الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نقد ناعم...

نقد ناعم...
25 يونيو 2013 21:28
كانت الكلمة التي من الممكن أن تصف أكثر من سواها وقائع ندوة “تجارب إماراتية شابة في الرواية” التي أقامتها مؤسسة سلطان بن علي العويس مساء التاسع عشر من هذا الشهر بمشاركة نقدية وإبداعية إماراتية وعربية واستمرت لجلستين.. كانت تلك الكلمة للروائي الإماراتي الشاب عبد الله النعيمي التي قالها بعيدا عن الورقة التي أعدّها ليلقيها في الندوة. ففي صدد ما قيل من نقد جرى على عدد من الروايات الإماراتية الشابة وصف عبد الله النعيمي، صاحب رواية “اسبريسو”، بأنه: “نقد ناعم” مؤكدا أنه كان يتوقع من النقّاد فعلا نقديا أقل خجلا ومجاملة مما وصفت به الأعمال الروائية في الندوة. يُضاف إلى ذلك أن ما قيل بعيدا عن الميكروفون والمداخلات وفي الرواق المواجه لقاعة الندوات يكشف عن أن النقاد المشاركين ليسوا وحدهم مَنْ يتحملون مسؤولية أن يكون “النقد ناعما” إلى هذا الحدّ، وأن تكون الندوة “انطباعية” إلى درجة أنّ مجرياتها أشارت إلى أنها ندوة مرتجلة ولم يتم التخطيط لها بحيث تستهلك الوقت اللازم والكافي لإقامتها. ملاحظات تنظيمية إن من بين أبرز هذه الأسباب التي أدّت إلى أن يكون النقد ناعما، هو أنّ النقاد قد تسلّموا الروايات التي عليهم قراءاتها وإجراء الممارسة النقدية عليها قد تمّ قبل عشرة أيام فقط من موعد الندوة، ربما يُستثنى من ذلك الناقدة الدكتورة اعتدال عثمان القادمة من القاهرة. أيضا لم يقل أيّ من النقاد المشاركين ما لديه كله، ولم يأخذ أيّ منهم الوقت الكافي لاختصار مداخلته في زمن محدد لكل مداخلة، فلم يتسنى لهم معرفة الوقت المتاح أمامهم إلا مع انعقاد الجلسة الأولى التي تحدث فيها النقّاد جميعا. وعندما انتهت الجلسة أتيح للبعض تقديم بعض أسئلتهم وملاحظاتهم التي أصرّ البعض من بينهم على أن تكون بحجم مداخلة لا بحجم سؤال أو ملاحظة على الممارسة النقدية سواء بالمعنى الإيجابي أو السلبي. في الوقت نفسه، لم يكن هؤلاء “المتداخلون”، وبحسب اعتراف البعض منهم على الملأ، قد قرأ أي من الروايات الشابة باستثناء بدا واضحا من خلال الملاحظات والأسئلة التي طُرحت. وقبل ذلك كله قالت الناقدة والروائية الدكتورة عفاف البطاينة بوضوح أنها لم تقرأ من إحدى الروايات التي كُلّفَت بالكتابة عنها، وهي “أوبار” لمنال الغدّاني، سوى ستين صفحة، كما وصفتها بأنها تذكر بروايات “هاري بوتر” و”تبدو رواية جميلة للناشئة” فقط. كما ذكرت على المنصة وقبل أن يتسنى لها الحديث بالمايكروفون أن الدافع الأساسي للمشاركة يتمثل في مساندة ودعم كتّاب الرواية من الشبان المبدعين الإماراتيين الذين امتلكوا هذا القدر من الشجاعة الأدبية وخرجوا برواياتهم إلى الملأ وهم يدركون ما يفعلون. كل هذا الخليط من الأسباب الذاتية والموضوعية والتنظيمية وغير التنظيمية أفضت إلى أن يكون النقد عجولا ومجاملا بالإضافة إلى أنه نقد “ناعم”، بل وعاجزا أيضا عن أنْ يحدد ملامح تخص الروايات قيد التناول النقدي وتوضح فيها مفاصل ومواضع اتصال وانفصال مع الرواية العربية التي يكتبها الشبان في المنطقة العربية وكذلك مع موروث الرواية العربية الحديثة، خاصة وأن الروايات كانت شديدة التنوع والاختلاف. أحداث وحكايا أما في صدد ما جاء في الأوراق مثلما جاءت عليه مطبوعة وجرى توزيعها على الصحافة، وكذلك بحسب ما دار من نقاش على الطاولة خارج النص، فقد تركّز النقد إجمالا على مناقشة الروايات بوصفها أحداثا وحكايا، بحثا عن الدرجة التي استطاع الروائيون من خلالها ربط هذه بالبعض الآخر في بنية نصية روائية، بالإضافة إلى بعض الالتماعات النقدية التي تركّزت حول مستويات الخطاب الروائي وتعدد الأصوات الساردة في هذه الرواية أو تلك من عدمه، وعلاقة الشخصيات بالحدث الروائي وما يطرأ على هذه الشخصيات من تحوّلات بسبب تلك الأحداث ذاتها. وبالتالي السعي إلى استكشاف قدرة الروائي على صناعة رواية ضمن الشروط الفنية للرواية ومدى معرفة الروائي بما يريده من روايته إذ يتوجه بها إلى الجمهور وما هي رسالته على وجه التحديد، أي قياس تمكنه من صنعة الرواية بناء على البنية الروائية ذاتها. وأخذت أكثر من ورقة على الأعمال الروائية التي جرى تناولها كثرة الأخطاء المطبعية والإملائية والنحوية في الأعمال على وجه الإجمال، والتي كانت مزعجة أثناء القراءة بالفعل، بل إن أحد النقّاد قد خرج عن نص الورقة ليبدي استغرابه من أن مؤسسات ثقافية حكومية وشبه حكومية وغير حكومية تنشر عملا روائيا ينطوي على هذا العدد الوافر من الأخطاء المطبعية والنحوية لدى المؤلفين، الأمر الذي يشكك أصلا في وجود مراجعات قرائية تتم ممارستها على الأعمال قبل نشرها مع الاكتفاء بأن الرواية هي العمل الأول لصاحبها الذي ينبغي دعمه، بصرف النظر عن المستوى الفني للنص وأن تراكم تجربته سوف يجعله قادرا على تجاوز عثرات وأخطاء البدايات. ما دعى بالناقد نفسه إلى اقتراح أن تستعين الجهات المعنية بالمحرر الأدبي الذي دوره لا يتوقف عند الإشارة إلى الأخطاء المطبعية والنحوية وسواها، بل يتجاوز ذلك إلى الاقتراح على المؤلف نفسه بالحذف أو الإضافة أو حتى إعادة صياغة العمل من جديد بناء على حسٍّ درامي مختلف تماما. 16 رواية تطرق النقاد في الندوة إلى ست عشرة رواية إماراتية لروائيين جدد، هي بحسب الناقد وعنوان ورقته على النحو التالي: فاطمة الهديدي “سرديات من الإمارات ـ قراءة نقدية”: “اسبريسو” لعبد الله النعيمي، و”وميد إن جميرا” لكلثم صالح، و”شجن” لسارة الجروان. وسمر روحي الفيصل “قراءة في تجارب روائية إماراتية”: “هربت” لخالد الجابري، و”المدينة الملعونة” لسعيد البادي، و”السقوط إلى أعلى”، و”للقمر وجه آخر”، و”مكتوب”، و”طائر الجمال” وهي جميعا لفتحية النمر. وعفاف البطاينة “التغريد خارج السرب”: :أوبار: لمنال الغدّاني، و”مخطوطات الخواجة أنطوان” لفاطمة عبد الله، و”بالأحمر فقط” لمريم الزعابي. واعتدال عثمان “الكتابة على الحدود المراوغة بين الواقع والخيال”: “الياه” لهدى سرور، و”مملكة ريحانة” و”رحلة القلب نحو الشفاء والحب” لعبد الله النيادي، و”زاوية حادّة” لفاطمة المزروعي. إن محاولة الخروج بإحصائية بسيطة من الندوة تعطي النتيجة التالية: هناك ثماني روائيات من بين ثلاثة عشر روائيا كتبن إحدى عشرة رواية من بين ست عشرة رواية صدرت بدءا من العام 2011 ولغاية العام 2013. ما يعني أن هناك عشرين بالمئة تقريبا من المنتَج والمنتج يخص النساء، في حين أن ما تبقى هو للروائيين حيث جرت العادة أن تكون الغلبة للكتّاب. ألا يثير هذا الأمر تساؤلا من نوع ما؟ ثم هل الرقم 16 يعتبر عاديا بالنسبة للإنتاج الروائي في بلد مثل الإمارات، أي أن يقدم ما معدله أربع أعمال روائية هي الأولى لأصحابها في السنة الواحدة؟ فماذا لو أضيف إلى ذلك عدد أقل أو اكثر في مجمل الفنون الأدبية وغير الأدبية؟ وهل يدلّ ذلك على طبيعة الحراك الأدبي في الإمارات؟. حقيقة الأمر أن الإجابة عن هذه الأسئلة لم تأت عليها أيٍّ من الأوراق النقدية الأربع، وربما هي في الأصل تجد مقترحات الإجابات عنها في حقل ثقافي مختلف تماما هو حقل علم اجتماع الأدب أصلا، وليس النقد الأدبي. في هذا الصدد، هل كانت هذه الروايات معبّرة عن تحولات اجتماعية حدثت في الماضي وأخرى تحدث الآن خاصة أنها من النوع الذي يتطرق إلى ثوابت جوهرية في المجتمع الإماراتي، الذي هو مجتمع محافظ بصفة عامة، على نحو يُسائل هذه الثوابت وخاصة عند تناول الحديث عن موقع المرأة في المجتمع؟ على سبيل المثال، تعالج روايات فتحية النمر واقع الأسرة الصغيرة الإماراتية وتحولات القيم فيها وخاصة لجهة علاقة الزوج بالزوجة ومسألة تعدد الزوجات، وكذلك “اسبريسو” عبد الله النعيمي التي من الممكن أن تكون من النماذج الدالة على أثر التقنية على التفكير الشاب الراهن إماراتيا وأثر ذلك على مستقبل المجتمع الإماراتي وما سوف يستجد عليه بسبب هذه التقنية. أيضا أليس ظهور نوع أدبي جديد في جنس الكتابة الروائية إماراتيا أمر جدير بالملاحظة لدى الروائيين الشباب: أدب المغامرة الذي جاء متداخلا مع نوع أدبي آخر هو أدب الكتابة للناشئة؟ تُرى أين المكان في الرواية الإماراتية الجديدة؟ ما هويته وما شكله وما أبرز ملامحه؟ وما هو أثر هذا المكان على ساكنه عابرا أم مقيما أبدا؟ وبحسب هذه الروايات، وسواها من التي لم تندرج في قائمة “تجارب إماراتية شابة في الرواية”، بعد مرور أكثر من أربعين سنة على نشأة الدولة والمجتمع.. بحسب هذه الروايات ما الأثر الذي تركه خليط هذه الثقافات على الفرد والمجتمع الإماراتيين وكذلك على السلوك الاجتماعي؟ وما الذي اختلف وما الذي بقي خاصة في المدن الكبرى: أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وعجمان؟ ثم ماذا عن تلك الجرأة الاجتماعية والحرية الفردية التي تمارسها الشخصية الروائية كشخصية إماراتية؟ والتي هي جرأة غير معهودة، كأن تتحدث رواية عن هروب فتاة من بيت أهلها لتقيم مع شاب في شقته الخاصة. إن هذا السلوك الاجتماعي مرتبط بتحديث أي مجتمع، فهل كان تحديث المجتمع والدولة الإماراتيين هو مفازة عبور لنشأة عقد اجتماعي جديد بقيم جديدة تنظم علاقة الأفراد ببعضهم مثلما بمؤسسات المجتمع والدولة؟ في هذه الحالة فإن الأفراد وحدهم هم الذين يتحملون مسؤولية خياراتهم الخاصة في الحياة، وهم الذين يدفعون أثمان مواقفهم من محيطهم ومن العالم والمجال والبيئة التي يحيون فيها جميعا. وقبل ذلك، هل استوعبت الرواية الإماراتية الشابة هذه التحولات التي حدثت وتلك التي ما زالت تحدث أو على الأقل هل هذه الروايات أشبه بـ”غزال يبشر بزلزال”؟ بحسب وصف لمحمود درويش استخدمه في سياق مختلف في مقالة صحفية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©