السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميزان الشحم واللحم

ميزان الشحم واللحم
24 سبتمبر 2010 22:28
منذ اللحظة التي زاد فيها وزني وأنا أضع نظرات الناس نصب عيني، لكن بعد ربع قرن من السمنة قررت التوقف عن الاهتمام برأي الآخرين فيني، وأصبح ما يهمني هو رأيي في ذاتي وهو رأي مثل الزفت، وتقديري لنفسي الذي لم يتعد الصفر، وهذا يؤثر في النتيجة النهائية وفي الدرجات التي أمنحها لشخصي. فقد كانت شهادتي الحياتية على النحو الآتي: التعليم: جيد (C). الوضع المهني: مقبول مرتفع (D+). العلاقات الاجتماعية: جيد جداً (B). السلوك العام: مقبول مرتفع (D+). المظهر الخارجي: راسب (F). المعدل العام (GPA): 1,6 أي مقبول (D)، وضمن المليار الخامس بين سبعة مليارات إنسان. مثل هذه الشهادة المحبطة لا ترضيني، فأنا راسب، ولذلك قررت النجاح وتحسين ترتيبي بين البشرية، على الأقل أكون ضمن المليار الأول. بدأت المشوار وأخذت أمشي كلما رأيت مضماراً للمشي، وأخفف الأكل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وفي أمسية من أمسيات المشي على ممشى الخوانيج بديرة، راجعت أفكاري بشأن ترتيبي بين البشر، لأن الفلاسفة يقولون إن أجود الأفكار تأتي أثناء المشي، وفعلاً كانت فكرة في غاية الجودة اضطرتني إلى التوقف والتحدث إلى نفسي مثل المجانين: ما هذا المنطق الغبي، وهل أصبحت قيمة الإنسان بوزنه؟ رحت أمشي على مهل مواصلاً المونولوج الداخلي: الإنسان يا بني آدم في عقله وأخلاقه وثقافته، ومن الظلم أن أزن ذاتي بميزان الشحم واللحم. أين أنت يا أيها الكائن المخطط بالأبيض والأسود من الحكمة القائلة: «قيمة كل امرئ ما يحسنه»؟ نعم، قيمة الإنسان لا تقاس بما يأكل وإنما بالأشياء التي يُحسنها في هذه الحياة، وأنا أُحسن أشياء كثيرة هي التي تمنحني القيمة. صعدت السيارة مقرراً التوقف عن كل شيء وتقدير نفسي وفق معطيات أخرى، وأسرعت إلى البيت حيث المرآة. وقفت أمامها وقلت للشخص الماثل أمامي من دون مقدمات: أنا مثقف، أو على الأقل شبه مثقف، بالطبع أنت لا تعرف الثقافة لكن الناس تقدّر، والعقلاء يفهمون. أنا ابن بار، على تعرف معنى برّ الوالدين، كيف ستعرف وأنت مجرد كومة شحم على لحم على غباء؟ أنا زوج وعندي بيت وأعيل أسرة، هل تعرف هذه الأشياء يا ضبع الله في لحومه؟ أنا أب لثلاثة أطفال ينطح بعضهم بعضاً، هل تعرف الأبوة؟ هل جربتها؟ هل ذقت حلاوتها وتجرعت مرارتها؟ أنا في المحصّلة النهائية معلم لأبنائي، وزوج مخلص، وابن بار، وصديق لإخواني وأخواتي، وأخ للبشرية جمعاء، وصاحب رأي وقلم في مجتمعي، بل إنهم في صباي كانوا يلقبونني بـ»أبو قلم» جنباً إلى جنب الألقاب المستوحاة من بدانتي. هل القضية تستحق أن أجلد نفسي أمام الملأ لأنني بدين قليلاً ونهم بعض الشيء؟ أين المشكلة في أن يكون المرء مولعاً بالطعام الحلال، يأكل بسرعة لكن من كدّ يده؟ ألم يقل السموأل: إذا المرءُ لم يَدنسُ من اللؤمِ عِرضُهُ فكل رداءٌ يرتديه جميلُ لماذا هذه النزعة الانعزالية في تقديري لذاتي؟ لماذا لا يكون تقديري سياقياً كما يقولون؟ فأنا فلان بن فلان الذي عمل كذا وفعل كذا، وليست هذه الأمور بمعزل عني، ولست فلانا بن فلان الذي أكل كذا، فقط. فتحت الثلاجة وأخذت آكل وأنا أضحك على سوء ظني ببطني. أحمد أميري Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©