الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطورة الشعر

خطورة الشعر
22 سبتمبر 2010 21:07
تنهمر عليّ الآن، مع بقية الزملاء المحكمين آلاف النصوص الشعرية من جميع الأقطار العربية، فاستغرق في القراءة الأولية لحصاد الموسم الرابع لأمير الشعراء، هذا البرنامج الذي غيّر خارطة الإنتاج الأدبي العربي وصحح قياساتها. فبعد أن كنت أتوهم مع غيري انحسار موجات الشعر إزاء تدفق أنهار السرديات وفنون الصور، فوجئت بأن المد الشعري الزاخر ينداح إلى القرن الحادي والعشرين، عند الشباب خاصة بنفس القوة التي صنع بها العصر الذهبي الثاني للشعر العربي في القرن السابق.. لكن مازال هناك سؤال يقلقني ويعكر فرحتي بكل نص شعري فائق أعثر عليه وسط هذا الركام، وهو سؤال مبدئي وبسيط: ألا نبالغ كثيرا في أهمية الشعر بالنسبة للثقافة المعاصرة عندما نولي التخييل أولوية في تكوين العقل العربي اليوم في مواجهة التحديات التي تنوشه وتهدد مصيره؟ هل يتوازى الشعر في الأهمية مع ضرورة إطلاق الطاقة العلمية للإنسان العربي حتى يسهم على أرضه في البحث والابتكار؟ هل يتساوى مع دخول عصر المعرفة وإدارة قضايا المجتمع وسياساته بمنطق علمي وديموقراطي ناضج؟ ألا يتوقف تقدم العرب وإسهامهم في الرقي الحضاري على نضج حصادهم العلمي والمعرفي وتحرر مجتمعاتهم، مما يعوقها أكثر مما يتوقف على إبداعاتهم اللغوية والشعرية؟ ربما كان طرح الأسئلة بهذه الطريق مغلوطا، إذ لا يوجد أي تعارض بين هذه الغايات كلها، ولا يمكن أن يعتبر التخييل الشعري خطرا على تكوين العقل العربي ونموه المعرفي، بل على العكس من ذلك، فالعلم في أشد الحاجة إلى الخيال الذي يطلق الشعر شراراته الفردية، ثم تتوالى المؤسسات البحثية تنظيمه واستثماره في المراكز والمعامل، وحرية الإبداع شرط في إضاءة طريق المجتمعات نحو سبل التقدم الحضاري في مختلف تجلياته. والفنون كلها، سواء كانت قولية أو بصرية هي التي تشعل جذوة الحرية والخلق وتعمق الوعي الإنساني بالواقع وتحدياته، وتمده بالقدرة على تجاوز الصعاب وابتكار الحلول في أنشطته المختلفة، لكن ذلك يتوقف نسبيا على نوعية هذه الفنون، فهي وإن كانت لا تمثل في جملتها عوائق للعلم أو الحرية، بيد أن هناك مستويات رديئة منها تعطل ملكات المتلقين، ولنأخذ مثلا على ذلك من الشعر نفسه، فهناك نماذج مكرورة لا تزيد عن كونها منظومات بليدة، خالية من قلق التحرر وجذوة الابتكار، وهي تؤدي إلى نوع من استلاب الوعي والركون لعوالم الوهم المنفصم عن الواقع، وهي بعيدة عن حقيقة الشعر الذي يهز الوجود ويؤسس للكينونة ويفتح الباب لتجليات المعرفة والحرية. ولست أجد حرجا لمشاركة القراء تأمل بعض النماذج الفائقة معي من شعر الشباب المقدم للدورة الرابعة لأمير الشعراء، إذ لا يمس هذا شرط الحياد والموضوعية في التقييم، فالتنويه ببعض النصوص لا يغمط حق غيرها في التقدير، بل يزيد من دائرة التلقي لتشمل القراء إلى جانب المشاهدين، ويتيح هامشا أعرض للتعبير عن وجهة النظر النقدية التي تتوخى التمييز بين هذا الشعر الذي يمدنا بطاقات تخييلية خلاقة وذلك الذي يمكن أن يسهم في إحباط الروح أو تغييب الوعي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©