الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أستراليا... وأزمة الهوية الوطنية الجامعة

24 سبتمبر 2010 22:41
جريجوري رودريجز كاتب ومحلل سياسي أميركي في منتصف تسعينيات القرن الماضي قرر رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق جون هوارد وضع حد لندوة سجالية عن "الهوية الوطنية" مدفوعاً إلى ذلك بإصراره على اعتقاد عبّر عنه فيما بعد بقوله: "ليس ثمة شك لدى أحد من الأستراليين في ماهية هويته". ولكن بعد مضي عقد كامل على وقف ندوة الهوية تلك، تبين أن هوارد كان مفرطاً بعض الشيء في ثقته بشأن وضوح هوية كل مواطن في بلاده. فحتى الزائر العابر لوجهة سياحية مثل "داون أندر" في وسعه رؤية وسماع الطبيعة الصامتة المسكوت عنها للهوية الأسترالية. ذلك أن من المرجح أن يصف سائقو سيارات الأجرة هناك من الأستراليين البنغال هوية وطنهم الجديد ليس بما هي عليه في العلن، وإنما بما هي عليه سرّاً. ومع ذلك فقد أكد لي أحدهم أن مسألة الهوية لم تصل بعد إلى مرحلة إثارة المشاكل والخلافات بين المواطنين. غير أن العين لا تخطئ أبداً رؤية مظاهر تلك الـ"أميركانا المستوردة" التي تحجب ما يعتقد أنه أسترالي حقاً، حتى وإن كان ذلك في مقاطعة البرتقال ومقاهي "داون أندر" الشهيرة. وسواء في الحوارات العامة أم في الكتب والمطبوعات التي تمتلئ بها الرفوف، لا تكف أزمة الهوية الوطنية التي حاول هوارد تخطيها بنفيها أو التقليل من شأنها، عن الظهور حيث تطل برأسها بين الفينة والأخرى. وكما قال لي أحد الفلاسفة الأستراليين المحدثين: "فإن كنت تريد تعريفاً لأستراليا، فإن عليك أن تجد ما يريحك بين كونها مستعمرة بريطانية، وموطناً للأستراليين الأصليين، وقبلة للمهاجرين من شتى فجاج الأرض في آن واحد. فهي بعض من كل هذا وذاك، وليست ثمة هوية واحدة يمكن أن تعرّف بها أستراليا". غير أن هذا لا ينفي أيضاً أن أستراليا مرت بفترة كان تحديد هويتها الوطنية خلالها أكثر سهولة مما هو واقعها اليوم. والمقصود بتلك الفترة اتفاق ست مستعمرات بريطانية مستقلة عن بعضها بعضاً وتتمتع بالحكم الذاتي، على تشكيل ما يعرف بالكومنولث الأسترالي في عام 1901. وعندها كان تحديد الهوية الوطنية لأستراليا بالغ السهولة والوضوح، لكونها دولة لا فكاك لها من بريطانيا، في النهاية. وفي هذا الصدد فليس هنالك ما هو أكثر شهرة من وصف رئيس الوزراء الأسبق والأطول خدمة في المنصب "روبرت مينزيس" لنفسه على أنه بريطاني من رأسه وحتى أخمص قدميه! ولكن عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وإثر اضمحلال الإمبراطورية البريطانية نفسها، بدأت أستراليا تنظر إلى أميركا باعتبارها حليفها الأساسي الجديد. وبحلول بدايات عقد الستينيات، بدأ القادة السياسيون وأصحاب الأعمال من ذوي النظرة المستقبلية المتطلعة إلى الأمام، يتصورون مستقبلاً لأستراليا جديدة ليست بحاجة إلى أي حماية إمبريالية أجنبية. وقد مضت صحيفة "فايناننشيال ريفيو الأسترالية" -الصحيفة الوطنية الرائدة في مجال الاستثمار- شوطاً أبعد في تأكيد هذا المعنى بقولها في عام 1962 إن على الجغرافيا أن تلعب دوراً أكبر من التاريخ والإرث الاستعماري في الحوار الوطني العام، مؤكدة على وجه التحديد: "على الأستراليين أن يكفوا عن النظر إلى بريطانيا باعتبارها موطنهم الأصلي، وأن يسعوا أكثر من ذلك إلى تحسس وفهم حاجات جيراننا الآسيويين الأكثر قرباً". وبحلول منتصف سبعينيات القرن الماضي، تحول مفهوم "مستقبل آسيوي" لأستراليا إلى فكرة مركزية رئيسية، ما أرغم صناع السياسات على التخلي التام عن بقايا ما كان يعرف حتى ذلك الوقت بـ"السياسات الأسترالية البيضاء" التي يعرف عنها تاريخيّاً فرض قيود مشددة على هجرة المنتمين إلى عرقيات غير بيضاء إلى أستراليا. كما فرضت هيمنة المفهوم نفسه على أستراليا إعادة ترتيب سياساتها الداخلية بما يتسق وواقعها الجيو-سياسي الجديد. وبموجب تلك الترتيبات طرح قادتها سياسات هجرة سخية مفتوحة أمام جميع العرقيات. غير أن كل ما سبق يعيد طرح السؤال الرئيسي مجدداً عن معنى أن يكون المرء أستراليّاً. فهناك منهم من يريد خروج أستراليا كليةً من ارتباطها بمنظومة الكومنولث البريطانية. وفي الوقت ذاته استقطبت مأساة المواطنين الأصليين اهتمام الصحافة المحلية والقيادة السياسية على حد سواء. ففي عام 1977 دعا رئيس الوزراء حينها "مالكولم فريز" إلى وضع حد لسياسة الانتماء الأنجلو-ساكسوني، فضلاً عن إشارته إلى أنه لا ينبغي النظر إلى قدامى المستوطنين في بلاده من السجناء الإنجليز والأسكتلنديين والآيرلنديين على أنهم بريطانيون، وإنما ينبغي النظر إليهم باعتبارهم النواة السكانية الأولى لأستراليا الجديدة التي أصبحت تعرف فيما بعد بأنها أمة للتعدد الثقافي والعرقي. وفيما لو أخذنا بمقولة جون هوارد السابقة على أنها مؤشر لشيء ما، فإن من الواجب القول إن أستراليا باتت تواجه تحديات كبيرة بشأن تعددها العرقي الثقافي. فمنذ عام 2005 كان ستة بين كل عشرة مهاجرين إلى أستراليا من أصول آسيوية. وقد كانت لهذه الهجرة الآسيوية الواسعة ردود فعل على مستوى الحوار العام والسياسات معاً، خاصة فيما أثير بشأن سياسات الهجرة من قبل البعض من صفات لبعض المهاجرين مثل المهاجرين الآسيويين "غير الشرعيين" و"أهل المراكب".. إلى آخره من صفات ونعوت تمييزية معادية للهجرة الآسيوية من الأساس، سواء أكانت شرعية أم غير شرعية. والآن ثار مجدداً جدل عام آخر حول حاجة أستراليا إلى دمج مهاجريها ثقافيّاً. ولكن السؤال الذي أثاره الباحث الأسترالي جيمس كوران في مواجهة هذه الدعوة هو: فيمَ يتم إدماج هذا الطيف الثقافي العرقي من المهاجرين؟ يذكر أن "كوران" هذا باحث مهتم بقضايا الهجرة والاندماج الثقافي ومؤلف مشارك لكتاب "الأمة المجهولة: أستراليا ما بعد الإمبراطورية". ويرى أنه ليست ثمة فلسفة محددة لهوية أستراليا. وعليه "فليس لدينا في الوقت الحالي ما يسمح لنا بتحديد أنفسنا والتنبؤ بما سيكون عليه مستقبلنا" كما يقول. غير أن ذلك لا ينفي ضرورة أن تجد أستراليا سبيلاً لها للاتفاق علي محددات للهوية في خضم خلافاتها الثقافية والعرقية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال«
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©