الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من أين أنا؟

من أين أنا؟
27 يونيو 2013 00:42
يطرح الفيلم الوثائقي “تاء مربوطة” الذي أنتجه معمل 612 ومهرجان كرامة الحقوقي أزمة الهوية بالأردن والأمهات المتزوجات من غير أردنيين وإشكالية التجنس لأطفال ولدوا على الأرض الأردنية وتعلموا دون أن يتمكنوا من الحصول على الرقم الوطني. ووفق الفيلم هناك أكثر من 65 ألف طفل لأردنيات تزوجن من عرب أو مسلمين (أتراك وباكستانيين)، بعضهن مطلقات أو أرامل أو هجرهن أزواجهن إلى جهة غير معلومة وتركوا أولادهم في المجهول، ولم تستطع الأمهات الأردنيات الحصول على الجنسية لأولادهن رغم مراجعتهن مرارا للوزارات والمؤسسات ذات العلاقة. وعلى مدى 47 دقيقة قدمت كاتبة السيناريو سوسن دروزة والمخرج إيهاب الخطيب الذي ساعد أيضا في كتابة السيناريو بلغة سينمائية راقية، شهادات حية وبلكنة محكية لأردنيات تحدثن عن معاناتهن ومحاولاتهن المتكررة لمنح أولادهن الجنسية الأردنية كمواطنات في مجتمعهن. شهادات حية واكتفى الفيلم الذي قدم ضمن مهرجان الفيلم الفرنسي العربي بعمّان وسط حضور ملفت وخاصة العاملين في مجال حقوق الإنسان والمتابعين للقضية والمهتمين بعرض شهادات المتضررات، بحضور أغلبهن اللاتي جلسن بالصفوف الأولى بصالة سينما الرينبو في غياب أي جهة رسمية ذات العلاقة تقدم وجهة نظرها حيال القضية المثارة. الفيلم الذي وصفه مخرجه الخطيب بأنه تسجيلي وأهداه لأمه وأخواته الست، يطالب صراحة بالمساواة بين الرجل والمرأة بشأن الحق في منح الجنسية، وكما جاء في قانون الجنسية لعام 1954 “يعتبر أردنيا من ولد من أب أردني” أي أن الرجل هو الذي يمنح الجنسية وليس المرأة فيما هناك المادة التاسعة من القانون ذاته “أبناء الأردني أردنيون أينما ولدوا” التي لا تفرق أو تميّز بين الذكر والأنثى وفق النقاش القانوني الذي دار عقب العرض. ويحمل العمل السينمائي إيحاءات عديدة حيث بدأ بالسؤال “من أين أنا؟”، “والشفافية مطلب عالمي”، ولقطات للجسر المعلق الذي يربط جبل عمّان بمنطقة عبدون الراقية الذي شهد محاولات عديدة للانتحار، وعليه تسير امرأتان غير قادرتين على منح الجنسية لأولادهن رغم وجود تحذيرات بمنع مرور المشاة!. الهوية.. ماذا تعني؟ العرض السينمائي استهل بتقديم مفهوم كل واحدة من المشاركات للهوية حيث رأى بعضهن أنها “المكان وكل شيء في حياة الإنسان”، و”الأرض التي ننتمي إليها دون اختلاف في اللون أو العرق أو الدين”، و”انتماء وحب للوطن”، و”هويتي وطني”. ووفق “تاء مربوطة” فإن النسوة أردنيات تزوجن في محاكم شرعية أردنية وولدن أطفالهن هنا: “نحن بنات عمّان”، “غريبة في بلدي”، وأولادهن عاشوا برفقتهن بلا إثبات شخصية وليس لهم حقوق المواطنة كالعلاج أو العمل أو التعليم في مدارس حكومية، ومهددون بالتسفير في أية لحظة، ويلاقون صعوبة في تجديد إقاماتهم من الجهات الرسمية، ولا يعاملون معاملة تليق بإنسانيتهم أثناء مراجعة الجهات ذات العلاقة لأنهم لا يحملون أرقاما وطنية حسب الفيلم. الأولاد لا يرثون ومن الحكايات الطريفة في شهاداتهن أن إحداهن اضطرت لتطليق زوجها السوري حتى تحصل لأبنها على جنسية أردنية، لكنها فشلت في الحصول لا على جنسية أردنية ولا على جنسية سورية، واضطر ابنها للحصول على هوية لاجئ من الأمم المتحدة بعمّان المعمول بها عقب الأحداث المؤلمة حتى لا يعيدوه إلى سوريا. بعض ردود الفعل التي جاءت على لسان النسوة كانت مباشرة، تحمل أحيانا الألم وأحيانا أخرى سخرية تعليقا على ما كان يقوله لهن مسؤولو الجهات الأردنية الرسمية: “لماذا تزوجت غير أردني؟”، الأمر الذي حدا ببعضهن لتحميل المحاكم الشرعية الأردنية حيث عقدن قرانهن مسؤولية أوضاعهن الصعبة لعدم قيامها بتوعيتهن وإرشادهن للمشاكل المترتبة على الزواج من غير أردنيين. ومن المفارقات العجيبة وفق الفيلم، أن سيدة أثارت قضية على درجة عالية من الحساسية والخطورة، وهي أن الأردنية المتزوجة من غير أردني لا يرثها أولادها لأنهم لا يحملون الرقم الوطني، وأموالها المنقولة وغير المنقولة تؤول للدولة: “عندي شقة قيمتها سبعين ألف دينار.. ترثها الدولة ولا يرثها أبنائي.. أين العدالة؟”، وثانية قالت: “لو كنت أعرف لما تزوجت ابن عمي الغزي”. وتحدثت سيدة أخرى عن مأساة ربما لم تحدث من قبل، وهي أنه تم تخصيص بيت لها كمكرمة ملكية، وعندما اكتشفوا إنها لا تحمل رقما وطنيا سحبوا البيت منها: “لماذا تتزوجين سوريا؟”. وكما يحدث بالأردن فهناك حكاية أغرب من الخيال لسيدة تزوجت من تركي الذي اخبرها بأنه غير متزوج، وعندما راجعت السفارة التركية في عمان اكتشفت أنه متزوج، ولأن تركيا تطبق قانونا علمانيا فلا تعترف بالزواج الثاني أو الأولاد وتعتبره باطلا، وهنا ضاع الأولاد “ولا أعرف مصيرهم الذي ينتظرهم.. هل ندفن أولادنا وهم أحياء”. الأردني.. هو الحل إحدى الفلسطينيات في العشرينات من عمرها قالت في شهادتها: “تخلصت من مشكلة الإقامة وتزوجت أردنيا.. ماذا يفعل إخوتي؟”، لكن واحدة كانت أكثر صراحة ووضوحا عندما قالت في شهادتها: “يتذرعون بالوطن البديل لكن الموضوع له علاقة بالتمييز بين الرجل والمرأة”. الغريب أن كاتبة السيناريو سوسن دروزة المتزوجة من الفنان ناصر عمر من سكان غزة، والفنانة نادرة عمران المتزوجة من الفنان العراقي جواد الأسدي، تعانيان من المشكلة نفسها، حيث ـ كما قالتا ـ أنهما رغم معارفهما وشهرتما لم تتمكنا من الحصول على الجنسية الأردنية لأولادهما!. الفيلم يقرن هذه الشهادات بالدستور الأردني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقع عليه الأردن واتفاقية سيداو والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي لم تتحفظ عليه أية دولة عربية ويسمح للمرأة منح الجنسية لأولادها، لكنه ـ أي الميثاق ـ مع وقف التطبيق شأنه شأن أية اتفاقية عربية، وأن الحقوق الثابتة للشعوب لا تسقط إذا تم الحصول على جنسية أخرى غير الجنسية الأصلية. بقيت الإشارة إلى أن دروزة والمخرج الخطيب نجحا في لفت الأنظار لقضية تهم 65 ألفا و956 فردا يعيشون بلا هوية أو حقوق المواطنة وتحت شبح التسفير في أية لحظة سيما ووفق الفيلم أن أنظمة الإقامة تتغير هنا باستمرار فهل وصلت الرسالة؟ سؤال نضعه على طاولة أصحاب القرار بالأردن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©