الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الخشبة» تمرد إبداعي يؤسس لأدب جديد يحاكي العقل والروح

«الخشبة» تمرد إبداعي يؤسس لأدب جديد يحاكي العقل والروح
13 يوليو 2014 02:21
محمد وردي (دبي) «الخشبة» مجموعة قصصية يتيمة للكاتب الإماراتي عبدالله صقر المري، صدرت حديثاً بطبعتها الثالثة عن دار «ورق» للنشر والتوزيع. ولها سيرة طويلة مع النشر ليست بخافية على أحد، بدأت منذ إصدارها الخاص لأول مرة في بيروت بمنتصف السبعينيات الماضية على نفقة الكاتب، حيث جرت مصادرتها ومنعها من التوزيع أو التداول. ولم يُفرج عنها إلا بعد أربعة عشر عاماً، بلفتة نابهة من معالي وزير الإعلام ـ حينذاك ـ الشيخ عبدالله بن زايد بن سلطان آل نهيان وزير الخارجية الحالي. ومع أن الإفراج عن المجموعة بالفضاء الإماراتي الجديد، المفتوح على العقل وارتياد آفاق المعرفة من أوسع أبوابها - وبمقدمتها الأدب – يعطي مؤشراً قوياً، بل ساطع الدلالة، بالحض على قراءتها نقدياً وجماهيرياً ومحاكاتها إبداعياً، إلا أنها لم تنل حقها من الاهتمام الأكاديمي أو التنظيري الذي تستحقه. إن مجموعة «الخشبة» بقصصها القصيرة التسع، تمثل حالة وعي متقدمة، سواء على مستوى التمرد على الذات بالمعنى الشخصي، وهو المقدمة الأولى لاكتشاف الـ»أنا» الفاعلة، ودورها الوجودي والحضاري، أم على مستوى التمرد على النسق الذهني المهيمن على الوعي الإجتماعي، وهو الشرط الثاني للإبداع الحقيقي، القادر على التعبير والتغيير وإنتاج المعنى الجديد للأشياء من حولنا، وسبكها في قالب فني، على شكل «مقولات معقولات» سردية ونثرية جديدة ـ حسب تعبير الفارابي ـ محملة بالرموز والدلالات اللامتناهية، التي تليق بالمستقبل، قبل الإنسلاخ عن المعاني الماضوية المتكلسة. وبهذا المعنى تكون مجموعة «الخشبة» هي بمثابة خشبة لإنقاذ الغريق، لأنها تنتمي فنياً لزمنين متلاطمين، يشهدان من التحولات والتداعيات الإجتماعية الصادمة، ما يكفي لخلخلة واقتلاع كل الثوابت، والتمرد على الأساليب أو الأشكال الأدبية السائدة. وفي الوقت عينه تؤسس لوعي جديد ينتمي لزمنه وعصره، ويليق بالإنسان الحداثي بكل المعاني المعرفية. الزمن الأول هو زمن الكتابة، حيث عبرت المجموعة عن زمن ملتبس أو يكاد يكون إشكالياً على كل مستويات تشكُل البنية الثقافية الجديدة على أنقاض البنية القديمة في المجتمع، حينما تقارب زمن ولادة النفط، وما يعني ذلك من تغيير حتمي في سلوك مختلف الشرائح الاجتماعية، مع زمن ولادة الدولة المستقلة، وقيام الاتحاد، وما يستدعي ذلك من إستنفار وجداني وطني وعاطفي لجهة التمايز أو التنافس في عملية البناء والتطوير، ومواكبة الحداثة الزاحفة على مجتمعاتنا قسراً أو طواعية، بسطوة الجديد الذي يستميل القلوب ويغوي العقول ويستجيب لتطلعاتنا وأحلامنا بالرفاهية والجمال، في مواجهة الشقاء والقباحة. الزمن الثاني هو زمن الراوي - الكاتب، الذي شهد ذروة الشقاء الإنساني في صحراء لم تلد قبل ذلك إلا الصهد والعوز والبؤس ـ على الأقل طيلة أربعة قرون ونيف هي عمر المرحلة الإستعمارية البائدة ـ وفاقم من حجم المعاناة والحرمان ضربات قاسيات تلاحقت على مدى جيل كامل، بدأت الأولى في منتصف العشرينيات حينما وجه اللؤلؤ الياباني الاصطناعي ضربة قاصمة لتجارة اللؤلؤ الطبيعي، مصدر الدخل الأهم لأبناء الإمارات المتصالحة، كما كانت تعرف هذه المنطقة في ذلك الوقت. تلاها الكساد الكبير في الثلاثينيات، الذي أرهق الدول العظمى حينذاك، فكيف يكون الحال في صحراء شقية، تخضع للوصاية الأجنبية، وتراجعت مداخيلها من أهم مصادر رزقها: تجارة اللؤلؤ. أعقب ذلك الحرب الكونية الثانية. وزاد طين الشقاء بلة، حينما منعت أول حكومة استقلالية في الهند بنهاية الأربعينيات ومطالع الخمسينيات استيراد الكماليات، وفي مقدمتها اللؤلؤ الطبيعي، فحصلت ما يشبه المجاعة بالمنطقة، أو كما يسميها أبناء الإمارات سنين «اليوعة». في هذا الزمن المفرط بعسفه وقسوته وقباحته ولد الكاتب وترعرع، ليشهد وعيه الأول مخاض الانتقال العسير من العدم إلى البحبوحة، بفترة قياسية لا تزيد عن ربع قرن، هي شباب الوعي ـ إن صح التعبير ـ عند جيل الكاتب عبدالله صقر المري بأكمله، وهو ما جعله زمناً رجراجاً وإشكالياً، بل يغلي ويمور ويفور بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، التي تفوق سرعة التحولات بالأنساق الذهنية على المستوى الثقافي الاجتماعي بأضعاف مضاعفة. لذلك كان لابد للإبداع أن يرتقي إلى مستوى هذا التحدي بالجرأة والمكاشفة الفذة، كما فعلت مجموعة «الخشبة»، غير أن المصادرة والمحاصرة في البدايات، لم تعدم فقط قدرة المجموعة على التفاعل الإبداعي مع مخيال المجتمع، وإنما أعدمت روح الإبداع لدى الكاتب، ما جعله ينصرف إلى مجالات أخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©