الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قلوب مزيَّفة

قلوب مزيَّفة
23 سبتمبر 2010 20:48
بحكم نشأتي في أسرة محافظة كنت خجولة وأعرف حدود العيب تماماً ولا أتفوه بالكلمات السوقية أو الشتائم وأتعجب من الألفاظ التي قد تصل إلى مسامعي في الشارع أو المدرسة ثم الجامعة، لكنني لا أستطيع أن أصلح الكون، ويكفي أن استمر على ما أنا عليه ولم أحب أبداً الحديث عن العلاقات بين الجنسين في أي مرحلة من مراحل عمري حتى في فترة المراهقة التي تتسم بأحاديث النميمة وربما التباهي بالمغامرات أو مشاعر الإعجاب، اعتبر ذلك عبثاً لا طائل من ورائه، أو خروجاً عن الأدب، فما لا استطيع الحديث عنه في العلن يكون معيباً، لا يجوز الخوض فيه. هكذا تربيت، كل من عرفني أثنى على هذه الأخلاق والتصرفات واعتبروها مثالية، أجد في كلامهم تشجيعاً وحافزاً يدفعني إلى الاستمرار في هذا النهج القويم، بينما على العكس كانت زميلاتي في الدراسة يرين أنني غير طبيعية أو معقدة، ولأنني أعيش في مرحلة أكبر من سني تجاهلت هؤلاء الصغار واكتفيت بكلام الكبار. المشكلة التي لم أكن طرفاً فيها تخص ابنة عمتي، لكن تم الزج باسمي فيها رغم أنفي. عقدوا مقارنة بيننا وفي الحقيقة كنت سعيدة بها، حيث إن زوج عمتي رجل في مركز مرموق جدا وثري جدا، وابنته غاية في الجمال. حاصلة على شهادة جامعية من إحدى كليات القمة، وينتظرها مستقبل واعد، بخلاف ما سيؤول إليها من أموال عن أبيها، وفجأة أعلنت التحدي بما يخيب آمال الجميع حسب رؤيتهم، فقد كانوا يتخيلون لها زيجة من الزيجات الأسطورية أو الملكية ممن يستحقها ويكون مناسباً لها، في الحسب والنسب والمال. لكنها هوت على رؤوسهم بمطرقة من العيار الثقيل. قدمت لهم شاباً من الأقارب من بعيد جدا لا تكاد تعرف صلة القرابة. لأنها ليست من أي درجة ولا حتى العاشرة، إنما هي صلة مصاهرة. كل مؤهلاته في عينيها كما تراه بعين الحب أنها تحبه. بينما هم يرون أنها أصابها مس من الجنون، لأنه لا يملك أي مؤهلات تجعله يقدم على هذه الخطوة لأنه يفقد كل شروط الكفاءة، فهو بالكاد حصل على مؤهل متوسط لا قيمة له في هذه الأيام، لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يعتد به في سوق العمل، أسرته متواضعة لا تملك من متاع الدنيا شيئاً. تعيش بالكاد ولا أمل في إصلاح هذه الحال أو تحسنها. والسؤال الذي يردده الجميع. من أين له بتكاليف الزواج؟ حتى هي لا إجابة عندها وهو أيضاً لا يعرف، لذا اكتفى بأن يلقي الكرة في ملعبها، اعتبر أنه بمجرد اعترافه بحبه لها يكون قد أدى ما عليه. وعليها أن تقوم هي بالواجب، فإن استطاعت أن تقنع أسرتها كان خيراً وإن لم تستطع يكفيه شرف المحاولة، وقد يلقي باللوم عليها لأنها قصرت في الدفاع عن حبها أو خسرت الحرب. وبالفعل تركها تقاتل وحدها على كل الجبهات. ووقف ينتظر النتيجة. إذا نجحت يناله الخير وإذا فشلت لم يخسر شيئاً. بالطبع كان الرفض القاطع ليس فقط من عمتي وزوجها وإنما من الجميع حتى الذين لا علاقة لهم بها، فالجميع يرون أن هناك شططاً في تفكيرها وقد جانبها الصواب في القرار والاختيار. وعلى الرغم من أنها لم تجد واحداً يؤيد وجهة نظرها إلا أنها أعلنت التحدي وأصرت على موقفها، استخدمت كل أسلحة الأنثى، هددت أولاً بعدم الزواج من غيره مهما كان الأمر ولا يمكن أن يجبروها لقبول شخص آخر فهذه حياتها ومن حقها أن تعيشها كما ترى وكما يحلو لها، وبعد ما يزيد على ثلاثة أعوام وضعت الحرب أوزارها ورضخ زوج عمتي واستجاب لضغوطها ووافق على الزيجة مضطراً وعلى غير رضا أو اقتناع، هنا كانت المقارنة بيني وبينها. الجميع قالوا إنني لو كنت مكانها ما فعلت ذلك مطلقاً ولا وقعت في هذه السقطة ووصفوني بالمثالية والحكمة، وأنا أجد في هذا متعة حقيقية لأنني بالفعل لا يمكن أن أفعل ذلك. وتزوجت ابنة عمتي ممن أحبت بعدما تكفل أبوها بكل مصاريف وتكاليف الزواج وحصل على تعهد غير مكتوب من العريس بأنه سيحافظ عليها، والمراقبون يراهنون على موعد فشل هذه الزيجة لعله يكون قريباً. خرجت إلى سوق العمل وأنا ما زلت على سابق عهدي، لم أتغير لا أقبل المساس بالثوابت، ولا اقتراب من الأسس، لكن هذا لم يمنع قلبي من أن يدق بالحب فقد تحركت مشاعري نحو زميلي الذي أسرني بأخلاقه وشهامته وحسن تعامله مع الحفاظ على القيم والأصول، وربما يكون ذلك ما جعلني أميل إليه، لكن هذه المشاعر تكاثرت ونمت حتى ظهرت على ملامحي وفي تصرفاتي، جعله ذلك يتجرأ ويبوح لي بحبه، يومها كنت في قمة السعادة، أو هي سعادة من نوع جديد لم أجربه من قبل، لذا كان مذاقها مختلفاً، رأيت معها الدنيا بعين أخرى غير عيني، كانت هذه المشاعر حقيقية راشدة لأنني لست مراهقة فقد تخطيت الخامسة والعشرين واستطيع أن أحكم على الأمور بعقلانية، أو هكذا كنت اعتقد. ولأنني أرفض الاستمرار في العلاقة بعيداً عن الارتباط الرسمي أفصحت له عن ذلك، فأيد وجهة نظري وأكد أنه كان يود ولو تقدم لخطبتي لكن ظروفه لا تسمح فهو يقيم مع أمه في شقة واحدة بعد وفاة أبيه وليس لها أحد غيره يعولها ولن يستطيع أن يتركها خاصة أنه لا يملك من المال ما يمكنه من شراء شقة، أكبرته وكبر في عيني لأنه بار بأمه وأنا أرفض أن يترك أمه وهي في هذه السن التي تحتاج فيها إلى الرعاية والاهتمام وسألته إن كانت هي تقبل أن نقيم معها، فقال نعم، قلت إذا هيا بنا ننطلق وعليك أن تأتي لمقابلة أبي. أخبرت أمي بالتفاصيل وإن لم أذكر مسألة الشقة لأنني اعتبرتها غير مهمة وتخصني وحدي ويكفي أنني سأعيش مع من أحب، ولا اعتقد أن وجود أمه معنا يمثل أي عائق أو مشكلة، بل على العكس قد نستفيد من خبرتها وتجاربها في الحياة. تحدد موعد اللقاء الأول بينه وبين أبي والذي سار من أوله لآخره على ما يرام إلا قبل النهاية بدقائق عندما سأله أبي عما إذا كان لديه شقة، وكأن حبيبي فوجئ بالسؤال واعتدل في جلسته ليجيب وانتهى اللقاء وأنا اعتقد أن أبي اقتنع به مثل قناعتي، لكن كانت المفاجأة أنه رفض تماماً حتى مجرد الكلام في هذه الزيجة وحسب رأيه أنها محكوم عليها بالفشل مقدماً. وعادت المقارنة بيني وبين ابنة عمتي مرة أخرى وقد اتفق الجميع هذه المرة على أن فتيات العائلة أصابتهن حمى الهوس والجنون، فها أنا افعل ما فعلته ابنة عمتي نفسه، فقد أصررت على الزواج ممن اخترته ولن اسمح بالتفريق بيني وبينه لسبب واه هو أنني سأقيم مع أمه في شقة واحدة. وكما رضخ زوج عمتي من قبل رضخ أبي وتزوجت بعدما لبيت نداء قلبي، كان شهر العسل لنا وحدنا، فقد تركت حماتي الشقة وتوجهت للإقامة مؤقتاً عند إحدى بناتها، ثم عادت وليتها ما عادت، فقد اكتشفت أنني وقعت في شر أعمالي، المرأة تغار على ابنها مني ولا تريده أن يخلو بي في غرفتنا وتحقر من شأن كل شيء أفعله، لديها قدرة فائقة على تزييف الحقائق، وعندها مفردات لا أعرف من أين جاءت بها وحتى أنها بدأت تسبني وتتمادى لتسب أبي وأمي من دون أن ارتكب ذنباً، والمصيبة أن زوجي كان في كل هذا صفراً وكأنه غير موجود وعندما أشكو له يزيد الطين بلة ويعنفني وتحملت لأن ذلك اختياري ولا أريد أن يلومني من حولي ويشمتون في. ووسط هذا الجو المشحون أنجبت طفلتي الأولى، وتمنيت أن تتحسن الأحوال لكنها ازدادت سوءاً، إذ انضمت شقيقات زوجي إلى أمهن وأصبحت محاصرة بهن ليل، نهار، حتى جاءت اللحظة الحاسمة عندما تجمعن كلهن واشتد الحوار وتلقيت منهن عزفاً جماعياً من الشتائم، ثم الضرب، حينها خرجت عن طوري ورددت لهن الصاع صاعين. وزوجي على موقفه نفسه، ربما كان بين نارين، حملت طفلتي وملابسي وعدت غاضبة إلى بيت أبي أخشى اللوم والتشفي وما كنت بمنجى منهما. وجاء زوجي ليعيدني مرة أخرى، فلا يجب أن نسقط في أول اختبار وننهار أمام عاصفة ضعيفة، ويجب أن نتحمل من أجل الصغيرة مع التعهد بألا يتكرر ما حدث. وعدت وأنا أُمني نفسي بعهد جديد، لكن هيهات فقد كان الآتي أسوأ من الماضي، لم يكن أمامي اختيارات غير البحث عن النجاة بنفسي، خاصة بعدما علمت أن زوجي تنازل عن الشقة لأمه لتكون صاحبة التصرف التام فيها وتمن علي بالمأوى، هنا اضطررت لتحرير محضر ضد زوجي وأمه في قسم الشرطة لينتقل الخلاف إلى مرحلة أخطر، بل انتقل إلى الطلاق لاستحالة العشرة، لأدفع ثمن نداء قلبي، ورفض نصيحة أبي.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©