الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بدون مزاج

بدون مزاج
24 سبتمبر 2010 22:28
هناك طرق عديدة لصنع فيلم سينمائي، منها الطريقة المستقلة: هذه قصة جيدة .. نريد أن نحولها إلى فيلم .. هاتوا كاتب سيناريو يقوم بالعمل .. الطريقة الهوليوودية هي: نحن نريد صنع فيلم لأننا ندير مصنعًا وليس شركة إنتاج .. لابد أن تظل العجلة دائرة .. هاتوا قصة لفيلمنا القادم. هكذا ينهمك جيش من القراء في مطالعة الروايات ويلخصونها، وفي النهاية يجد المنتج نفسه أمام أفكار عديدة يختار بينها.. هناك أسباب عديدة لصنع فيلم، وقد حكى أحد كتاب السيناريو الأميركيين عن مقدمة سفينة جميلة وجدتها شركة فوكس في مخازن ديكوراتها، فكلفه المنتجون بأن يكتب فيلمًا يتم استعمال هذه المقدمة فيه، وقد كتب قصة ممتازة تحدث في الحرب العالمية الثانية، ثم اكتشف أن المقدمة تعود إلى عصر كولومبوس ! الطريقة المصرية في الإنتاج قد تكون مختلفة تمامًا، وأنا متأكد من وجودها، إذ بوسعي أن أقدم لك أسماء عشرة أفلام تنتمي لهذه الطريقة .. هناك نجم ليس له مزاج للتمثيل ولا يريد أن يقدم شيئًا ما، ولكن أيام الفراغ تطول ولا أحد يتصل به من المسرح، من ثم يرفع سماعة الهاتف ليطلب صديقه الكاتب.. ـ»كيف الحال يا نجم ؟... هل لديك نص مناسب ؟» الكاتب ليس لديه مزاج للكتابة وليس لديه ما يقوله ويتمنى لو صمت للأبد.. لكنه ينظر إلى نفسه في المرآة ويقول: ـ»أنا كاتب .. إذن لابد أن أكتب .. لابد كذلك من دفع أقساط الثلاجة والغسالة». هكذا يحضر أوراقًا أو يجلس أمام شاشة الكمبيوتر ويكتب قصة .. هناك شرم الشيخ بشكل ما .. هناك عصابة .. هناك خطة وضعتها الشرطة تقضي بأن يحل أحد العاطلين محل عضو مهم في العصابة .. هذه الحبكة استعملتها السينما المصرية ألف مرة، لكن لا بأس من سطر يسخر منها يقوله أحد الأبطال .. هناك حمام سباحة وأكثر من مايوه .. هناك علاقات شبابية متعددة .. مثلث الحب (الميناج آتروا) يصلح دائمًا، حيث عزة تحب أحمد وأحمد يحب منى أو منى تحب أحمد وتحاول إفساد علاقته بعزة .. ينتهي السيناريو، فيتصل بمخرج .. مخرج ليس لديه مزاج ولا يريد أن يقول شيئًا.. لكنه لم يعمل منذ أشهر ولم يعد في المصرف سوى ألف جنيه.. إذن لابد من العمل .. المنتج ليس لديه مزاج، لكن هذا عمله .. مدير التصوير ليس لديه مزاج لكنه يقبل .. هكذا يتجه إلى شرم الشيخ «أتوبيس» يضم عددًا من الأشخاص الذين لا مزاج لديهم والذين يكرهون ما هم ذاهبون له كالجحيم. لكن لابد من العمل .. لابد من وضع أي شيء في طاحونة الإنتاج الجائعة .. مصمم «الأفيش» ليس لديه مزاج، لذا يفتش في «الأفيشات» الأجنبية .. منذ ظهر «أفيش» فيلم (أوشنز أليفن) - لو شئت الترجمة فهي (الأحد عشر رجلاً الذين يعملون لدى أوشان) وهو عنوان سخيف كما ترى - منذ ظهر هذا «الأفيش» صارت اللعبة سهلة .. ضع أبطال الفيلم كلهم على «الأفيش» وهم ينظرون إليك نظرات احترافية خطيرة. هكذا يرص أبطال الفيلم بأي شكل .. بلا أسماء وبالأبيض والأسود.. الآن يُعرض الفيلم .. عصام ونادية خطيبان في مرحلة خطرة لأن أحدهما لم يعد يشعر بأي حب نحو الآخر .. لا يتشاجران وهذه مرحلة أخطر .. ليس لديهما مزاج للشجار .. لا يعرفان ما يفعلان فيلتهمان شطيرتين بلا طعم ويشربان عصيرًا ماسخ المذاق، ثم يقترح عليها أن يدخلا السينما .. ـ»من أبطال الفيلم ؟» ـ»لا أذكر .. إنه ذلك الفتى الذي كان في فيلم .. نسيت .. إنه جيد ..» هكذا يدخلان السينما بلا مزاج .. يجلسان في الظلام يتابعان الأحداث الباهتة ولا يفهمان لماذا يحدث ما يحدث، ولا من يريد ماذا .. هذا الفيلم مستمر كالجحيم .. يا رب .. فلينته .. فلينته ... أخيرًا ينتهي هذا الكابوس فيغادران القاعة وقد شعرا بأنهما شاخا وأن هناك ثقلاً على كتفيهما .. أخيرًا يأتي كاتب بلا مزاج .. يقرر أن يكتب مقالاً ساخرًا فيسخر من هذا الفيلم بالذات في مقال كهذا ...... هل رأيت كم من الإحباط يسببه الفن الذي لا لزوم له ؟ د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©