السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الازدهار الاقتصادي والركود.. ارتباط عشوائي

25 يونيو 2015 00:26
هل تتسبب فترات الازدهار الاقتصادي في فترات الركود الاقتصادي؟ بالنسبة للكثير من الناس، قد يبدو هذا سؤالًا سخيفاً لا ينبغي طرحه. ففترات الازدهار الاقتصادي تتسبب في فترات الركود بالطبع، يقول هؤلاء. ذلك أن الجشع والتفاؤل المفرط والائتمان السهل، كلها أشياء تؤدي إلى الاستثمار المفرط، وارتفاع أسعار الأصول، والاقتراض المكثف وغير المستديم. والأشياء التي ترتفع يجب أن تنخفض، والمؤشر الأكبر على الركود غدا هو طفرة أو ازدهار اليوم. والواقع أن الكثير من الناس مقتنعون بهذا الأمر بشكل غريزي لدرجة أن معظمهم سيصابون بالذهول عندما يعلمون بأن هذه ليست هي الطريقة التي كان يفكّر بها علماء الاقتصاد الكلي (من النوع الذين يعمل في الجامعات، على كل حال) بخصوص الدورة الاقتصادية. فخلال نصف القرن الماضي، كانت القصة الأكاديمية بشكل عام كالتالي: هناك اتجاه عام لازدياد النمو والرخاء في الاقتصاد الأميركي سببه تحسنٌ مطرد في التكنولوجيا. ولكن هذا المنحى المطرد يتعرض للاختلال والتشويش جراء أحداث غير متوقعة - «صدمات» - تؤدي إلى إبطاء النمو مؤقتاً أو تسريعه. هذه الصدمات قد تدوم وتستمر لبعض الوقت، ولكن صدمة إيجابية اليوم لا تعني صدمة سلبية غداً. ففترات الركود وفترات الازدهار تشبه الأيام الممطرة والأيام المشمسة - عندما تنظر إليها، تبدو كما لو أنها تتعاقب ولكنها في الحقيقة عشوائية واعتباطية. ولكن، لماذا خلص علماء الاقتصاد الكلي إلى هذه الخلاصة؟ أولا وقبل كل شيء، إن نظرية فترات الازدهار والركود الاقتصاديين - أن الاقتصاد يشبه موجةً تكبر وتتصاعد ثم تتكسر على فترات منتظمة - لا تصمد أمام التدقيق والتمحيص على ما يبدو. ذلك أن حدوث فترات الازدهار والركود غير منتظم البتة. وقد حاول بعض الأشخاص تعويض ذلك عبر جعل النماذج معقدة وفوضوية، ولكن الحسابات الرياضية أصبحت صعبة ومعقدة؛ وفي النهاية، ينتهي الأمر بالأنظمة الفوضوية - في العادة - إلى أن تبدو عشوائية في جميع الأحوال. في هذه المرحلة، لجأ علماء الاقتصاد الكلي إلى نموذج «الاتجاه -زائد-الصدمات» الذي مازالوا يستعملونه اليوم في الغالب؛ غير أنه منذ الأزمة الاقتصادية لعامي 2008 و2009 كان ثمة الكثير من الضغط على منظري الاقتصاد الكلي، من داخل الأوساط الأكاديمية ومن خارجها (ولكن في معظم الأحيان من خارجها) من أجل التخلي عن الأفكار القديمة وتجريب أخرى جديدة. وهكذا، أخذت مجموعة صغيرة من علماء الاقتصاد الكلي تميل إلى الفكرة القديمة التي مؤداها أن فترات الازدهار تتسبب في فترات الركود، والعكس صحيح. وقد يقول قائل: «لقد كان ينبغي أن يحدث ذلك منذ وقت طويل». ولكن نماذج البحث الأكاديمي هي أشبه بسفن ضخمة يصعب تحويل اتجاهها، والباحثون أشبه بسجناء مقيدين بالسلاسل تحت سطح السفينة منهم بقباطنة السفن. فإذا أقدم المرء على نشر فكرة نظرية غير مسبوقة، هناك احتمال لأن يصبح بطلاً. ولكن الاحتمال الأكبر هو أن يلقى بحثه الرفض، وخاصة إذا لم يكن مدعوما بحجج تجريبية مقنعة للغاية. وفي أغلب الأحيان، فإن أشهر الباحثين الذين صنعوا لأنفسهم أسماء في مجالات اختصاصهم منذ عقود هم الوحيدون القادرون على جعل الناس يأخذون أفكارهم الراديكالية على محمل الجد. بول بودري وفرانك بورتير باحثان من هذا النوع، وقد نالا شهرة واسعة عن نظرية تقول إن الأخبار حول التغيرات المقبلة في الإنتاجية قد تكون هي ما يسبب فترات الركود والازدهار. هذه الفكرة لم تلق شعبية حقيقية في الواقع - فقد كانت لديها دائماً مشاكل مع البيانات، كما أنها لم تستطع الإتيان بتفسير مقنع لـ«الركود الكبير»؛ ولكنها شجعت على مزيد من البحث، ومثّلت فكرةً جديدة ومثيرة للاهتمام. اليوم، حدّد بودري وبورتير، إلى جانب الباحثة «دانا غاليزيا» التي ساهمت في تحرير الدراسة، هدفاً أكبر. إنهما يريدان إعادة إحياء الفكرة التي مفادها أن فترات الازدهار تسبب فترات الركود. ففي دراسة جديدة تحمل عنوان «إعادة إحياء فكرة الدورة المحدودة لتقلبات الاقتصاد الكلي»، حاول «بودري وبورتير» استجلاء الأسباب التي ربما تجعل فترات الازدهار تتسبب في فترات الركود، فجاءا بآلية بسيطة للغاية: هناك مجموعة من الأشخاص - شركات، بشكل أساسي - يستثمرون في شركاتهم. والمبلغ الذي يستثمره الأشخاص الآخرون يؤثر على المبلغ الذي أريدُ أن استثمره، ولكني لا أستطيع تعديل استثماري سوى بشكل بطيء. والأكيد أنه عندما تكون لدى المرء تأثيرات مثل هذه، فإن النتيجة تكون عدم استقرار في الاقتصاد موضوع البحث، وهذا بالضبط ما وجده الباحثان - أن الاقتصاد يعيش فترات ازدهار وركود على نحو فوضوي وغير مستقر. نوح سميث *أستاذ المالية بجامعة ستوني بروك الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©