حين تتجلى مظاهر المدنية الحديثة والتطور في مجالات الحياة العامة والتقدم العلمي والمعرفي الصناعي الذي بلغته، وارتقت من خلاله بحياة شعبها ونهضته، ما أثار إعجابه الشديد بمنجزات هذه الحضارة الجديدة ومكتسباتها، ودعاه إلى التأكيد على ضرورة الأخذ بأسبابها ومقومات نهضتها من العلوم والمعارف والحرية، للخروج من حالة التخلف والجهل والتردي والاستبداد التي نعيشها، والتي يستذكرها باستمرار وهو يشاهد مظاهر الحرية والمدنية الحديثة والرفاه التي تسم حياة الفرنسيين. الفضاء التخييلي للمكان لقد ظل التأليف في مجال كتب الرحلة وقفاً على الرحَّالة المبصرين الذين كانوا يجوبون الأرض بحثا عن المعرفة والمتعة، وإشباعا لرغبة الكشف والاكتشاف واختراق حدود المكان، حيث كانوا يدونون مشاهداتهم وتعليقاتهم على مايرونه أو يسمعونه بعد زمن من تاريخ الرحلة، إلا أن طه حسين في هذا الكتاب قد كسر تلك القاعدة، وأثبت أن الإنسان رغم فقدانه لنعمة البصر يمكن أن يخوض في هذا الميدان، ويقدم عملًا متميزاً لا يكتفي بنقل مشاهدات مرافقه إليه (الذي كان بمثابة عينه المبصرة) عن الأماكن التي زارها وجاب رحابها، بل هو يحاول عبر السرد والوصف للأماكن التي زارها وتنقل فيها أن يقدم عملا لايقل قيمة وأهمية أدبية ومعرفية وفنية عن الرحالة المبصرين، خصوصا فيما يتعلق بتفاصيل المكان وحركة رفاق الرحلة فيه وتعبيراتهم التي كانت تكتسيها وجوههم تعبيرا عن مدى الإعجاب والافتتان بعظمة الآثار وسحرها، سواء من حيث الحركات التي يقومون بها، أو الأصوات التي يطلقونها أو التعبيرات التي تتخذها هيئاتهم، أو تسجيل انطباعاته عنها وتعليقاته على تلك المشاهدات، وما استدعته عنده من مخزون معرفي وتاريخي كبير كان يمتلكه سواء عن الحضارة الإغريقية ومنجزاتها الفلسفية والثقافية والسياسية، أو عن فرنسا الحديثة وشعبها وحياته، وعن ماضيها الذي تنطق به تلك الشواهد العمرانية والحضارية التي زارها، وتمتع بروعة فنها وجمالها، إضافة إلى جمال طبيعتها. لكن الكاتب على خلاف عادة كتاب الرحلة يخرج عن تقاليد كتاب الرحلة الذين يبدأون الكتابة بالبسملة وأبيات من الشعر والحديث عن دوافع الرحلة والأماكن التي انطلقت منها أو مرت بها، فهو يضعنا منذ جملة الاستهلال في فضاء الرحلة وأحداثها منذ لحظة الوقوف عند أصل القلعة اليونانية التي استغرقت زائريها عقلا وشعورا من خلال روعة آثارها وجمالها الفاتن. أما الحديث عن أسباب تدوين وقائع هذه الراحة، فيكشف عنها في نهاية الكتاب عندما يتوجه خطاب الرحلة إلى ابنه كاشفا عن رغبة الأب في جعل الابن يستذكر أحداثها والأماكن التي زارها وشاهدها وهو صغير وكأنها هدية يقدمها له عندما يكبر. لا يكتفي الكاتب بوصف تلك الآثار اليونانية وبيان عظمتها، بل هو يذهب ابعد من ذلك عندما يصف حالة الجو وانعكاسها على القلعة بلغة شاعرية جميلة: “وفي الوقت نفسه أقلعت السماء، وسكت الغيث، وأقبلت أشعة هادئة فاترة تنبئ السحاب في رفق عذب بأن الشمس تريد أن تزور مشرق الحكمة، فينقشع السحاب خفيفا رشيقا، وتقبل الشمس في أناة ووقار وجلال، فتغمر القلعة بنورها كأنها تضمها إليها في حب وحنان. ونصعد نحن في أثناء ذلك وقد استحضرنا عقلنا كله وحسَنا كله وشعورنا كله، فقطعنا كل ما كان بيننا وبين العالم من صلة، وأخلصنا نفوسنا للقلعة نريد أن نلتهمها حباً لها، وإعجاباً بها وفناء فيها”. يطيل الكاتب التأمل في عظمة الآثار والاستغراق في حواره معها وحوارها معه بصورة تتحدث فيه للقارئ عن روعة تلك الحضارة العظيمة بمنجزاتها التي قدمتها للإنسانية في ميادين الفلسفة والفنون والأدب والقانون والسياسة، إذ يستدعي أعلامها ويصغي لصدى أصواتهم وحوارتهم التي لم تزل تتردد في جنبات هذا المكان. إن تلك الرحلة في تاريخ المكان وذاكرته التي يستحضرها تاريخ حضارته الحافل الذي تنطق بعظمته تلك الأطلال والأوابد، ويقيم حواره معه، تعكس أولا مدى وعي الكاتب بالقيمة التاريخية والحضارية لهذا المكان وتكشف من خلال التخييل الذي تتسم به لغته المجازية في الوصف عن مدى انفعال الكاتب وتفاعله وهو الفاقد للبصر بالمكان، وثانياً تشف عن رغبته في إضفاء طابع أدبي على لغة السرد والوصف في هذه الرحلة، كما يتجلى بصورة خاصة في رسم مشهد معبر يصف فيه حركة رفاق رحلته في أرجاء القلعة، وهم يعاينون روعة تلك الآثار ويتأملون سحرها، إضافة إلى تأكيد قدرته وهو الكاتب الأعمى على تخيل تفاصيل المشهد واستحضاره بلغة دالة على عظمة الآثار من جهة، ومن جهة أخرى تبين كفاءة ملكة التخيل على الإحاطة بصورة المشهد الواقعي للحالة التي كان عليها رفاق رحلته، وتجسيد أبعادها: “فهذا نفر منهم يمد بأعناقه وأبصاره في هذه الجهة، وذاك نفر آخر يتطلع نحو تلك القمة أو الصخرة مطلقا صيحات الإعجاب والدهشة”. وسنجد محاولات الكاتب تتكرر في أماكن عديدة من الرحلة لوصف التعابير والعلامات الخاصة التي ترتسم على وجوه الشخصيات التي يلتقيها أثناء الرحلة مثل وصفه لابتسامة خادم المقهى ووجهه المشرق عند استقباله لهم، وللأزهار وأثرها الجميل الذي تخلفه في النفس، أو حركة الناس وأوضاعهم التي يتخذوها على ظهر الباخرة حيث يحاول أن يرسم مشهداً دقيقاً في الوصف يحاول من خلاله أن يثري النص بهذا الوصف المعبر والجميل ويؤكد قدرته على تخيل مثل هذه المشاهد وتجسيدها بلغة أدبية موحية: “وكان هناك على الجسر سيدات قد استلقين على كراسيهن الطوال يمعن فيما بين ايديهن من كتب، لاشك في أنها كانت كتبا قصصية. وربما رفعت إحداهن رأسها ومدت طرفها مدا طويلا، كأنما تريد أن تأخذ مما حولها صورة كاملة قوية حتى إذا استوفت حظها من ذلك عادت إلى قصصها، وغرقت فيها ريثما تدفعها حاجتها إلى النظر والاستطلاع، فترفع رأسها وتمد طرفها مدة طويلة أخرى”. ويتكرر مثل هذا الوصف مرات عديدة مثل الوصف الذي يقدمه لرواد البار أثناء زيارته لباريس. يستخدم الكاتب السرد والوصف والتعليق والاستعانة بأبيات من الشعر في كتابة الرحلة إلى جانب أسلوب الرسالة. بين الخارجي والداخلي تتسم الرحلة من خلال حركة السرد بأنها رحلة بين عالمين مختلفين، عالم الماضي القديم الزاهي للحضارة اليونانية التي تسحره بجمال آثارها ومنجزاتها الحضارية والفكرية، وعالم وطنه على المستويين الاجتماعي والسياسي المؤسي الذي يفر منه ويرثي له في تلك المرحلة، بسبب الفساد والتخلف والضياع الذي يعيش فيه ما يشعره بالإحباط والأسى. وسنجد هذا الشعور بالمرارة يتفاقم أكثر أثناء رحلته إلى باريس التي يسهب في وصف الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية الزاخرة بشتى أنواع الإبداع والفكر والفن والحرية على خلاف ما هو موجود في وطنه، ما يستثير إعجابه الشديد وتقديره العالي لتلك الحياة الحديثة الثرية بقيمها وحيويتها ومعاني الجمال والحرية والتقدم التي ينعم الناس بها. كذلك تأخذ الرحلة بعداً آخر عندما ينتقل الكاتب فينا باستمرار بين عالمين آخرين هما العالم المادي الخارجي المتمثل في الأماكن التي يزورها وينقل للقارئ مشاهداته فيها وانطباعاته عنها، وعالمه الداخلي الخاص الذي يخلو فيه لنفسه وأفكاره وتداعياته وخواطره وذكرياته، فنتعرف من خلال ذلك إلى جانب مهم من شخصية الكاتب، ومواقفه من قضايا الحياة والموت والعلاقات الاجتماعية والثقافة والتمدن والحرية والمساواة التي كانت مطروحة بقوة في تلك المرحلة، إذ كان يرى ضرورة أن تعمل الإنسانية من أجل تحقيقها، لكي تحقق التوازن بين الحرية والعدالة دون أن يُضحى بأحدهما من أجل الآخر. إن هذا المستوى من الرحلة في عالم الكاتب الداخلي يكشف لنا باستمرار عن ميل قوي إلى العزلة والتفكر والتأمل وعزوفه عن الاختلاط بالناس، يعود بعده للإقرار بواجب القيام به للضرورات التي تقتضيها الحياة. ومن خلال حواراته الداخلية واستعادته لصور من السلوك السائد في الواقع المصري آنذاك، يظهر لنا موقف السخط على تلك الأنماط من السلوك، ونقمته الشديدة عليه وعلى أصحابه وإدانته لها كالزيف والمحاباة والتزلف، وحياكة المؤامرات والدسائس بحثاً عن المنفعة الشخصية والمكاسب والسلطة. وإذا كان الكاتب في ذلك يعبر عن ميل واضح للعزلة والتأمل في أحوال الناس وطباعهم، وفي شؤون الحياة وشجونها، فإن حضور صورة الموت في تلك الرحلة وحواره المتخيل والطويل مع أحد أصدقائه الموتى يفصح عن انشغاله به حتى في وقت كهذا خرج فيه للترفيه عن نفسه وتحقيق المتعة بعد أن ضاق بمظاهر الزيف والرياء والفساد والمكيدة التي تحكم واقع الحياة وعلاقاتها في مصر، ماجعله دائم الانشغال بهموم ذلك الواقع وقضاياه الاجتماعية والسياسية، والتفكر في كيفية التحرر منها والارتقاء بالواقع لاسيما عندما يعاين مظاهر التقدم والمدنية والحرية والثقافة التي ينعم بها المجتمع الفرنسي على خلاف ما هو قائم في مصر رغم محاولات رموز النهضة مثل الشيخ محمد عبده نشر أفكار التجديد والتنوير في المجتمع المصري للنهوض بالواقع الذي يسيطر عليه الجمود والتخلف بغية اللحاق بركب المدنية والعلم والمجتمعات المتحضرة. إن هذه الرحلة التي جاءت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بعقد من الزمن، تستعيد من خلال آثار تلك الحرب المروعة التي لاتزال ماثلة أهوالها ومآسيها الكبيرة التي خلفتها وراءها. والكاتب رغم فقدانه لنعمة البصر عندما يمر بها نجده يتفاعل وجدانيا مع ويلاتها التي خلفتها وراءها، فيستذكر تلك الويلات والمآسي الكبيرة والمروعة التي أحدثتها على المستوى الإنساني من خلال مشاهد الموت والقتل الفظيعة التي يتخيلها تحدث على جانبي ساحة القتال، وصور الجنود وهم يستذكرون أمهاتهم وزوجاتهم وأبناءهم في تلك اللحظات الصعبة والقاسية، التي تكشف عن المآسي العاطفية والوجدانية العميقة للحرب. بالرغم من أن ذلك فإن الآثار الكارثية لها لم تمنع مجتمعا مثل المجتمع الفرنسي من أن يعيد بناء ما دمرته الحرب، ويواصل نهضته العلمية والفكرية والسياسية، محافظا على قيم الحرية والديمقراطية للشعب الفرنسي، ولإن كان ذلك يتعارض مع ما كان يمارسه مع شعوب البلدان التي كان يستعمرها. زمن الرحلة وتدوينها كتب طه حسين الرحلة بعد مرور سنوات عليها، على غرار ما كان يفعله كتاب الرحلة عادة، ما يجعل زمن كتابتها لا يطابق زمن تحققها. ويمكن للقارئ أن يلحظ هذا التفاوت في أكثر من موضع في سرد وقعائها كما في حديث صاحب الرحلة عن لقاء جعمه بجان زي وزير التربية الوطنية الفرنسي في باريس عام 1939، وكذلك خلال الرحلة التي قام بها إلى إيطاليا عام 1935 أثناء مرحلة التعبئة التي كان يقوم بها موسوليني استعدادا للحرب عبر خطبه الحماسية التي كان يحاول فيها تأجيج الحماس القومي الشوفيني آنذاك. ومن اللافت أن حسين في كتابة هذه الرحلة قد خالف سنن الكتابة الرحلية المعهودة عندما عمد إلى تأخير الحديث عن دوافع الرحلة حتى نهاية الكتاب، إلى جانب ما فعله في مقدمة الرحلة التي استعاض عنها بالدخول فورا في سرد وقائع الرحلة بدءا من الوقوف المتأمل والمهيب أمام أطلال القلعة اليونانية الغابرة التي تتحدث عن عظمة ذلك الماضي الحضاري الغابر. ولاشك أن الكاتب الذي كان داعية من دعاة التجديد والنهضة والتطوير في المجتمع العربي لم يكن ليركن في كتابته إلى ذلك الأسلوب التقليدي في كتابة الرحلة دون أن يعمل على التجديد والتطوير فيه وهو ما لاحظناه في ثراء الموضوعات والقضايا التي طرحتها هذه الرحلة، وفي حركة السرد التي كانت تنكفئ تارة نحو عالم الكاتب الداخلي الخاص وهواجسه وتأملاته وذكرياته، وتارة تعود إلى العالم الخارجي تروي وتصف وتعلق على مشاهداتها، وإن بدت مشغولة بشكل كبير بالحياة الثقافية والسياسية الحديثة التي تعيشها فرنسا في المسرح والأدب والصحافة والفن، بحيث كانت في غناها وحراكها الذي لا يتوقف، ومناخ الحرية والتفتح الذي تعيش فيه، تجعله يشعر بالحزن والمرارة على ما يرزح تحته الواقع المصري آنذاك من ترد وفساد وعجز ومحاربة للتجديد والانفتاح على العصر وثقافته الجديدة. * من مقدمة الكتاب الذي سيصدر محققاً قريباً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©