الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحف المعدنية والأسلحة.. كنوز هندية بمعالم إسلامية

التحف المعدنية والأسلحة.. كنوز هندية بمعالم إسلامية
11 يوليو 2014 22:54
د. أحمد الصاوي (القاهرة) اشتهرت الهند في عهودها القديمة بصناعتها المعدنية ذات الجودة العالية وخاصة صناعة الأسلحة، ولكن تحفها المعدنية سواء التي صنعت في العصور الوسطى أو في القرن 19 م وبدايات القرن العشرين ووجدت طريقها بحفاوة كبيرة إلى صالات المزادات العالمية التي تدين بجانب كبير من شهرتها للتقاليد الصناعية والزخرفية التي حملتها فنون الإسلام إلى شبه القارة الهندية. وتشير العديد من النصوص التاريخية إلى أن سلاطنة دلهي «1206 - 1526 م» قد أنشأوا ورشا ملكية احتضنت أعمال صناع المعادن والأسلحة، إلا أنه من الصعوبة بمكان نسبة قطع من التحف أو المشغولات المعدنية للهند في تلك الفترة طالما لا تحمل نصوصاً تسجيلية تؤكد ذلك وثمة أسباب مختلفة، لذلك لعلَّ أهمها على الإطلاق أن الأعمال المعدنية كلها كانت مكفتة بالمعادن الثمينة وتتبع ذات الأسلوب الصناعي والفني الذي كان سائداً منذ القرن السادس الهجري «12 م» في أرجاء العالم الإسلامي. ازدهار وبدءا من عصر السلطان همايون «1530 - 1555 م» بدأت الصناعات المعدنية تزدهر في الهند وتعبر عن شخصية إسلامية هندية الملامح، وذلك بفضل عناية هذا السلطان بعلوم الفلك فعرفت الهند لأول مرة صناعة الأسطرلاب والمجسمات السماوية من النحاس الأصفر واشتهر الشيخ الحداد بعمل أدق ما يحتاجه همايون من أدوات الفلك، وظل أحفاده يعملون في تلك الصنعة حتى عصر الإمبراطور أورانكزيب. وعندما أسس جلال الدين أكبر الورش الملكية توافد صناع المعادن من مختلف مناطق الهند للالتحاق والعمل بها ونظراً لعناية السلطان بتحسين الطرق الصناعية وابتكار الجديد منها فقد أحرز الحرفيون نجاحا كبيرا سواء على صعيد تحسين تقنيات الإنتاج أو على مستوى الزخارف الفنية الرائقة. ومن الأسف أننا نفتقد لأمثلة كافية من المنتجات المعدنية التي صنعت في القرن العاشر الهجري «16 م» أو أوائل القرن الحادي عشر «17 م»، بينما يكاد مجمل التحف المعدنية المنسوبة للهند المغولية يؤرخ بالقرنين الثاني عشر وبدايات الثالث عشر للهجرة «18 و19 م». ومن الأمثلة النادرة التي تعود لتلك الفترة المبكرة من ازدهار الصناعات المعدنية الهندية سلطانية من النحاس محفوظة بمتحف أمير ويلز في بومباي وهي تزدان بزخارف محفورة ومملوءة بالأسود تمثل رسوماً لمناظر صيد وكتابات فارسية، وهي تحمل تاريخ صناعتها في عام 991 هـ، ورغم أنها صنعت في شمال الهند إلا أنها تبدو شديدة التأثر بنمط المنتجات المعدنية في غرب إيران والموصل. استعارات زخرفية وبنفس المتحف علبة من النحاس الأصفر صنعت في جوجرات على الأرجح تزدان بزخارف محفورة ومكفتة بالفضة قوامها مناظر تصويرية للصيد والقنص تشبه تلك التي نراها في تصاوير المخطوطات في عهد جلال الدين أكبر وابنه جهانكير، ومن الملفت للنظر أن الزخرفة النباتية في تلك العلبة تبدو مقتبسة من زخارف البورسلين الصيني وليس من مثيلاتها في التحف المعدنية الإسلامية ومن المرجح أن تلك العلبة تعود لفترة حكم جهانكير في بدايات القرن الحادي عشر الهجري «1620 م». تحف «الدكن» وازدهرت صناعة التحف المعدنية في «الدكن» بفضل ثقافة حكام هذا الإقليم ورعايتهم الكريمة للفنانين والحرفيين، ولدينا عدة أمثلة رائعة لتحف صنعت هناك، وخاصة في القرن الحادي عشر الهجري «17 م» من بينها طبق معدني مكفت بالفضة وقوام زخارفه تصميمات مبتكرة من رسوم أوراق وورود لها صبغة هندية واضحة. ومن نفس الفترة نجد قاعدة أرجيلة من الفولاذ المكفت بالفضة وبعض لمسات من الذهب وقوام الزرفة النباتية زهرة الخزامى المعروفة في المناطق الشمالية من الهند. ومن القرن التالي لدينا أيضاً عدة تحف يحتفظ بها متحف الفن الهندي في حيدر أباد «الدكن» منها صندوق صغير كروي الشكل صنع من الفولاذ المكفت بالفضة والنحاس الأصفر وقوام زخارفه النباتية زهرة القرنفل وكذلك صحن من فولاذ مكفت بالفضة والنحاس والزنك وبوسطه دائرة تحتوي رسوماً لزهور القرنفل بينما تشمل بقية الصحن زخارف هندسية من خطوط متكسرة. المتحف الوطني في نيودلهي يحتفظ المتحف الوطني في نيودلهي بصندوق صغير من النحاس الأصفر وهو يزدان بزخارف محفورة قوامها رسوم أسماك وطيور مع مناظر صيد تمثل أسوداً تطارد فرائسها من الغزلان ويعود هذا الصندوق لبداية القرن الثاني عشر الهجري «18 م». واشتهرت الهند المغولية بإنتاج نوع من المشغولات المعدنية اشتهر باسم بدري نسبة لمدينة بيدار بالدكن وقد عم إنتاجه خلال الفترة الواقعة بين القرنين 11 و13 هـ «17 و19 م» العديد من أقاليم الهند سواء في الدكن أو بيجابور ولاهور، بل وفي راجستان ويشبه هذا النوع في طريقته الصناعية أسلوب التكفيت المألوف في الصناعات المعدنية في العالم الإسلامي. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©