الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إرهاصات الفتنة

إرهاصات الفتنة
25 يونيو 2013 21:29
التاريخ لا يقرأ وكذلك لا يكتب مرة واحدة، بل هو يقتضي منا اعادة قراءة واعادة كتابته بشكل دائم، وفي كل قراءة وكتابة نكتشف الجديد وهذا ما فعله د. محمود خلف في كتابه “ثورات المصريين في العصر الفاطمي” وفيه يرصد تفاصيل التعامل بين الشعب المصري والدولة الفاطمية ومن خلال ذلك الرصد يصل إلى نتائج مغايرة تماما لما قال به عدد من المستشرقين وبعض المؤرخين العرب الذين ذهبوا إلى أن أهل مصر رحبوا بالفاطميين وتفاهموا معهم وتعايشوا معا في وئام تام وان المصريين نعموا بالحكم الفاطمي واستحدثوا بعض الاعياد والحلويات الخاصة في الاعياد الدينية الى اليوم. الأمر لم يكن كذلك، فقد شهدت مصر الكثير من الاضطرابات والفتن أو الثورات ضد الفاطميين، ولم تتوقف يوما تلك الثورات، وكان بينها ما هو سياسي واقتصادي وديني أو عقائدي. محاولات فاشلة قبل الفاطميين كانت الدولة الأخشيدية تحكم مصر وحاول الفاطميون أكثر من مرة فتح مصر ولكنهم فشلوا بسبب قوة الأخشيد، لكن ثورات المصريين ضد الاخشيد ادت الى ضعف وانهيار اقتصاد الدولة الاخشيدية مما زاد من اطماع الفاطميين فيها وفي النهاية نجح جوهر في دخول مصر عام 969 ميلادية ـ 358 هجرية ومع ذلك لم يستقبله المصريين بترحاب كما اشيع بل بالثورة والاحتجاج، وبسبب ذلك شرع في بناء القاهرة لتكون مقرا له هو وانصاره يتحصنون به، وتم إنشاء الجامع الأزهر ليؤدوا الصلاة به وينشروا من خلاله المذهب الشيعي، مذهب الدولة الجديدة ولم يتحقق الاستقرار للحكام الجدد وظهرت المقاومة الشديدة التي وقف وراءها الاخشيد خاصة في مدينة تنيسر وذهب جوهر بنفسه لقمع التمرد وبعد طول عناء جرت المصالحة بينه وبين الاهالي هناك ثم قامت ثورة أخرى في الصعيد قادها عبدالعزيز بن ابراهيم الكلابي وكاد ينجح ويطرد الفاطميين من الصعيد كله لولا ان الامدادات الفاطمية وصلت الى الصعيد ونجح القائد الفاطمي “بشارة النوبي” في قتل قائد الثورة. حين حكم الفاطميون مصر كان الوضع الاقتصادي بالغ السوء والعملة المصرية ضعيفة للغاية وقام القائد جوهر باستغلال هذه الأزمة واصدر عملة جديدة عليها اسم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، الامر الذي اشعل غضب الصيارفة واحتجوا مما ادى الى خلق مزيد من الازمات الاقتصادية والمالية، ويذهب الباحث الى ان تلك الثورات والاحتجاجات أضعفت الدولة اقتصاديا وسياسيا خاصة مع تكرار جفاف النيل مما ادى الى انتشار الاوبئة والامراض وادى ذلك في النهاية الى اسقاط الدولة نهائيا وبسهولة شديدة. الاحتجاج والانتفاضة لأسباب سياسية واقتصادية امر عادي في التاريخ المصري منذ العصر الفرعوني، لكن الجديد في العصر الفاطمي هو الثورات لاسباب دينية وعقائدية والذي حدث ان الدولة الفاطمية منذ اللحظة الاولى حاولت فرض مذهبها الديني على المصريين وهو ما قوبل بالرفض الشديد والاحتجاج الواسع والذي بلغ ذروته في عهد الحاكم بامر الله وكان صاحب مزاج متقلب ويأتي بالشيء ونقيضه. كان الخليفة الفاطمي الاول قد وعد المصريين بعدم التدخل في عقائدهم وان يترك لهم الحرية في ممارسة شعائرهم، لكن حين تحقق له التمكن انقلب على وعوده وراح يفرض عليهم مذهبه في التشيع وهو ما رفضه المصريون وكرهوا الدولة الفاطمية كراهية شديدة، راح احد المغاربة الذين جاءوا مصر مع الفاطميين يسب علنا السيدة عائشة ام المؤمنين فأمسك به المصريون واركبوه حمارا وساروا حتى وصلوا الى الخليفة وشكوا اليه ما ردده في حق ام المؤمنين ولم يملك الخليفة امام غضبهم الا ان يأمر بشنقه وهتف المصريون “هذا جزاء من يسب زوجة النبي” ثم تكرر الأمر في الاحتفالات الدينية أيام عاشوراء وكانت تحدث خلالها الكثير من المواجهات بين الاهالي ورجال الفاطميين. تصرفات مريبة في عهد الحاكم بأمر الله ازداد الأمر فقد امر بأن تعلق على حوائط المساجد وأبوابها فضلا عن أبواب البيوت أوراق فيها سباب في حق ابي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وقام بتغيير صياغة الأذان ليجعله على غير ما اعتاد المصريون واضاف اليه بعض العبارات التي استفزت الأهالي فهبوا للدفاع عن معتقداتهم، وجرت أحداث عنف رهيبة وصلت الى إحراق مدينة الفسطاط بالكامل واتهموا الحاكم بأنه وراء هذه العملية بسبب ان الفسطاط بها مقابر الصحابة رضوان الله عليهم وفيها جامع عمرو بن العاص. تعددت أساليب المقاومة ومنها انهم ردوا على أفكار الحاكم فحين صعد يوم الجمعة لالقاء الخطبة وجد ورقة معلقة على المنبر أمامه وبها عدة ابيات شعرية ورد فيها: بالظلم والجور قد رضينا ليس بالكفر والحماقة ان كنت اعطيت علم غيب فقل لنا كاتب البطاقة وكان الحاكم بأمر الله في مجلس بقصره وحوله بعض رجال دولته وعدد من العلماء فقرأ عليه بعضهم قول الله تعالى “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما” وكان القارئ يشير هنا الى الحاكم بأمر الله، نفاقا وتملقا، فقام احد علماء السنة ويعرف بابن المشجر فقرأ قوله تعالى “يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له” الى آخر الآية الكريمة وامتقع وجه الحاكم من المفاجأة وكافأ ابن المشجر بمئة دينار ولم يأمر للاخرين بشيء، ولكن بعض رجال القصر نصحوا العالم السني بمغادرة مصر خوفا من تقلب مزاج الحاكم وبالفعل خرج الرجل الى الحج وقتل في الطريق. وبازاء ثورة اهل السنة في الفسطاط وغيرها امر الحاكم بامر الله بمنع سب السيدة عائشة وأبي بكر وعمر وامر بنزع الاوراق التي فيها السباب من المساجد وابواب البيوت وكان يشرف على ذلك بنفسه وترك لهم الحرية في ممارسة شعائرهم فصام الناس لرؤية الهلال وكبروا على الجنازات اربع تكبيرات وفي النهاية قام الحاكم بتعيين القاضي الحنبلي “السني” احمد بن ابي العوام قاضيا على مصر وسائر الولايات الفاطمية وفي النهاية انتصر المذهب السني في مصر وحين سقطت الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الايوبي عادت مصر سنية بسهولة شديدة ولم ينتطح في ذلك عنزان كما قال ابن الاثير في كتابه الكامل. الكتاب: ثورات المصريين في العصر الفاطمي المؤلف: د. محمود خلف الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©