السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوقنا يمرّ خيال ثمّ يهلك

فوقنا يمرّ خيال ثمّ يهلك
18 أكتوبر 2017 02:47
كتابة الشاعر الفرنسي جيل براسنيتزار الملف ترجمة وإعداد: أحمد حميدة سترة من أدب واستقامة الرّماد وحده يعرف معنى أن نحترق حدّ التلاشي. ومع ذلك سوف أنبأ بما يدركه الرّماد، بعد لمحة خاطفة، وبعين حسيرة من الأمام: ليس بوسع الرّيح أن تحمل معها كلّ ما يصادفها، والمكنسة مهما كانت فضفاضة، ليس بإمكانها جمع كلّ الأشياء. سوف نمكث كحثالة متكوّمة في الظلّ، تحت المقعد، حيث لا ينفذ أيّما شعاع من نور، مشبوكون بشدّة في الوحل.. ونحن نعدّ الأيّام، لنستحيل بعد ذلك.. سمادا.. رواسب، سترة من أدب واستقامة .............................................. سوف أعود من المستقبل بدمعة مهرقة سوف أعود من الماضي بدمعة مهرقة، لأرصّع بها خاتما صغيرا. ومتى تمشّيتِ لوحدك، ضعيه .. في إصبعك. الأخريات لهنّ أزواجهنّ، وخواتم مصفرّة، وأقراط من لؤلؤ. فأمّا أنا، فليس لي غير دمعة، غير حبّة فيروز من ماء تجفّ مع إشراقة السّماء. طالما كان مرئيّا من بعيد دعي هذا الخاتم بإصبعك، بعده.. ستكون لك خواتم أخرى. وإن مللتِ حمله، فسوف يكون لديك شيئا ما.. تدعينه يسقط في غيابة جبّ.. في جنح اللّيل.. .......................................... إلى روح فدريكو غارسيا لوركا (تقول الأسطورة أنّ فدريكو قبل أن يعدم بالرّصاص، رأى فوق رؤوس الجنود الشّمس وهي تطلّ، فقال حينها: رغما عن كلّ شيء.. ها إنّ الشّمس تطلّ.. لعلّ ذلك كان بداية لقصيد جديد) أن نلمح لحين المشاهد الطّبيعيّة من وراء الشّبابيك، حيث تنحني زوجاتنا.. نظيراتنا، و الشّعراء. أن نلمح المشاهد الطّبيعيّة من وراء قبور رفقاءنا والثلج الوئيد الذي يتطاير حين تتحدّانا المحبّة. أن نرى من جديد السّيول العاصفة للمطر وهي يزحف على البلاطات.. تغشى في كلّ خطوة الكلمات التي يمليها علينا إحساسنا بالحقّ. أن نرى من جديد فوق الأرض الصّلدة القاسية، الصّليب يمدّ أذرعه الأخيرة.. المتيبّسة. وفي ليلة قمراء، أن نلمح من جديد الظلّ المديد الذي يلقي به الشّجر والبشر. وفي ليلة قمراء، أن نرى من جديد، الموج المتثاقل للنّهر يلتمع كسراويل بالية مهترئة. ثمّ.. وفي الفجر، أن نرى مرّة أخرى الطّريق البيضاء، حيث تبرز فجأة فرقة الإعدام. وأن نرى أخيرا ومن جديد، الشّمس وهي تطلّ بين الأعناق الغريبة للجنود. حين تمضي الغيوم تنقضي الحياة وتتبدّد كما هذه الغيوم العابرة نحن نحمل موتنا بداخلنا.. نحمل تلك الغيوم الضاجّة بالغناء وبالمحبّة، بين الأغصان الدّاكنة السّوداء، «وتمضي الغيوم...» هكذا يهزج الأطفال ويهتفون بالوجود. أو تسمع هزيج الأطفال عند تلك الأجمات؟ غزول المطر الملتمعة تتشابك، يسمع لشدوها طنين طنين عابر قرب تلك القمم الصّارمة، حيث يغزو الظّلام من جديد السّموات التّعيسة الهالكة. وتمضي الغيوم.. تمضي الغيوم فوق الأجمات. في مكان ما.. يسيل الماء، قرب أسيجة الخريف، وحسبنا الغناء والبكاء. أن ننظر بإسهاب إلى الأعلى ونمعن في النّشيج أن نكون أبناء اللّيل، أن نعاود النّظر دون توقّف إلى الأعلى أن نسترسل بالغناء والبكاء و لا نلقي بالاً للعبرات المنهمرة.. بجانب أسيجة الخريف والأشجار القاتمة، يسيل الماء في مكان ما، صرخة في الظّلمات المتقلّبة، حسبنا أن نضمّ أوراقنا ونمعن في الغناء والبكاء. فوقنا.. يمرّ خيال.. ثمّ يهلك حسبنا الغناء والبكاء.. حسبنا أن نظلّ.. أحياء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©