الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألكسندر بلوك العندليب الذي تجمّد قلبه

ألكسندر بلوك العندليب الذي تجمّد قلبه
18 أكتوبر 2017 02:48
كتابة الشاعر الفرنسي جيل براسنيتزار الملف ترجمة وإعداد: أحمد حميدة أن يكون المرء شاعراً روسيّاً، فإنّ ذلك كان يعني في روسيا حتّى وقت قريب، بل وإلى غاية الآن، أن يكون رائياً.. بصيراً. كذلك كان ألكسندر بلوك، هذا الذي ربّما تكون بصمته أبلغ وأنصع من بصمة ألكسندر بوشكين أمير الآداب الرّوسيّة. لقد كان ودونما إرادة منه عند مفترق عوالم متعارضة، وعند نقطة العبور المحموم والمترع بالوعود، من عالم إلى آخر. كان يشعر بأنّه موعود بالعيش في زمن غير زمنه، وينشد بقوّة ذاك الزّمن، ولكن كم دمّرته خيبات الأمل، ودفعت به إلى بذل نفسه، بل الموت غمّاً من أجل «وطنه المريض». سوف ينتابه في الأخير إحساس بعدم الرّغبة في الحياة: «يموت الشّاعر متى فقد القدرة على التنفّس، وها إنّ الحياة قد فقدت هنا معناها». ومثل أصدقائه الشّعراء، نيقولاي غومينيف وسرغاي إيسنين ومايكوفسكي ومارينا تسفيتاييفا وأوسيب مندلشتام، سوف يتمّ حشّه قبل أن تبلغ سنابله أوج اكتمالها. ففي سنّ الواحدة والأربعين، وفي يوم السّابع من أغسطس 1921، اختفى بلوك فجأة، مخلّفاً في صحراء الجليد المديدة، روسيا مجمّدة، لا يطلّ منها غير بسترناك وآنّا أخماتوفا المنذوريْن بالصّمت والرّعب. كمترصّد للنّور، ومستنهض للصّباحات المشرقة، سيجد بلوك نفسه مأخوذاً في «دوار السّنوات الرّهيبة»، سنوات الرّعب التي استشرت فيها المجاعة وعمّ فيها البؤس، تلك الأيّام السّوداء التي أعقبت ثورة أكتوبر 1917، سنوات التشنّجات الأخيرة للحرب الأهليّة والسّيطرة الكاملة للبلاشفة على الحكم، وكان من نتائج تلك السّيطرة أنّها فتحت الطريق للشّيوعيين لإقامة دكتاتوريّة جديدة في زمن السّلم، دكتاتوريّة غاشمة، لن تتوانى عن تصفية معارضيها واغتيال كلّ آمالهم. إنّه آت من روسيا الأخرى، من روسيا الأعماق، روسيا الآبدة، ولكنّه كان لا يبدي أيّ إشفاق على ذاك الحنين إلى الماضي، فلا يتحسّر على ذلك الماضي، وإنّما يسكب كلّ غنائيّته في توقه المطلق إلى تغيير جذريّ، متوجّساً من كلّ ما قد يحدث. وقد وجد نفسه في وضعيّة يوجزها غرامشي حين قال: «لقد اختفى العالم القديم، ولكن لا وجود بعد لعالم جديد، وما بين هذا وذاك يبرز الوحوش ويستشري التوحّش»، ولكنّ الوحوش في روسيا كانوا حاضرين في العالم القديم وفي العالم الجديد على السّواء. سرعان ما سيحلّ الخوف والتوتّر محلّ القصائد الرّثائيّة لبلوك، التي كانت حقيقة لحظات من موسيقى محضة، بالكاد يتوارى فيها شدوُ فِرلينْ ورنين صوته. من «أبيات إلى السيّدة الجميلة» إلى قصيد «اثنا عشر»، يتبدّى لنا مسار رجل يحاول مواصلة العيش وفق قيمه وقناعاته الصّوفيّة العميقة، في ظلّ حداثة موسومة بالبربريّة والتوحّش، فهو رجل لا ينصت في الحقيقة لغير أناشيده الباطنيّة، تلك التي كانت تدوّي بداخله، عساها تحجب عنه ضجيج العالم، وسوف يظلّ إلى الآخر وفيّاً لتلك الأناشيد. لقد وجد بلوك نفسه مأخوذاً في سباق محموم.. متقطّع، سوف يحوّله من أرستقراطيّ الآداب الرّوسيّة، ذي الميول الصّوفيّة والرّومنطيقيّة، والمتشبّع بالثّقافة الكلاسيكيّة القديمة، إلى مخادع متحمّس للمدافعين عن العالم الجديد: جند الحرس الأحمر، وكان ذلك المسار خلاصة ومأزق مسيرة بحثه الرّوحيّ والباطني، وفوضى مدمّرة طالت باطنه وجعلته ينشد النّجاة والخلاص. الانحدار ولد ألكسندر ألكسندروفتش بلوك في 16 نوفمبر سنة 1880 في سان بيترسبورغ على ضفاف نهر النّيفا، وقد مرّ في مسيرة حياته من طفولة آمنة ومدلّلة، إلى حياة كانت في البداية مشرقة ومحتفى بها، قبل أن تتحوّل إلى فاجعة مأسويّة.. سوداء. هذا الرّجل ذو القامة الفرعاء، الذي تُزِينه حركات رشيقة.. وئيدة، وكلمات مقتصدة.. أنيقة، سوف يبدو دائماً على هامش الزّمن، كمشّاء النّوم في عالم الواقع، كان يمشي.. ولكن بداخله كان يترجّل. ناعماً ورقيقاً، كان هذا الأرستقراطيّ الهشّ، يتأرجح بسهولة بالغة بين الحماس المفرط وحالة الانهيار، باحثاً عن سبيل للنّجاة والهروب إلى الأمام، بتوق جامح إلى الصّفاء الرّوحيّ. كانت تشدّه روابط حميمة إلى الوطن الأمّ، روسيا الخالدة، وسيكون ابناً لـ«شخماتوفو»، مقرّ الإقامة العائليّة بريف موسكو، التي كان يعشقها ويداوم على زيارتها كلّ صيف. وسيطلق الشّعر رنين تلك الأماكن ليفتح الآبار الخبيئة بسرّ الرّجل. بالكاد نذكر ذلك الشّاعر وهو في سنّ الرّابعة والعشرين، بشعره الأشقر المتجعّد، وبجاذبيّته السّاحرة، والذي جعل روسيا تنحني له محبّة وإجلالاً. لقد كان معاصراً لريلكه وأبّولينير، وثمرة وسط برجوازيّ مثقّف ومستنير، ينظر إليه على أنّه بوشكين الجديد، فكان بمثابة المنارة، وجميع الرّؤوس كانت مشرئبّة نحوه، ليمضي من نجاح إلى آخر، ويكتب «كوخ الكرنفال» الذي يعتبر اليوم أوّل مسرحيّة حديثة في روسيا، وسيظلّ تبعاً لذلك محاطاً بهالة من التّمجيد طيلة حياته. كانت الفترة الممتدّة ما بين 1900 و1917، فترة مجيدة في تاريخ الشّعر الرّوسي، شكّلت ما عرف بـ«الزّمن الفضّي»، زمن شهد ازدهاراً لافتاً لفنّ الرّسم والأدب والموسيقا، أعقب سنوات بوشكين الزّاهرة، أو العصر الذّهبيّ للثقافة الرّوسيّة في بداية القرن 19. وقد ساهم ذلك الفوران الفكري والفنّي على انبعاث الآداب الرّوسيّة، غير أنّه سرعان ما سيتداعى ذلك التوثّب الفكري والفنّي على مقصلة ثورة أكتوبر 1917. كان بلوك يرتاد الصّالونات والمجامع الأدبيّة، ويقرأ قصائده، فيبهر الحاضرين برقّة نفسه الرّومنطيقي، وما كانت تنطوي عليه أبياته من حزن شفيف.. نقيّ، حتّى غدا محلّ تمجيد وتقديس، وسلسلة ندواته الشعريّة «الغريبة» سنة 1906، ضاعفت من شهرته، وجعلته يميل إلى السّكر والتهتّك كي يتحمّل المدينة التي غدت في نظره ملعونة. كان ينتظر بصورة مبهمة زلزالاً باطنيّاً ما، فلا تأتي العاصفة المرتقبة، وينتهبه الشكّ: «متى سأغدو طليقاً حتّى أضع حدّاً لحياتي». كان مهيأ لتقبّل كلّ أشكال الصّدمات، إلى أن كانت صدمة أكتوبر 1917، فيقبل بلوك على إعصار الثلج لهذه الثّورة التي باتت تنهض، وينغمر فيها بكلّ كيانه وبحماس بالغ. مأخوذاً في ذاك الدّوار، دوار الثّورة، أضحى بلوك شيئاً فشيئاً ممثّلاً ولم يعد شاعراً.. والبقيّة معروفة. زمن البراءة على ضفاف النّيفا أخلى المكان لسنوات عذاب رهيبة. وبجسارة، سوف يلقي بلوك نفسه في أتون المعركة، ويوظّف الشّعر في سبيل القضيّة. ولم يكن بإمكانه تناسي ما خلّفه وراءه، ما بات مفقوداً وشارداً إلى الأبد. كمشّاء هشّ على الحبل، بات يترنّح بين هاوياته، ليغدو مطحوناً في النّهاية، مفتوناً بإعصار الثّورة، مسحوقاً بوحشيّة وحماقة الإنسان، سوف يغدو في النّهاية، فريسة للإحباط والاكتئاب. كان العشق الحقيقي لبلوك موهوباً لروسيا فحسب، التي بقدر ما كان يعشقها، كان يحقد عليها، وهو يرى فيها ذلك المزيج القاسي بين ما هو مدنّس و ما هو إلهيّ، بين السّوقي العاميّ والجلال الوقور، وسوف يكون ذلك «الحبّ الذي يحقد»، مدار أعماله الشّعريّة وقطب رحى حياته. ونحـو تلك الأرض، تتّجه لتلتقي، العوالم الأخرى. أرض مقدّسة، أرض ملعونة، أرض مشبعة روحانيّة. تلك الرّوحانيّة المشبعة بالرّومنطيقيّة هي التي ستدفع به طبعاً نحو الثّورة، التي لم يرَ فيها في البداية سوى ذاك البروز لعالم جديد مخلّص: «على عاتق كلّ جنديّ أحمر أرى أجنحة ملائكيّة»؛ و لسوف يلقي به ذلك الانتشاء بالثورة الثّقافيّة المرتقبة، في الدّوار المدهش لقصيدة «الاثنا عشر» التي كتبها بنفَسٍ واحد ما بين 8 و 28 يناير 1918، فكانت إعصاراً من الأبيات الشّعريّة، ينسجم و الإعصار الثّوريّ. لقد كان بلوك يؤمن بثورة تكون لها أبعاد كونيّة، ثورة تهزّ وتوقظ الأرواح. ولكنّ المعجـزة المرتقبة لميلاد عوالم أخرى لم تحدث. لذلك، انتابه إحساس شديد بالمـرارة، سرعان ما ألقى به في حالة من الوجوم و الصّمت؛ لن يرفع صوته بعد ذلك، ليسلم قياده للعزلة و الانفراد. وسوف ينطفـئ على مهل في خضمّ الأيّام السّوداء، بعيداً عن العوالم اللاّنهائيّة؛ غير أنّ كلماته المختنقة في حنجرته تظلّ أبلغ شهادة على ما آل إليه هذا العندليب الذي تجمّد قلبه، وهي ولا شكّ الشّهادة الأشدّ قساوة: «جميعنا منذور للفناء، ووحده الفنّ هو الذي يبقى». امّحاء بلوك منهاراً، غدا بلوك، أشبه بالغيمة الطّافية، وبالكاد كان يبدو على قيد الحياة. لقد تداعى للمرض منذ 1918، وبات جسده المتآكل يتطاير مزقاً. الهواء أخرس، وكلّ شيء غدا، وبشكل مريع، ساكناً. وفي الحقيقة، أنّ الهواء الذي لم يعد الشّاعر قادراً على تنشّقه، هو تلك الموسيقا الباطنيّة التي كانت تغذّيه، منطقة العبور بين العوالم، وما بين تلك العوالم غدا أخرس، وبالتّالي لم يعد أمامه من خيار غير الشّرود والتّيه، فإذا بالقلق الذي بات ينهشه من الدّاخل ينمو وينمو، وإذا بالفراغ الذي غدا يطوّقه يَجْلده حدّ الصّراخ، ويعزّز لديه الإحساس بالعقاب: «أشعر أنّي بتّ بلا جسد وبلا روح، وأنّ الهاوية غدت ماثلة أمامي، فأنا مريض، ومرضي لا يشبه أيّ مرض عرفته في ما مضى». روسيا الأمّ التي كانت قد أتلفته، والقصائد الباذخة لسنة 1918، لم تكن تغاريد للمجد والرّفعة وحسب، وإنّما أناشيد وداع لروسيا. والحال أنّه لن يكتب تقريباً أيّة أبيات شعريّة أخرى بعد ذلك. وسوف يقضي، لا بسبب المرض، وإنّما بفعل الحزن العميق الذي سكن كيانه. هزيلاً، مبيضّ الشّعر وبثياب بائسة ورثّة، غدا بلوك طافياً كحطام سفينة تتقاذفها الأمواج. فبالنّسبة إليه لم تعد هنالك روسيا، روسيا التي افتقدت شاعرها بلوك المتحلّل في موج العدم. «حين تصادر منّا الحريّة والأمن.. سلام الرّوح الضّروريّ للإبداع، وحريّة الخلق.. فإنّه لا مصير للشّاعر غير الموت، لأنّه يغدو غير قادر على التنفّس، ويفقد كلّ معنى للحياة»، هكذا تحدث بمناسبة إحياء ذكرى وفاة بوشكين. وقد مات بعد ذلك بستّة أشهر، لأنّ (ندرة الهواء تقتل الشّعراء). (لقد غدوت أصمّ.. لقد غدوت أصمّ)، كلمات لم يتوقّف عن تكرارها وهو على وشك الرّحيل، إذ الموسيقا التي كانت تسري بداخله، كانت قد توقّفت تماماً وإلى الأبد. عالم بلوك الشعري تقول صوفي لافّيت: «عالم بلوك.. عالم رؤيويّ، جوهره موسيقا: من وراء غلالة قزحيّة الألوان، لا يمكن تلقّفه إلاّ على شكل ذبذبات وأصوات، وهذا العالم الرّؤيويّ هو بالنّسبة لبلوك الواقع الأوحد.. وحتّى اللّحظات الأخيرة من حياته، كان يعتقد في واقعيّة العوالم الأخرى وفي إمكانيّة تلمّسها وسماعها ورؤيتها، وليس في حالات استثنائيّة فحسب، ولكن دائماً وفي أيّ مكان». كان رجل الأصوات والرّؤى، والكلمات الباهرة التي تسري في أوصالها موسيقا اللّغة الرّوسيّة. كان يعرف كيف يدفع إلى الغناء.. الرّيح والمشاعر. كان يكتب كوسيط في استحضار الأرواح، وهو من القلائل الذين مدّوا آذانهم ليصيخوا إلى نبض الوطن الأمّ. ولئن كان لا يعرف شيئاً عن الموسيقا، فإنّه كان قادراً على نقل أيّة ارتجافة تطرأ على تجعّدات العالم. كان مسكوناً بالإيقاع، بالأصوات المجلجلة للحياة وبطقطقة الموت. رجل الأصوات هذا، كان يصل بينها ويجعلها تغنّي، كما كان خبيراً بسماع الصّوت الغامض لانهيار العالم القديم ولدويّ الثّورة. أن نحصر بلوك في حدود الرمزيّة الرّوسيّة، فإنّ ذلك قد لا يعني شيئاً مهمّاً، لأنّ بلوك كان يوجد دوماً في مكان ما آخر. كان ينبذ المدارس والنّظريّات، والخوض في أساليب الكتابة الشعريّة، ففي أبياته كلّ شيء ينسكب بشكل تلقائي، كلّ شيء خفيف ومعلّق، لا يهمّه الشّكل بقدر ما تستوقفه الموسيقا والأصوات: «الشّاعر هو حامل إيقاعات». لقد عبر شعره الحدود التي تفصل بين الكلمات. آه يا روسيَّتي! شعر: ألكسندر بلوك (1) محزون.. ينساب النّهر متثاقلًا فتغمر مياهه الضّفاف، الطّمي الأصهب الحزين، المنحدرات الصّخريّة و حجر الرّحى المستوحش في السّهوب. آه يا روسيّتي، يا سيّدتي ويا قرينتي، في الوجع المُرْمض، تتبدّى أمامي طريقنا.. لاحبة.. مديدة. فيما مضى.. وبثبات تاتاريّ، أبان لنا السّهم المميت وجهة الرّحيل، حين انغرز في صدرنا. أيا روسيا.. إنّ طريقنا تمضي عبر السّهول القانطة عبر آمالك المحبطة و لكن.. إلى أين تراه يمضي في عتمة اللّيل هذا الحقد الدّفين؟ لم أعد أخشى الظّلمة، ليحلّ اللّيل. ها نحن قادمون، و نار مقامنا تلتمع في السّهوب، و في غمرة الدّخان يومض بيرقنا في وجه حراب الخان. إنّه الصّراع الأبديّ.. سلام في الغبار، و الدّم ليس سوى حلم لعوب. عدْواً وهرولة يتمّ الهروب الجامح الذي يتمّ عبر الأرض البريّة عدْواً لا آخر له، مسافات وهاويات... لتتوقّف.. ولتنتظر.. و تمرّ حشود مروّعة، لتتدحرج على الأفق المدمّى. الأفق مدمّى، وقلبي يندكّ له وجعا.. لتبك.. لتبك حدّ النّشيج، فلا مكان للسّلام.. والهروب يتمُّ عدْواً وهرولة.. ربّة الإلهام.. في ترانيمك الأكثر حميميّة.. ينكشف الإنباء الفاجع للموت، محضورات الشّريعة المقدّسة، و الهوان المُنْتهِبِ للسّعادة والفرح. سورتك.. تظلّ لا محالة قاهرة، و روحي لم تزل بسطوتها.. مأسورة.. راضية. بحمّى جمالك.. خرّت الملائكة خفرا و في رواء بهاءك غدت حبيسة.. مكبّلة. و حين تهزئين من الإيمان، فوق رأسك.. شاحبة.. تومض فجأة الحلقة الرّماديّة المجلّلة بالأرجوان التي كنت قد رأيتها وامضة في سالف الأيّام. أوَتكونين قاسية أم أنّك خيّرة؟ أنت غير كلّ هذا. إنّهم ليسمّونك بكلمات منمّقة: فيرى فيك عامّتهم.. الملهمة والآية الخارقة، و أرى فيك البلاء والهاوية. حين ستتفسّخ عظامي حين ستتفسّخ عظامي البائسة تحت جدار يغزوه نبات القرّاص سوف يكتب أحد المؤرّخين المتأخّرين عملا يعدّه مهمّا سوف يعذّب ذلك التّعيس طلاّبا أبرياء: تاريخ الميلاد وتاريخ الممات و ركام من اقتباسات لا مغزى لها.. قدر محزن لحياة ملتبسة، لمعاشرة مضجرة وبلا فائدة: أن نغدو مادّة بحث لبحّاثة و نضخّم جيش المنتقدين.. إيه.. لو كان بإمكاني.. لآنطمرت تحت الأعشاب لأنعم برقدة أبديّة.. صمتا إذن أيّتها الكتب اللّعينة، فأنا لم أكتبك البتّة..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©