الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبدالله عمران.. صفحة «الخليج» الناضحة بالفكر

عبدالله عمران.. صفحة «الخليج» الناضحة بالفكر
13 يوليو 2014 02:18
ساسي جبيل للذاكرة سطوتها علينا، فهي قادرة على ترسيخ حضور شخصيات لا مناص منها، بما توفر فيها من دراية وتجربة وخبرة وقدرات مميزة على الفعل وزخم يميزها عن غيرها، حتى إذا فارقت الحياة كان الخلود مصيرها، فالخلود ليس سوى حالة عرضية للقليل من الفاعلين والرواد والحكماء وأصحاب المبادرات بما يبقى عالقا على مر الزمان، وعبدالله عمران هو واحد من هؤلاء الذين لا يمكن أن تنساهم الذاكرة أو تتركهم في درج النسيان، ليس لأنه أول وزير للتربية والتعليم في اتحاد دولة الامارات العربية المتحدة، وليس لأنه كان من المؤسسين لمنظومة تشريعية إماراتية مواكبة لروح العصر انطلقت بالتوازي مع بناء الدولة حين عين وزيرا للعدل في سبعينيات القرن الماضي، وليس لأنه كان صحبة شقيقه تريم عمران تريم من المبادرين بتأسيس أول مشروع إعلامي خاص في الدولة، وتمثل في إصدار جريدة «الخليج» منذ العام 1970، حيث كانت تطبع بالكويت قبل أن تتوقف لحين ثم تعود في العام 1980 وتساهم مع نظيراتها من الصحف الإماراتية في المشهد الإعلامي المكتوب بكل حرفية وجدارة، وليس لأن عبدالله عمران العروبي القومي الذي آمن بمحيطه العربي فضاء رحبا يجمع ولا يفرق.. ليس لكل ذلك، ومن أجل كل ذلك، يبقى عبدالله عمران ذكرى لا تفارق من عرفوه وهم جموع بين المشرق والمغرب، أحبوه وأحبوا فيه خصاله لأنها تعبّر عن كل واحد منهم. فقد آمن الرجل بالقدرات الكامنة في شباب الأمة، لذلك جمعهم تحت مظلة واحدة هي دار الخليج، فلا تستغرب اليوم أن تجد كل الجنسيات العربية موزعة في كافة أقسام الجريدة، فالرجل لم يكن ليؤمن إلا بالكفاءات والطاقات المبدعة التي فتح لها صفحات مؤسسة الخليج الإعلامية لتساهم بالفعل في ترسيخ منظومة إعلامية تؤسس وتكوّن وتدرب وتصقل المواهب، إذ صدحت وتصدح من منابر المؤسسة أصوات وأقلام مرت على الدار الإعلامية الكبيرة فأفادت واستفادت وأعطت من حبرها الكثير والكثير، ومن هؤلاء نذكر: محمد الماغوط، وأحمد فرحات، ويوسف عيدابي، وجمال بخيت، وجمعة اللامي، ويوسف الحسن، وحسن مدن، ومحمد بنجك، وسعد محيو، وقائمة لا تنتهي ممن لا زالوا يلمعون بأقلامهم حتى اليوم على صفحات «الخليج». لقد جعل عبدالله عمران من مؤسسته الإعلامية منبرا حرا وفسيحا استقطب فيه كبار الكتاب والمبدعين ونجح في أن يكون بمثابة الأب الذي يحنو على أبنائه على اختلاف جنسياتهم وتوجهاتهم، فبادلوه حبا بحب وتفاعلوا مع طروحاته بكل إيجابية، فكانت الاستمرارية وكان الحضور الذي لا يتوقف في وقت غزت فيه الساحة الإعلامية ظاهرة مستحدثة تمثلت في الاعلام الالكتروني، الذي قلص من حضور الصحافة الورقية وجعلها تكابد العديد من المصاعب وتنتظر العديد من الأخطار المحدقة بها. كبرت أحلام الرجل الذي كان أول وزير للتربية فطفق منذ توليه هذه المهمة في ظرف تأسيسي للدولة في العمل على المناهج والتوجهات الصارمة لبناء مدرسة قادرة على تخريج أجيال من الإماراتيين بإمكانهم أن يكونوا في المستقبل قيادات قادرة على البناء الذاتي، وهذا ما حصل بالفعل، الأمر الذي جعل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان طيّب الله ثراه، يكلفه بالرئاسة العامة لجامعة الإمارات لإتمام المهمة، التي بدأها مع الوزارة وليكتمل النهج والنسق الذي عكف على ترسيخه منذ البداية، وهو الذي كان من أكثر الشخصيات حرصا على قيام دولة الاتحاد إذ حضر الاجتماعات التأسيسية وكانت له مقترحات متميزة ومداخلات استشرافية في هذا المجال حتى رأى هذا الهيكل النور وبات حقيقة على أرض الواقع جمعت أبوظبي وأخواتها على قلب رجل واحد. والحقيقة أن حصافة وحكمة وفطنة الشيخ زايد هي التي جعلته يقرب عددا من الموهوبين والطاقات المتميزة للتأسيس لدولة الاتحاد، وكان عبدالله عمران أحد هذه الأعمدة، حيث قربه الشيخ زايد منه وجعله مستشارا له، وهو ما جعل المسؤولية جسيمة نظرا للثقة التي نالها منه رحمة الله عليه. تلازم عبدالله عمران مع شقيقة تريم عمران تريم فكانا على قلب رجل واحد، وعملا جاهدين على إبقاء ما يخلدهما سواء في الأفعال أو في الأعمال، وهو ما نقف على أثره اليوم في نفوس أبناء مؤسسة الخليج ومنابرها الإعلامية المختلفة صحفا وجرائد، فلما أتت أبوخالد المنية ساحت دموع من عرفوه عن قرب وتقبلت العائلة الصغيرة والكبيرة التعازي من الإمارات والخليج والوطن العربي وتدافعت الجموع يوم 30 يناير 2014  لتوديعه في جنازة مهيبة تنم عن تقدير كبير لشخصية عامة كان لها أثرها البارز في مسيرة دولة الامارات من خلال أفكارها وأعمالها وطروحاتها ومشاريعها، التي لم تكن لذات اللحظة التي عاش، وإنما كانت مفتوحة على الأفق الرحب والمجال البعيد المدى جعلت منه أحد أقطاب الإعلام العربي الذين رسخوا في الذاكرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©