الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التصوير المغولي يلتزم بقواعد رسم «المنمنمات» الإسلامية

التصوير المغولي يلتزم بقواعد رسم «المنمنمات» الإسلامية
14 يوليو 2014 00:19
د. أحمد الصاوي (القاهرة) واصل المرسم الملكي لأباطرة المغول بالهند إنتاج المخطوطات والتصوير بعد وفاة جلال الدين أكبر مؤسس المرسم وعلى الرغم من تراجع دوره قليلا في عهد جهانكير، فإن هذا الإمبراطور كان له مرسمه الخاص منذ كان ولياً للعهد ويعرف باسمه كأمير أي مرسم سليم وثمة صور تحتفظ بها مكتبة رضا في رامبور بالهند يعتقد أنها من عمل هذا المرسم في حوالي العام 1600 م ومنها صورة لصراع بين الفيلة. وقد اهتم جهانكير بعمل صور دقيقة للحيوانات والطيور النادرة التي كانت تصل لبلاطه كهدايا أو بالشراء ولذلك توجد عدة ألبومات وصور مفردة لتلك الثروة من الكائنات الحية، بل إن المصورين في عهده عنوا أيضاً بتسجيل الزهور والورود التي كانت تزدان بها بساتين قصور الإمبراطور، ومن أشهر هذه الصور صورتان لماعز جبلي أبيض حُمل إلى جهانكير من جبال أفغانستان واحدة منها يحتفظ بها متحف فيكتوريا وألبرت بلندن. وقد ترك لنا جهانكير مخطوطاً رائعاً عن سيرته يضم صوراً ذات طابع توثيقي لكل الأحداث المهمة والاحتفالات الكبيرة التي حدثت في عهده ومنها صورة للاحتفال برش ماء الزهر وهو عيد هندي يعرف باسم آب باشي أب ويبدو من التصميم العام للصورة استمرار التأثيرات الإيرانية، خاصة من زاوية التصميم الدائري، حيث يتوسط جهانكير الجالس على عرشه تحت المظلة مركز التصويرة، بينما وزعت الحاشية حوله على شكل دائري مألوف في مدارس التصوير الإسلامي في إيران وهراة فضلاً عن اتباع منظور عين الطائر حتى ليبدو المنظر الذي تدور وقائعه في حديقة القصر وكأنه صور من أعلى ليبدو السور الداخلي بزخارفه الرخامية، وتتميز الصورة بطابع توثيقي واضح لا سيما من جهة الحرص على توثيق ملابس وحلي السلطان أثناء الاحتفالات وبيان تعدد الأعراق في البلاط ثم الطقوس الخاصة برش ماء الزهر كما كان يجري الاحتفال بذلك سنويا. التأثيرات الأوروبية وقد شهدت الفترة الأخيرة من حكم جهانكير بداية ظهور التأثيرات الأوروبية على التصوير الإسلامي وخاصة من ناحية مراعاة قواعد المنظور والتعبير عن العمق أو البعد الثالث والعناية بتمثيل الظل والنور، وذلك تحت تأثير النشاط الاستعماري الذي تمددت أنشطته بعد اكتشاف الأميركيتين لتصل إلى قلب العالم الإسلامي، وقد تركت الصور الأوروبية أثراً كبيراً على ذوق الملوك في الشرق خاصة مع وصول بعض الرسامين الإيطاليين لبلاط الهند وقيامهم بعمل صور شخصية للأباطرة، والحقيقة أن تأثير التصوير الأوروبي على المدرسة المغولية تجاوز بمراحل قواعد الرسم المحاكي للواقع إلى محاولة تقليد موضوعات الصور الأوروبية بما في ذلك الموضوعات الدينية المسيحية، ومن الملفت للنظر أن صور السيدة العذراء على وجه الخصوص كانت موضع عناية المصورين المسلمين في محاولاتهم لتمثل قواعد التصوير الأوروبي، كما نرى في التصوير الصفوي، وقبل ذلك في التصوير المغولي بالهند، ومن ذلك تصويرة بريشة الفنان الهندي كوسفا داس محفوظة في متحف حيدر آباد بنقلها غلبا من لوحة تمثل السيدة العذراء جالسة في حديقة مع طفلها وتحت قدميها كلب أبيض بينما تعد سيدة لها كأس شراب وتقف أخرى عند شجرة تراقب الموقف، وقد حاول الفنان تمثل قواعد المنظور من ناحية كبر حجم الأشخاص في مقدمة الصورة عن الواقفين في الخلفية، وكذلك التعبير عن العمق فضلاً عن استخدام الألوان المألوفة في الصور الأوروبية إلا أن عمله لا يخلو من لمسة شرقية هندية واضحة تفصح عن نفسها في طريقة رسم الحديقة والتي تشبه رسم الخلفيات في الصور المغولية الهندية ناهيك عن الملامح الهندية الصريحة لكل الأشخاص المرسومين في الصورة. شاه جهان وبلغ التأثير الأوروبي مداه في عهد شاه جهان الذي بلغ خلاله المرسم الملكي ذروة نضجه الفني خاصة مع العناية الكبيرة التي أولاها الإمبراطور بالصور الشخصية سواء لشخصه الملكي أو لرجال البلاط ومشاهير عصره، وقد جُمع عدد كبير من صور شاه جهان في ألبوم خاص يحمل اسمه وهي صور تمتاز بكبر حجمها ودقة تعبيرها عن الواقع وروعة ألوانها. إحياء التقاليد على الرغم من الموقف المتشدد للإمبراطور أورانكزيب من التصوير إلا أن ثمة صورا رائعة وصلتنا من عهد هذا الملك ومنها صور تبين قيام أورانكزيب بالصيد والقنص اعتماداً على البنادق والأسلحة النارية التي باتت شائعة الاستخدام في البلاط المغولي بالهند. وخلال عهد محمد شاه المعروف باسم محمد رانجيلي حاول المرسم الملكي العودة للشخصية المميزة للتصوير المغولي من ناحية الالتزام بقواعد رسم المنمنمات الإسلامية ونجاحها في تمثيل الحشود والطبيعة الخلابة والعودة لاستخدام الألوان الساطعة، ومن هذه المحاولة الأخيرة لإحياء تقاليد التصوير المغولي لدينا صورة تمثل زيارة أمير مغولي لقرية هندية ورغم التزام المصور بتمثيل قواعد المنظور إلا أن الأرضيات العامرة برسوم النباتات والزهور والأشجار المثمرة والألوان الزاهية للملابس تعكس روحاً مغولية خالصة. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©