السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد تنفو: الكتابة لا تعرف التجنيس

محمد تنفو: الكتابة لا تعرف التجنيس
19 يناير 2012
يعتقد القاص والناقد والأكاديمي المغربي محمد تنفو، الفائز بالجائزة الأولى للشارقة عن بحثه “القصة القصيرة المغربية: المعايير الجمالية والمغامرة النصية”، أن الجوائز الثقافية تستمد أهميتها من دلالاتها الرمزية، فهي تأتي لتحتفي بالمبدع وتشعره بقيمة ما ينتج. ويعترف أن الإنتاج الإبداعي في العالم العربي بألف خير، ويستعرض في حوار مع “الاتحاد الثقافي” ملامح المشهد القصصي في منطقة الخليج، مؤكداً أن القصة القصيرة في الإمارات ذات ملامح وسمات محددة. يشير محمد تنفو إلى أن القصة القصيرة جداً نوع أدبي يتوفر على جميع العناصر والمكونات التي تتميز بها القصة القصيرة، ويرى أن البحث في القصة القصيرة جداً واكتشاف ميزاتها ومكامن الإبداع فيها وتأطيرها أفضل من الجدل حول اسمها وجنسها، ويتطرق الى عدد من القضايا الثقافية في هذا الحوار: ? فزت مؤخرا بجائزة الشارقة كيف تلقيت خبر الفوز ؟ ? في الحقيقة، لا أخفيك القول إنني قد شعرت بسعادة كبيرة، طالما أنها أمدتني بجرعة كبيرة من الأمل، وبطاقة هائلة نحو مزيد من العمل والعطاء. فالجوائز تكليف وليست تشريفا، تحث المتلقي على أن يطور مستواه. أحيانا ينتاب المبدع والمثقف بعض اليأس، وربما قد يطرح سؤالا حول جدوى ما يقوم به؟ لكن يأتي الاحتفاء بالمبدع والاحتفال بكتابته بلسماً شافياً من الضغوط، ويؤكد له أنه يسير في الطريق الصحيح. الجائزة مناسبة جميلة جدا للاحتفاء بالإنتاجات العربية، ورفعها إلى أعلى عليين. ومناسبة أيضا، للتعرف من كثب على المبدعين العرب. في الحقيقة أعترف، أن الإنتاج الإبداعي في العالم العربي بألف خير. فقط يحتاج إلى من يهتم به، من يبرزه، من يبحث عنه في الهامش، من يحتفي به وبأصحابه. معايير الجمال ? هل تفصِّل لنا الحديث حول كتابك “القصة القصيرة المغربية: المعايير الجمالية والمغامرة النصية” الفائز بالجائزة؟ ? الكتاب عبارة عن قراءة متواضعة في القصة القصيرة المغربية. حاولت أن تقف عند بعض خصائص القصة القصيرة وسماتها، أقصد التقاطعات التي يلتقي فيها القصاصون المغاربة، والتميزات التي تسم كل قاص على حدة. حاولت جاهدا أن أقف عند المعايير الجمالية التي تستند على الإحساس والتذوق والتقويم، وتتوسل بالشعور والفكر والفلسفة وعلم النفس، وعند المغامرة التي لا تقف على رجليها دون الاستعانة بالأساطير والرموز. تتبدى المعايير الجمالية التي تنضح بها القصة القصيرة المغربية في الاحتفاء بالماضي والذكريات والطفولة، والانتقال من الكتابة إلى الانكتاب، وتوسل التذكر والحلم، واعتماد شخصيات تليدة ومرجعيات قديمة وأماكن سطت عليها أيادي الزمان؛ والمفارقة التي تسعف في تأجيج الصراع داخل المتن القصصي المغربي، صراع بين حاضر سوداوي وبين ماض جميل؛ والعجائبي الذي مكن من خلق عالم متميز يستفز القارئ ويقلقه ويحيره، ومن تحقيق وظائف نفعية ودلالية وتركيبية. وتتمثل المغامرة المنسقة والمنظمة الخاضعة لتخطيط مسبق، والجماعية القائمة على الوعي النظري بالجنس القصصي، الطامحة إلى تجاوز وتخطي المحطات التي بلغها المغامرون السابقون، في توسل اللغة بأبعادها الغنية ومستوياتها المتعددة، والتوكؤ على الرموز الحبلى بالدلالات. المغامرة عينها عملت على ملامسة الدلالات الجزئية الثاوية وراء الرموز، وإجراء قراءة تسمح بملامسة الدلالات الكلية للرموز في أبعادها الاجتماعية المنسجمة انسجاما بديعا. كان ضروريا الاستعانة بالأحلام وبلغتها التي تسعف في الوقوف عند اللاوعي الجمعي، وبتوسل العوامل النفسية وبعمليات ذهنية معقدة بعيدة عن المنطق العلمي الموضوعي، وممسكة بخيوط اللعبة التي تخضع لمنطق الفكر الأسطوري. مشهد متحرك ? ماذا عن المشهد القصصي في دول الخليج العربي؟ ? يعرف المشهد القصصي بدول الخليج حركية ملحوظة ونموا مطردا. سواء من جهة الكم أم من حيث النوع. أما إذا عرجنا على القصة القصيرة بالإمارات، فإننا نكتشف أنها ذات ملامح وسمات محددة. ما يمكن قوله حول القصة الخليجية عموما هو أن شكلها تغير وفق تغير شكل المجتمع، كما أن القصاصين قد حاولوا الانفتاح على باقي الفنون قصد الاستفادة منها، وعملوا على تطعيم اللغة بماء الشعر. ما يمكن تسجيله حول التجربة القصصية الإماراتية، بشكل مختزل، هو اشتغالها الخاص على التقابل الحاصل بين فضاءات عدة من قبيل المدينة والصحراء، وعلى عدة ثنائيات مثل ثنائية الأنا والآخر، الفرد والمجتمع، ناهيك عن معالجتها لصراع الرجل والمرأة، وسطوة العولمة. ? كيف ترى مستقبل الثقافة في المنطقة؟ ? لا يمكننا أن نغض الطرف عن التطور الذي تشهده الساحة الثقافية في هذه المنطقة. طبعا لم يأت ذلك بمحض الصدفة، بل هناك مشاريع ثقافية جادة ومهمة، ومجهود جبار يصل صداه إلى البلدان العربية الأخرى. ولكي نقطع دابر الشك باليقين أشير إلى ملتقى الشارقة للشعر العربي الذي دأب بيت الشعر على تنظيمه، والندوات العلمية المتخصصة، ويكفينا الوقوف عند المواد الدسمة التي تزخر بها مجلات تأتينا من المنطقة وعلى رأسها مجلتا “الرافد” و”دبي الثقافية “ والكتب المرفقة بها. ولن ننسى جائزة البوكر في نسختها العربية التي يسهر عليها مثقفون ونقاد عرب وأجانب. هناك غيرة على الإبداع المكتوب بلغة الضاد، وهناك استراتيجية، وهناك مشروع واضح. نتمنى له الاستمرارية والدوام. المتهمة البريئة ? يقال إن القصة القصيرة جداً مجرد موضة لا تنبني على أساس ما تعليقك؟ ? أنا ضد من ينظر إلى القصة القصيرة جدا من خارج القصة القصيرة. القصة القصيرة جداً نوع قصصي خرج من معطف القصة القصيرة، مثلما خرج الشعر الحر وقصيدة النثر من معطف الشعر العمودي. المشكلة ليست في التسمية، ولا داعي لتضييع الوقت والمجهود في البحث عن الأسماء والمصطلحات. يجب أن ينصب اهتمام النقاد على المتن القصصي القصير جدا، أن يقف عند خصائصها ومكوناتها. وهذا العمل قمين بوضع نظرية للقصة القصيرة جدا. إنني أنظر إلى الجدال القائم الآن بين أنصار القصة القصيرة جدا والرافضين لها والناظرين لها من بعيد بتحفظ كبير نظرة متفائلة. إنني أراه مسألة صحية تخدم الإبداع عموما والقصة القصيرة جداً بشكل خاص. فالأدب، عموما، حافل بمثل هذه الصراعات. فلا يخفى على المطلع عليه، الصراع بين أنصار اللفظ وأنصار المعنى، بين من منح الأولوية للفظ على المعنى، وبين من أعطى قصب السبق للمعنى؛ بين من انتصر لأبي تمام، وبين من دافع عن البحتري. إن جميع المكونات والعناصر التي تنضح بها القصة القصيرة تحضر في القصة القصيرة جدا بشكل مختلف. فالقصة القصيرة جداً لا تخلو من شخصيات وأمكنة وأزمنة وأحداث. الشخصية في القصة القصيرة جدا تتمظهر بشكل مختلف، سيما أن هذا النوع من القصص يراهن على الفكرة المتاهة التي تتطلب تأويلا وليس تفسيرا. ويعمل على الوقوف عند جانب محدد من الشخصية أو جزء منها، خصوصا ذلك الجانب الذي يخدم بناءها. الرواية تسعف في ملامسة الشخصية في أبعادها النفسية والاجتماعية والفكرية. إنها تحتاج إلى مجتمع بأسره. أما القصة القصيرة جدا فهي نوع أدبي يرتكز على حكاية خالية تماما من الاستطرادات وكثرة التعليقات والوصف، تتوكأ على التكثيف والاختزال في كل شيء، تنهل من الأشكال البسيطة من قبيل النكتة والخبر والحكمة والمثل ما يلائم بنيتها. لكن إذا كانت النكتة شكلا شفاهيا لحظيا، يتبخر مثل فقاعات الصابون؛ يضحك في الوهلة الأولى، ثم يصبح بعد ذلك مبتذلا، تمجه الأذن ويموت ويذبل من كثرة الاستماع؛ فإن القصة القصيرة جدا فن كتابي واع، قد يثير الضحك والمرح والدهشة، لكنه يمكن أن يولد لدى المتلقي الاشمئزاز والغثيان والقلق والقرف والضجر؛ القصة القصيرة جداً أزلية وخالدة، تحيا من كثرة القراءة والتداول، لا تقدم فهما واحدا، كما هو الأمر في النكتة التي تمنح فهما واحدا وإدراكا وحيدا لجميع المستمعين؛ بل يبدأ عملها بعد فراغ المتلقي من قراءتها، وتدفعه إلى إعادة كتابتها من جديد، تحثه على تفكيك الفكرة المتاهة.. الفكرة الأم.. الفكرة الملكة، وتشظيتها لتوليد ما لا يحصى من الأفكار. كتابة خارج النموذج ? طغى التجريب بحدة على المنجز القصصي خاصة في المغرب، ما آثار هذا المعطى على النص القصصي؟ ? التجريب يتطلب الوعي النظري بالجنس القصصي، وتجاوز التجارب القصصية السابقة، والانفتاح على الأجناس والفنون الأخرى من قبيل الرواية والشعر والمسرح والسينما.. وغيرها. إنه كتابة خارج النموذج والنمط والسائد. ليس هناك تجريب واحد بل هناك تجريب متعدد. قد يلمس اللغة، قد يعالج الفكرة، قد يرتبط بالخطاب، قد يتعلق بالقصة. ليس هناك طغيان مطلق للتجريب، بل ألاحظ اتجاهين مختلفين في الكتابة. الأول يتخذ التجريب مشجبا لكي يعلق عليه عجزه عن كتابة قصة وفق المعايير المحددة، أقول لأصحاب هذا الاتجاه وهم غالبا كتاب مبتدئون، لا يمكن إطلاقا لكاتب أن ينتقل لكتابة تجريبية قبل أن يتمكن من هضم القصة الكلاسيكية، لا يمكن له أن يكتب دون ذاكرة، ولا يمكنه أن يدبج سطرا واحدا وهو لا يعرف ما يروج في الساحة من قصص. الاتجاه الثاني، راكم كتابات، ويعمل على تجديد أدواته وآلياته، ويحترم الكتابة ولا يستسهلها، لا سيما أنه يعلم علم اليقين أن قلع ضرس أهون من قول بيت شعر. ? بدأت القصة المغربية تتخلص تدريجيا من السرد لصالح عناصر جديدة، ألا ترى بأن هذا من شأنه التأثير سلبا على مستقبلها؟ ? لا يمكن للتطور الذي تعرفه الأجناس الأدبية أن يؤثر سلبا على مستقبلها. فالشعر قد عرف تغيرات جذرية، وتخلى عن بحور الخليل، وظهرت قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. وهناك من شكك في قيمة هذين النوعين. لكن في النهاية، بقيت الكلمة الأخيرة للشعر الجيد. أرى أن الاختلاف أمر إيجابي يخدم الإبداع بصفة عامة. المهم ألا نكون شوفينيين. يجب أن نرجع إلى الماضي لأخذ العبرة. شعر النقائض تمخض عن صراع إبداعي بين عدة شعراء، وكثير من النقد ترتب عن تمرد البحتري عن أستاذه أبي تمام. فتطور الأجناس أمر حتمي، والتخلي عن أسس قمين بإبراز أسس أخرى. المهم هو الوعي بالأسس الجديدة. ? هل ترى أن الكتابة القصصية النسائية أضافت شيئا إلى متراكم القصة العربية؟ ? من رأيي، يجب عدم التمييز بين الكتابتين وفق جنس الكاتب. فلا يجب الانطلاق من الكاتب إلى المكتوب. هذه الرؤية تؤثر سلبا على المهتم والمتتبع. فهناك قصص مفعمة بالذكورة رغم أن كاتبها أنثى، وهناك قصص تنضح بالأنوثة رغم أن كتابها ذكور. يجب عدم الوقوع في فخ أن يكون النص وسيلة للحديث عن الكاتب. بل يلزم الاهتمام أولا وأخيرا بالنص بغض النظر عن كاتبه أو كاتبته. فجنس الكاتب ليس شرطا للجودة. الجودة والجمالية تتمظهر في النص. ألم يتحدث بارت عن موت المؤلف؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©