الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إلى أين رحلت مكتباتنا الصغيرة؟

إلى أين رحلت مكتباتنا الصغيرة؟
26 يونيو 2015 23:43
رضاب نهار (أبوظبي) جميع الأماكن تشبهنا، تختصرنا وتجسّدنا، حتى أنها، وبالقليل من التمعّن، تستطيع أن تروي لنا عند النظر إلى أجزائها وأركانها، حكاياتنا القديمة، وأن تترجم متغيراتنا الموسومة بفعل الزمن وبأمر منه. وإذ صارت بعض الأمكنة، مهمشة، منسية وخارجة عن إطار اهتماماتنا الحياتية، فلأن بعضا من دواخلنا قد رحل وتلاشى معها. تماماً مثل المكتبة، هذه الزاوية التي كانت تستوطن منازلنا بكل ما تملكه كتبها من حميمية، لكنها باتت تعيش اليوم وحيدة باردة، متحولة إلى قطعة أثاث مهملة وأحياناً ليس لها وجود أبداً داخل حساباتنا.. وليس كلاماً زائفاً، ما يقال عن أن مجتمعاتنا قديماً كانت تقرأ بينما هي الآن بمنأى عن الثقافة والقراءة. ففي الماضي كانت «المكتبة» ركناً مقدساً داخل معظم البيوت، ويمكنك أن تجد في كثير منها، نسخاً نادرة لمؤلفات لم تحصل عليها المكتبات الرسمية الكبرى، حول مواضيع الفكر والفلسفة والأدب والسياسة. فما الأسباب الكامنة وراء تراجع قيمة المكتبة المنزلية؟ ومنه، يقول الإعلامي والشاعر التونسي نصر سامي: «هنا حيث أقيم في سلطنة عمان، لا توجد عندي مكتبة بالمعنى الحقيقي. توجد كتب ومجلات وصحف كثيرة متناثرة طوال الوقت، وبعضها روايات حديثة وكتب شعر لا أقرأها لكني أحتفظ بها. ويمكن القول إن مكتبتي مؤقتة كحال أي مسافر، قدره أن يحيا دون مكتبة. وبالمقابل فإن مكتبتي في تونس كبيرة جداً وفيها عناوين كثيرة. وعند لقائي بها أستغل الوقت وأكتب محاطاً بألواح الكتّاب وأرواحهم». ويضيف: «هو شعور بالغربة أن تعيش بعيداً عن تلك الرفوف المعتادة. لكني أحاول التعويض بالذهاب إلى المكتبات العامة القليلة وخاصة تلك المكتبة البسيطة حيث أعمل.. وبطريقة ما، صار الحاسوب هو مكتبتي الحقيقية. فيه أجد الكتب التي أريد والفيلم الذي أحب والمسرحية التي أرغب مشاهدتها أو قراءتها. لكن لا شيء يعوّض المكتبة وما تحتضنه من الكتب الورقية». وتقول الشاعرة الفلسطينية ربا شعبان: «هذا سؤال ذو شجون، نعم لقد تقلّصت المكتبة المنزلية كثيراً وتكاد تختفي. والأسباب لا تخفى. فأولاً توجد البدائل الإلكترونية الثقافية، حيث أخذ الحاسوب مهمة الكتاب ومساحته لدى المهتمين بالثقافة من ناحية، وسيطر ببهرجته وطرق جذبه على المتلقي منتجاً له أنواعاً من التسلية الفارغة والثقافات الاستهلاكية، من ناحية أخرى. كما أن التكنولوجيا تسهم في تقديم وجبات سريعة من المعرفة، غير صحية، تملأ الوقت ولا تملأ العقل. وكلنا متورطون في هذا، صغارنا وكبارنا، من المثقفين وغيرهم..، يكفي أن تلقي نظرة سريعة على كل محلات المفروشات، لترى أن المكتبة التقليدية لم تعد تباع أصلاً وليس لها زبائن». ثمّ تعلّق: «من المخيف والكارثي أيضاً، الفراغ الكبير الذي يسيطر على أبناء الجيل الشاب في مجتمعاتنا. ثمة نظرة ازدراء حقيقية للثقافة. ومن المحزن أن هذه النظرة غير موجودة في بلدان لا زال الكتاب فيها يستهلك ويقرأ في محطات المترو وفي طوابير الانتظار وحتى في الأماكن السياحية والترفيهية». وتشير شعبان إلى الجزء الممتلئ من الكأس، فالانترنت وأجهزتها وسائل التواصل الحديثة، اختصرت المسافات ووفرت لنا الوقت والجهد. وهو أمر لا يمكن إنكاره. أما الكاتبة الإماراتية وفاء أحمد، فتبيّن أن العديد من البيوت في الواقع الراهن، باتت خالية تماماً من المكتبات. ما أوجد بعض المبادرات الجادة في تأسيس مكتبة داخل كل بيت، حتى أن ذلك صحبه مسابقات تهدف إلى الاهتمام بهذا الجانب. لكن السؤال: هل يقرأ الناس الكتب التي يقتنونها في منازلهم؟ وفي محاولة الإجابة نكتشف أنه وللأسف، معظمهم يتعامل مع المكتبة كجزء من الأثاث والديكور لا أكثر ولا أقل. وتقول: «المسألة اختلفت مع مرور الزمن. فأنا أسمع أن كثيرين من الجيل القديم في بلدنا كانت عندهم مكتبات تضمّ كتباً نادرة لم تعد متوفرة. لقد كانوا يهتمون باقتناء الكتب وبقراءتها كما لو أنها حياتهم بالمطلق. وأتمنى لو أني عشت في تلك الفترة من التاريخ. فاليوم صارت«الميديا» والتطورات التكنولوجية المتلاحقة، تأخذ الإنسان إلى عزلته الخاصة وترميه بعيداً عن شطآن الكتب».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©