الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برازيل تحت الأنقاض

14 يوليو 2014 01:22
أيقنت وأنا أشاهد كيف رقص الهولنديون فوق جثة البرازيليين في مباراة الترضية، أن القهر النفسي إذا بلغ درجة كبيرة من التورم استحال على الملكات الإبداعية أن تتحرر من قيودها وعلى الكبرياء أن يتطهر مما علق به من عار واستحال على أي فريق أن ينتزع من جوف ذاته أداءً فنياً يسمو به فوق الرداءة والركاكة واجترار الأخطاء، فما كان عليه المنتخب البرازيلي في مباراته الترتيبية التي أصر على أن يجعل منها صك غفران من ارتباك ومن رجفة ومن ضياع تكتيكي دل على أن هناك حطاماً مهولاً وعلى أن هناك أنقاض منتخب يجثم تحت الغبار والعار. كانت مسافة وحجم القهر بين المنتخبين البرازيلي والهولندي مؤثرة إلى حد بعيد في رسم جغرافيا مباراة المركزين الثالث والرابع، فتوغل القهر في نفوس البرازيليين بعد الخسارة الكارثية أمام المنتخب الألماني وضياع حلم القبض على النجمة المونديالية السادسة كان أقوى منه عند الهولنديين الذين ما فارق بينهم وبين النهائي الرابع لهم والثاني على التوالي إلا حظ عاثر حسم الضربات الترجيحية لفائدة منافسهم، لذلك سنجد أن المنتخب البرازيلي برغم ما أدخله سكولاري من تغييرات على التشكيل البشري لم يعثر على الدافع النفسي والحافز البسيكولوجي الذي يعلو فوق الخيبة والوجع والإحباط، فيما كان اللاعبون الهولنديون أكثر طلاقة وحماساً وتحفزاً، ما أهلهم لأن يكملوا ما بدأه الألمان من تحنيط للكرة البرازيلية لإعلان حالة الطوارئ المستعجلة والتي تقتضي أن يجتمع الحكماء تحت سقف الإدارة الفنية البرازيلية لتشريح الإخفاق والفشل ووضع اليد على مسببات هذا الموت السريري المعلن للكرة البرازيلية. قال البعض إنها نهاية لما بقي من الكرة الجميلة أو الكرة الرومانسية، ولست أدري إن كانت كرة القدم التي تلعبها البرازيل منذ بداية الألفية الثالثة تستحق أن تحمل وصف الكرة الجميلة، فما كنا نشاهده في مونديالات تلت المونديال الأسطوري للبرازيل بمونديال إيطاليا سنة 1982 صورة مشوهة لكرة جميلة ونسخة طبق الأصل من كرات حاول أصحابها عقلنتها ضداً عن الطبيعة وضداً عن أحكام المطابقة التي هي أصل من أصول الجمال والإبداع، تحول البرازيليون في لحظة من الزمن بإيحاء من الخبراء إلا لاعبون مفرغون من وعائهم الإبداعي، فهناك إلحاح على رفع درجة القتالية وعلى التشبع بقيم الدفاعية عوضاً عن الولاء الكامل للهجومية المطلقة، وهناك تحريف للمبدأ الجمالي الذي تقوم عليه كرة القدم البرازيلية، حتى أن من جاؤوا لتدريب المنتخب البرازيلي في العقدين الأخيرين إما كانوا جالبين لأسلوب اللعب الأوروبي برطوبته وصقيعه ومستلزماته النفسية والبدنية قبل الفنية، وإما كانوا كالجنرالات في الثكنات العسكرية يمنعون كل ما له علاقة بالمتخيل وبالتلقائية، وقد كان المنتخب البرازيلي الذي شاهدناه في المونديال الأخير في ترنحه ثم في سقوطه الفظيع منتهى حزين لهذا الانسلاخ الكامل عن بيئة الكرة البرازيلية. منتخب البرازيل الذي عودنا في كل مونديالاته، حتى تلك التي لا يصل نهايتها أو حتى دورها نصف النهائي على أن يبقي في المدى حوافره والدليل على عنفوانه الهجومي، كان في المونديال الذي لعبه بين جماهيره شحيحاً في توقيع الأهداف وبخيلاً في إنتاج الفرجة التي هي صورة من بلاغة الأداء الجماعي بكل زخارفه الفنية وسخياً في فتح مرماه لهجوم المنافسين حتى أنه في ظرف 180 دقيقة فقط تلقت شباكه عشرة أهداف. رجاء أعيدوا لنا الكرة البرازيلية التي أحببناها. drissi44@yahoo.fr
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©