الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المشكلة الأفغانية··· الأمن وليس كرزاي

المشكلة الأفغانية··· الأمن وليس كرزاي
16 فبراير 2009 02:13
جاء موضوع الغلاف في العدد الأخير لمجلة ''نيوزويك''، والذي حمل عنوان ''فيتنام أوباما''، حافلا بمقارنات وتشبيهات شائعة· ولكن محرري ''نيوزويك'' قدموا خدمة جليلة ربما بلفتهم الانتباه إلى أحد أفدح الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في فيتنام: دعم الإطاحة بنجو دين ديم، الرئيس الفيتنامي الجنوبي في عام ·1963 فقد كان الرئيس جون كينيدي ومساعدوه يعتقدون أن ديم زعيم غير ناجح ومثير للانقسام، وكانوا يخشون أن الحرب لن تنجح أبداً إذا استمر في السلطة، غير أنه سرعان ما تبين أن من خلفوا ديم كانوا أسوأ منه بكثير وأن إسقاطه فجر حالة طويلة من انعدام الاستقرار التي عرقلت جهود الحرب الأميركية هناك· لماذا ينبغي استحضار هذه الأمور اليوم؟ لأن مسؤولين أميركيين كبارا يميلون على نحو متزايد إلى تحميل مسؤولية مشاكلنا ومتاعبنا في أفغانستان لحامد كرزاي· فقد اتضح ذلك بجلاء في فبراير من العام الماضي حين انسحب جون بايدن الذي كان سيناتوراً حينها، من مأدبة عشاء مع الرئيس الأفغاني في كابول· ويوم الخميس انتقد المدير الجديد للاستخبارات الوطنية دنيس بلير بشدة ''عجز كابول عن بناء مؤسسات فعالة ونزيهة تدين بالولاء للحكومة''· والواقع أن عدداً متزايداً من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية مافتئوا يلمحون إلى رغبتهم في استبدال كرزاي بشخص آخر· مثل هذا الكلام يعيدني إلى يناير 2008 حين كان جل الحديث الذي سمعته بين الساسة العراقيين والمسؤولين الأميركيين، خلال زيارة لي إلى العراق، منصباً حول ما إن كان ينبغي تنحية رئيس الوزراء نوري المالكي· حينها، بدا أن الجميع متفق على أن المالكي زعيم ضعيف وطائفي مهتم بخدمة ''سادته'' الإيرانيين أكثر من اهتمامه بخدمة الشعب العراقي· وكان موضوع الخلاف الوحيد حول الشخصية التي ينبغي أن تحل محله· والواقع أن عدم قدرة الأحزاب السياسية المختلفة على الاتفاق على شخص يخلف المالكي كان السبب الرئيسي الذي حال دون تنحيته· وبعد أشهر قليلة من ذلك الوقت، تحرك المالكي على نحو خالف كل التوقعات حين أرسل الجيش إلى البصرة للقضاء على مقاتلي مقتدى الصدر، والذي يفترض أنه حليفه· ثم شجعه نجاح تلك الحملة العسكرية على طرد الصدريين من مدينة الصدر الواقعة شرق العاصمة بغداد· وبهذه العمليات، بدد المالكي ما كان البعض ينظر إليه على أنه ضعف فيه واكتسب شعبية جديدة في أوساط العراقيين العاديين، الذين كافأوا حزبه بنتائج جيدة خلال انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة· واليوم، وبعد مرور عام فقط على تراجع شعبيته إلى أدنى المستويات، فإن القلق هو من ازدياد قوة المالكي· لكن ما الذي يقف وراء هذا التغير في سلوك المالكي؟ من المحتمل أن رد فعله كان منسجماً مع تغير الظروف التي أحدثتها''الزيادة'' في عديد القوات الأميركية في العراق· ذلك أن الاستراتيجية التي وضعها الجنرال ديفيد بترايوس كانت تقوم على استعمال التعزيزات العسكرية الأميركية لاستهداف ''القاعدة'' في العراق أولا، لأنه كان يعرف أن هذه المنظمة الإرهابية المتشددة هي ''العامل المسرع'' الرئيسي للعنف؛ ولأن حس التهديد الذي كانت تثيره ''القاعدة'' يوفر تبريراً للأنشطة الإجرامية التي يقوم بها جيش المهدي، والذي يزعم بأنه يقوم بحماية الشيعة· وكان موقف بترايوس: إذا قلصتم الإرهاب السني، فإن الدعم الشيعي للصدريين سيتقلص· وذاك بالضبط ما حدث: فمــع انهــــزام ''القاعـــدة'' في العراق تقريباً، شعـــر المالكي بأنـــه يستطيـــع التحرك ضد جيش المهـــدي· بعبارة أخرى، فإن المالكي بدا ضعيفاً فقط في وقت كانت فيه الأوضاع في العراق متدهورة إلى درجة أن أي زعيم آخر كان سيواجه متاعب في ممارسة السلطة· ذلك أن التحسن في الوضع الأمني هو الذي أفضى إلى تحسن الإدارة الحكومية· والواقع أنه لا يوجد ما يمنع نجاح السيناريو نفسه في أفغانستان؛ فحتى عهد قريب كان يُنظر إلى كرزاي كزعيم نموذجي، ثم هل تتذكرون يأس الكثيرين في البداية من مستقبل العراق لأنه لا يتوفر على زعيم من حجم كرزاي؟ الحقيقة أن بعض الكلام الذي كان يقال في البداية لا يخلو من مبالغة، لكن الثابت أن كرزاي كان ناجحاً وفعالا من 2003 إلى ،2005 حين كانت ''طالبان'' ما تزال تلعق جراحها والأوضاع الأمنيــة ''مساعـدة'' نوعاً ما· ومما ساهم في ذلك حقيقـــة أن زلماي خليلزاد كان هو السفير الأميركي· فهذا الأخير، وهو أفغاني الأصل، كان قريباً من كرزاي وصارماً معه في الوقت نفسه، حيث دفعه إلى محاربة الفساد وتحسين الحكم الإقليمي· لكن بعد أن غادر خليلزاد أفغانستـان عـام ،2005 بدا أن السياسة الأميركية اعتراها التخاذل والتقاعس ثــــم عــــــادت ''طالبــــــان'' إلــــى مسرح الأحـــداث· لكرزاي الكثير من المثالب، وبخاصة عجزه عن محاربة الفساد وتجارة المخدرات التي يتورط فيها شقيقه، أو عدم استعداده لذلك؛ لكن هل هناك أي سبب للاعتقاد بأن شخصاً آخر سيكون أكثر نجاحاً وفعالية من كرزاي؟ المسؤولون الأميركيون الذين يترقبون الانتخابات الأفغانية المقررة في أغسطس، يؤيدون مرشحين محتملين؛ مثل وزير المالية السابق أشرف غاني، ووزير الخارجية السابق عبدالله· صحيح أن هذين الرجلين يتمتعان بمؤهلات مذهلة، غير أنه علينا أن نتذكر أن المسؤولين الأميركيين كانوا في وقت من الأوقات يرون في إياد علاوي أيضاً المنقذ للعراق قبل أن يقع اختيارهم على إبراهيم الجعفري، ثم ينحوه ويختاروا المالكي الذي عرفت سمعته تأرجحاً كبيراً· وبذلك يمكن القول إن سجل الأميركيين بخصوص انتقاء زعماء بلدان أجنبية يفتقر إلى الثبات، في أحسن الأحوال· وعليه، فبدلا من التركيز على أخطاء وهفوات كرزاي إلى حد الهوس، ربما يجدر بنا أن نضع نصب أعيننا المشكلة الحقيقية، ألا وهي انعدام الأمن· فالجهود الرامية لتحسين الوضع الأمني لا يمكن أن تكون رهينة لجهود تحسين الإدارة الحكومية· وعلى غرار العراق، فإن الحل في أفغانستان يكمن في إرسال تعزيزات عسكرية لتطبيق استراتيجية كلاسيكية لمحاربة التمرد تركز على حماية الناس، لأنه فقط حين تتحسن الأوضاع الأمنية، سيكون الرئيس الأفغاني، بغض النظر عن الشخص الذي سيشغل هذا المنصب، قادراً على العمل بفعالية ونجاح· ماكس بوت زميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©