الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموائد الجماعية.. الأسر البديلة للعزاب في رمضان

الموائد الجماعية.. الأسر البديلة للعزاب في رمضان
14 يوليو 2014 00:17
رمضان بالنسبة للكثير من العزاب المقيمين في الدولة، فرصة للتدريب على الطبخ، ومحاولة كسر روتين الأيام العادية التي يتناولون فيها الوجبات الغذائية بشكل منفرد، حيث يبادرون بدعوة الآخرين على موائدهم، وكذلك قبول دعوات الأصدقاء للتحلق حول جلسة إفطار جماعي يعتبر نافذة لحوارات حميمية تُهَدِئ قليلاً من شعورهم بفقد أسرهم في هذا الشهر الكريم. مما يجعل من موائد العزاب مناسبة لسرد الحكايات الخاصة من خلف سياج الصمت. وعلى الرغم من أن بعضهم استطاع أن يتفاعل مع هذه الجلسات، إلا أن البعض الآخر، يتناول وجبة الإفطار بمفرده، فتتضاعف مشاعره السلبية وأحاسيسه المتناقضة، لكونه بعيداً عن مائدة العائلة في هذه الأيام التي تتميز بعطر اللقاءات الحميمية، والجلسات التي تمنح المرء شعوراً خاصاً بأنه يعيش تفاصيل الشهر الكريم في أجواء أسرية خالصة. أشرف جمعة (أبوظبي) لم يزل العديد من العزاب على أرض الإمارات يتعاملون مع الشهر الكريم بشيء من الألفة، خصوصاً وأن هناك من ينفر من الجلوس على مائدة بمفرده، وهو ما يشجع الكثير منهم على تناول وجبة الإفطار مع الأصدقاء، والمعارف وزملاء العمل، في محاولة لاستعادة أجواء رمضان. حول الأثر النفسي الذي يقع على المغترب ومدى تأثره اجتماعياً في أجواء رمضان الخالية من الموائد العائلية، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات الدكتور نجيب محفوظ: في شهر رمضان تزداد غربة الفرد الذي يعيش بعيداً عن أهله خصوصاً وأن المجتمعات العربية لها عادات خاصة في هذا الشهر الفضيل، وأبرزها الالتفاف حول مائدة كبيرة تجمع كل أفراد الأسرة، وهو ما يجعل العلاقات الاجتماعية أكثر تشابكاً، وفي الوقت نفسه يعطي للفرد إحساساً بذاته، وأنه يمارس دوره الاجتماعي في رمضان داخل منظومة الأسرة بكفاءة عالية، ويمنحه الشعور بالسعادة والرغبة في التعايش ضمن نطاق الجماعة. ويلفت محفوظ إلى أن افتقاد الأجواء الرمضانية العائلية التي اعتاد عليها الفرد عبر تاريخه التطوري يجعله عرضة للاكتئاب، والشعور بأنه غير متفاعل مع مجتمعه، لكن يمكن التغلب على هذا العارض بإحداث نوع من الشراكة مع مجموعة من العزاب الذين يتقاسمون مسكناً واحداً، أو من خلال علاقات العمل، وهو ما يشكل في نهاية الأمر أسراً بديلة. وعن الطرق المختلفة التي يمكن أن يكسر من خلالها المغترب عزلته في شهر رمضان المبارك يؤكد محفوظ أن دولة الإمارات ترعى العديد من الأنشطة التي تدمج الصائمين في مشروعات تخص الإفطار الجماعي وهو ما يجعل الخيام الرمضانية واحة لبث الطمأنينة في قلوب فئة العزاب عن طريق التفاعل مع هذه الخيام كجزء من دمج الصائمين داخل أسر بديلة تشجعهم على الحوار مع من يرتادون مثل هذه الخيام. حفل إفطار في رمضان يحاول كثير من العزاب تغيير منظومة الإفطار لتتحول المائدة إلى حفل يجمع الزملاء والأصدقاء، من بين هؤلاء الذين غيروا منظومة الإفطار في رمضان، أحمد عبدالوهاب (38 عاماً) الذي سافرت زوجته وابنته إلى القاهرة منذ ثلاثة أشهر فاضطر إلى استئجار غرفة في سكن مخصص للعزاب في أبوظبي، ويذكر أنه فور دخول رمضان اقترح على المقيمين فيها أن يكون الإفطار جماعيا حتى نهاية الشهر الكريم، ويلفت إلى أنه في بداية استقراره بهذا السكن كان يلزم زملاءه في الغرفة المجاورة بتناول طعام الغذاء كل يوم جمعة على مائدة واحدة، وهو ما جعل العلاقة بينهم أكثر حميمية. ويضيف أن استجابة الجميع لدعوته في المشاركة بحفل الإفطار اليومي، خلال شهر رمضان المبارك، أسهمت في تخفيف عبء البعد عن الأسرة، وأجوائها الممتعة في هذه الأيام، فضلاً عن أن وجود ما يقرب من خمسة أشخاص على مائدة واحدة يلقى بظلال المرح على المكان، ويشجع أصحاب المواهب في الطبخ على أن يقدموا أفضل ما لديهم من أطباق. مطبخ شامي ولا يخفي طلال فهد 31 عاماً أنه طوال شهر رمضان يتنقل بين موائد أصدقائه السوريين الذين يقدمون عبر المطبخ الشامي أطعمة شهية وصحية، خصوصاً وأنه يعيش بمفرده في الإمارات منذ سبع سنوات، كون خلالها علاقات صداقة كثيرة مع العديد من أبناء وطنه المتزوجين، وهو ما منحه فرصة لقبول دعوتهم بشكل يومي على موائدهم وسط عائلاتهم، ويوضح أنه خلال هذا الشهر استمتع كثيراً بتناول الإفطار مع العديد من أصدقائه في أجواء عائلية لاتختلف كثيراً عن التي كان يقضيها مع أسرته في سوريا. ويرى طلال أن تناول وجبتي الإفطار والسحور بمفرده أمر مرير، إذ إنه جرب ذلك في بداية عهده بالإمارات، وكان من الصعب عليه أن يتأقلم مع هذا الوضع، بخاصة أنه كان يصنع الطعام بنفسه، وحين كان ينطلق أذان المغرب يجد نفسه غير قادر على الأكل بأريحية، لأن صورة الجلسات العائلية لم تكن تبرح خياله. سلة قمامة ويحكي أسامة حيدر قصته مع تناول طعام الإفطار بمفردة لمدة عامين بمرارة، موضحا أنه استطاع أن يتخطى ذلك عبر الإفطار داخل مكان العمل خصوصاً وأنه لا يتحمل دخول المطبخ، ومحاولة طهي الطعام، لكون هذا الأمر خارج نطاق هواياته، لذا كان يذهب إلى المطاعم لتناول هذه الوجبة المهمة في رمضان، لكنه فطن مؤخراً إلى أن إدارة الشركة التي يعمل بها تنظم إفطارا جماعياً للأفراد الذين يعملون في الفترة المسائية، ويلفت إلى أنه طلب من مديره أن يعمل في هذه الفترة حتى يتناول طعام الإفطار في أجواء حميمية، ومن ثم تحد من عزلته الرمضانية، على مائدة يترك أغلبها لسلة القمامة، ويؤكد حيدر أنه منذ عامين لم يشعر بمثل هذه الأجواء التي أسهمت في استقراره نفسياً، ومن ثم عدم الشعور بأنه يعيش في هذه الأيام بمفرده وبمنأى عن عائلته في الأردن. المائدة الجماعية أفضل من الإفطار الفردي ينصح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات الدكتور نجيب محفوظ العزاب بأن لا يستسلموا للوحدة المنزلية، أو اعتبار المطاعم بديلاً عن أسرهم، وذلك عبر محاولات التعاون مع زملائهم في إقامة إفطار جماعي بصفة دورية، حتى يتخففوا من الضغوطات النفسية ويندمجوا مع أقرانهم في الحياة خصوصاً في هذا الشهر الذي يتميز بإفطاره الجماعي، وطابعه الحميم في جمع الناس حول مائدة واحدة. سنة أولى اغتراب ترى منال عُدي أن أكثر شيء يؤلمها في رمضان، هو بعدها عن والدتها في هذا الشهر الكريم، خصوصاً أنها كانت تشكل معها ثنائياً مميزاً عبر السنوات الماضية، وتقول: هذه هي المرة الأولى التي أغترب فيها، وهذا أول رمضان أقضيه خارج لبنان، وتحديداً بعيداً عن أسرتي الصغيرة، وتلفت إلى أنها على الرغم من أن فريق عمل المقهى الذي تعمل به وفر لها إفطاراً جماعياً في أجواء مريحة جداً، إلا أنها تفتقد بشدة الأطعمة التي تطهوها أمها، فضلاً عن الحلويات التي تتميز بها أيضاً، وتشير إلى أنها أصبحت تتفاعل مع هذه الجلسات الحميمة التي تشيع فيها الطرفة، ومن ثم تبادل الحديث بين فريق عمل المقهى الذي تعمل به. مذاق حريف يشير محمد بو حريري إلى أنه تعلم أصول الطبخ في رمضان، إذ إنه يعيش بمفرده في الإمارات منذ ثلاث سنوات، اكتسب خلالها مهارات في الطهي وأعمال المطبخ وكيفية إعداد مأكولات ذات مذاق حريف، وهو ما شجع العديد من زملائه العزاب الذين يعملون معه في أحد البنوك على الجلوس بشكل يومي على مائدته، ومن ثم مساعدته في إعداد الوجبات، ويلفت بو حريري إلى أنه يشعر بسعادة بالغة لكونه يعيش أجواء شبه عائلية بين أصحابه الذين يشجعونه على الطبخ في رمضان، بالإضافة إلى أنهم يسهمون بشكل كبير في وضع ميزانية للإفطار والسحور يتشاركون فيها جميعاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©