الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
23 سبتمبر 2010 20:49
يقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سميعاً بَصِيرًا}(سورة النساء الآية 58). الأمانة ضد الخيانة، وهي لفظ قليل الحروف كثير المعاني، حيث جعل الإسلام الأمانة علامة مميزة للمؤمن، والخيانة صفة المنافق، والقرآن الكريم الذي نزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم ينزل عليه دفعة واحدة، بل نزل مفرقاً في ثلاثة وعشرين عاماً، فكانت الآية تنزل لسبب من الأسباب مبينة حكماً من الأحكام أو مجيبة عن سؤال أو تقص علينا خبراً من أخبار الأنبياء السابقين وأممهم. وقد ورد في سبب نزول هذه الآية الكريمة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة باب الكعبة وصعد السطح، وأبى أن يدفع المفتاح لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: لو علمتُ أنه رسول الله لم أمنعه، فلوي عليٌّ يده وأخذه منه وفتح بابها، فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وصلى ركعتين فلما خرج أمر علياً أن يردّ المفتاح إلى عثمان بن طلحة ويعتذر إليه فقال له عثمان: آذيتَ وأكرهت ثم جئتَ تترفق!! فقال لقد أنزل الله في شأنك قرآناً {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ....} وقرأ عليه الآية فأسلم عثمان، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:(خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم) (صفوة التفاسير للصابوني 1/284) وهذه الآية الكريمة تشتمل على أمرين: الأمر الأول: أداء الأمانة والأمر الثاني: العدل في الأحكام وقد جاء النص الكريم بتعدد الأمانة لتشمل أنواعها الكثيرة فأداء الأمانات يختلف بحسب كل أمانة، فأعلى الأمانات أمانة التكاليف الشرعية التي ائتمننا الله تعالى عليها وقبلنا حملها بعد أن ناءت بحملها السموات والأرض والجبال، وأبين أن يحملنها وأشفقن منها، قال تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ....} (سورة الأحزاب الآية 72)، فالصلاة أمانة، والصوم أمانة، والحج أمانة، وأداء هذه الأمانات بالمحافظة عليها وعدم التفريط فيها. ثم تليها أعضاء الإنسان، فالسمع أمانة، واللسان أمانة، وهكذا سائر الأعضاء كلها أمانات لديه، وأداء هذه الأمانات باستعمال هذه الأعضاء فيما خلقت له في صورة مشروعة، أما الانحراف بها إلى ما حرم الله فهو خيانة لهذه الأمانات. هذا وكل مال تحت يد الفرد عام أو خاص أمانة لديه، واجبه المحافظة عليه وعدم إساءة استعماله، ويدخل في الأمانة ما يستودعه الأفراد بعضهم البعض من ودائع. وليست الأمانة مقصورة على حفظ الودائع، وردها إلى أصحابها كاملة، فذلك هو أحد مظاهرها، والله تعالى أمرنا برد الأمانات، وأداء الودائع إلى أصحابها، فقال: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...} ، كما وروي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) (أخرجه البخاري)، بل إن الأمانة أعم من ذلك وأشمل، فهي تكون على السر بالكتمان، وعلى المال بالحفظ، وعلى العرض بالصيانة، إنها تشمل أمانة الإنسان على نفسه، وعلى كل عمل يليه، والله تعالى سمى التكاليف والشرائع أمانة ، حيث قال: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(سورة الأحزاب الآية72) ولئن كانت الآية الكريمة نزلت في سبب خاص، إلا إن العبرة لعموم لفظ الآية لا بخصوص سببها، لأن القرآن الكريم نزل ليكون دستوراً عاماً يعمل به في سائر الأوقات، فالخطاب في الآية الكريمة يشمل ولاة أمور المسلمين من الأمراء والحكام وغيرهم، فعلم العالم لديه أمانة، وحكم الحاكم أمانة، وكل شخص ولي مسؤولية فهو مؤتمن عليها ومطالب بأدائها. ومن الأحاديث الدالة على وجوب أداء الأمانة ما روي عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» (أخرجه الدار قطني). والأمانة هي الخلق الذي يتواصى المسلمون برعايته، ويستعينون الله على حفظه، فإذا ما أراد أحد أن يودع صديقه المسافر لم يجد خيراً من الدعاء له بأن يحفظ الله له نعمة الأمانة، حيث علَّمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هذا الدعاء بقوله للمسافر: (استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك) (أخرجه الترمذي)، كما روي عن أنس- رضي الله عنه - قال: ( ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) ( أخرجه أحمد). ثم تنتقل الآية الكريمة إلى طلب الحكم بالعدل في كل ما يعرض علينا من خصومات وأول ما يجب توافره للعدالة عدم ميل قلب الحاكم إلى أحد المتخاصمين عند التقاضي خشية أن يؤدي به ميله هذا إلى الانحراف في الحكم وهو لا يشعر. وينبغي للقاضي أن يسوي بين الخصمين في خمسة أشياء: في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهما، والاستماع منهما، والحكم فيما لهما وعليهما، وأن يكون مقصود الحاكم إيصال الحق إلى مستحقه. وليس القاضي هنا هو من يشغل وظيفة القضاء بين الناس فحسب، بل كل من حكم بين اثنين قاض، حتى الزوج، الذي تضطره ظروفه أن يجمع بين زوجتين، يعدّ قاضياً، مطلوباً منه أن يحاول الاقتراب من العدل، وألا يحكم الهوى والميل إلى إحداهما ليظلم الأخرى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ} (سورة النساء الآية 129)، {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (سورة النساء ،الآية 3) . ومن المعلوم أن العدل في الإسلام ليس قصراً على فض المنازعات أو الفصل في الخصومات، إنما هو معنى جامع وخلق إنساني رفيع يتعامل به الإنسان في شتى مجالات الحياة، فالإنسان مع نفسه? لا يثقلها بالمعاصي والذنوب، ولا يهمل إعداد نفسه وتأهيلها للحياة على شروط العصر الذي يعيشه، فالطالب الذي يهمل استذكار دروسه وينصرف إلى اللهو والعبث هو ظالم لنفسه ومحاسب على هذا الظلم، والرجل في بيته مطالب بالعدل مع أولاده رعاية لهم وتأديباً ووفاء لاحتياجاتهم، ومع زوجته ليحقق قول الله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } (سورة الروم الآية 21)، كما ويجب علينا العدل في علاقاتنا الاجتماعية بحيث تكون مبنية على ما يرضي الله تعالى، مثل رعاية حق الجوار، وحق العمال، وحق الأصدقاء، وحق المجتمع الذي نعيش فيه، لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال : قال- صلى الله عليه وسلم-: «إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» (أخرجه مسلم). هذا هو ديننا، يأمرنا بأداء الأمانات كما يأمرنا بالعدل، ويجعل ذلك شريعة لنا، كما ويحرم علينا الظلم، ويحذرنا من عواقبه، لما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) (أخرجه مسلم). الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©