السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

همايون «الراعي الأول» لتصوير المنمنمات في الهند المغولية

همايون «الراعي الأول» لتصوير المنمنمات في الهند المغولية
12 يوليو 2014 23:34
د. أحمد الصاوي (القاهرة) عندما جلس ظهير الدين محمد بابر على عرش دلهي كأول حكام المغول بالهند في العام 1526 م لم يتسن له خلال سنوات حكمه الأربع أن يهتم بأمر تصاوير المخطوطات لانشغاله بتثبيت أركان ملكه، وكذلك لم تتح الأحداث العاصفة التي أرغمت وريث عرشه همايون على اللجوء لبلاط الصفويين في أصفهان الفرصة للملك الشاب للعناية بالمخطوطات المصورة، ولكن بعد هذه السنوات الأولى تم تدارك آثارها سريعا منذ استعادة همايون للعرش انطلاقا من كابول في العام 1549م. صادفت عودة همايون تراجع اهتمام الشاه طهماسب بمرسمه الملكي في أصفهان فسمح لأحد أشهر فناني هذا المرسم بمرافقة همايون إلى كابول وهو مير سيد علي وهناك انضم إليه فنان آخر شهير هو عبدالصمد الشيرازي ومثل هؤلاء النواة الصلبة لنشر تقاليد فن المنمنمات الإسلامية في بلاط المغول، حيث عهد إليهما من همايون ثم ابنه جلال الدين أكبر ليس فقط بعمل تصاوير للمخطوطات بل وبتدريب المصورين الهنود لعمل في خدمة المرسم الملكي داخل القصر. وقد تلقى همايون نفسه دروسا في الرسم على يد مير سيد علي بينما لم يسعف الوقت أكبر لتلقي هذه الدروس، حيث انغمس في دروس القتال والقنص ثم وجد نفسه حاكما للدولة وهو دون الرابعة عشرة من العمر، ولكن ذلك لم يحل دون أن يكون «الراعي الأول» لفن تصوير المنمنمات بالهند المغولية. شهد عصر همايون بداية الاهتمام الرسمي بتزويد المخطوطات بالصور والتحق عدد من الفنانين ببلاطه إلى جانب مير سيد علي، وعبدالصمد من أمثال مولانا دوست، ومولانا يوسف، مولانا محمد درويش. مرسم خاص جاءت القفزة الكبرى مع قرار أكبر بإنشاء مرسم خاص للبلاط في دلهي فيما بين العامين 1565 و1567م، وذلك لإنتاج مخطوطة من كتاب القصص الشهيرة في الأدب الفارسي باسم حمزة نامه، وذلك بعد أن سمع هذه القصص في بلاطه بمناسبة امتداح الحاشية لشجاعته في الحروب وفي رحلات الصيد التي نجح في إحداها في السيطرة على فيل خطير في العام 1564م حسبما يشير أبوالفضل مؤلف سيرته الشخصية المعروفة باسم أكبر نامه فقد قرن بعض الحاشية بين أكبر وبين حمزة بن عبد المطلب في الشجاعة والإقدام. ومهما يكن من أمر الدوافع لإنشاء المرسم الملكي الذي انهمك في عمل مخطوطات أخرى كثيرة على رأسها مذكرات أكبر بل وتاريخ بابر جده «بابر نامه» فإن مير سيد علي وعبدالصمد الشيرازي اضطلعا معا برسم الجزء الأكبر من الرسوم التوضيحية للمخطوط الملكي من حمرة نامه، فضلا عن عملهما في تدريس فنون التصوير الإسلامي لنحو ثلاثين مصورا هنديا قدموا من أقاليم الهند مثل أوتار براديش وجوجارات ومالو والدكن للعمل في هذا المرسم. وشهد عهد جلال الدين أكبر إنتاج نسخ من مخطوطات عدة منها كتب تم تأليفها لسرد تاريخ الأسرة المغولية مثل كتاب بدواني مختار التواريخ وكتاب مير علاء الدولة المعروف باسم النفيسي ومؤلف تاريخي أكبري لحاجي محمد عارف. مخطوط حمزة استغرق إنجاز المشروع الملكي لمخطوط حمزة نامة قرابة 15 عاما ظل خلالها مير سيد علي المسؤول الأول عن العمل إلى أن سافر لمكة للحج في العام 1574 م، فقام عبد الصمد الشيرازي بقيادة فريق العمل الذي تمتع بقدر كبير من الاحترام حتى أن الفنانين الأساتذة لم يوقعوا باسمهم إلا على اللوحات التي عملوا فيها بشكل منفرد دون مساعدة من الآخرين، ووضع المخطوط الضخم بين يدي أكبر في عام 1582 م وبدا واضحا أن المصورين الهنود قد تم تدريبهم بشكل جيد على رسم الأشخاص والمناظر الطبيعية وكذلك استنباط وتوليف الألوان وفقا لتقاليد مدارس التصوير الإسلامي كما ازدهرت في مراكز فنية شهيرة مثل أصفهان وشيراز وهراة. مقتنيات وهناك أيضا من نتاج عمل المرسم في عهد جلال الدين أكبر نسخة مصورة من كتاب فال راني، مؤرخة بالعام 1568م وهي ضمن مقتنيات المتحف الوطني بنيودلهي ومخطوط الطلاسم المؤرخ بالعام 1570م وهو محفوظ بمكتبة رضا في رامبور بالهند. ومن صور هذا المخطوط الأخير واحدة يعتقد أنها تمثل الإمبراطور أكبر في منظر خلوي وصورة أيضا لأحد دراويش الصوفية، وثالثة لشخص يقوم بأعمال سحرية في حديقة منزل وكذلك صورة لفقير يمسك بزهرة في يده وقد رسمت المناظر الخلوية في هذا المخطوط بأسلوب تظهر فيه التأثيرات الإيرانية، وخاصة من ناحية رسم الصخور بهيئة اسفنجية في خلفية الصورة مع رسم الحزم النباتية المتناثرة في الأرضية بل إن المناظر الداخلية ومنها صورة لامرأتين تقوم إحداهما بممارسة أعمال سحرية لعلاج الأخرى المستلقية على الأرض تبدو مماثلة للصور المألوفة في مدرسة شيراز التيمورية. أهم الأعمال من أهم أعمال الآمدي الخطية خطوط جامع شيشلي التي أنجزها وهو في قمة عطائه، خط قبة جامع أيوب، والخطوط التي على أبواب سوغوتلو جشمة، وخطوط جامع باشا بقجة، وجامع قاسم باشا، وجامع حاجي كوجوك، وفي مدينة أنقرة خط قبة جامع كوجاتبة، وفي مدينة جناق قلعة جامع تشان، وفي مدينة قونية جامع قادن خاني، بالإضافة إلى كتابة مصحفين، طبع أحدهما في ألمانيا والثاني في تركيا. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©