الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحريم الجمع بين المحارم من «المصالح المرسلة»

تحريم الجمع بين المحارم من «المصالح المرسلة»
15 يوليو 2014 00:22
أحمد شعبان (القاهرة) «المصالح المرسلة» من المصطلحات الشرعية، وهي المصالح التي لا يوجد دليل شرعي خاص باعتبارها أو إلغائها ولكنها تتفق مع مقاصد الشريعة وأهدافها العامة وبذلك يكون بناء الأحكام عليها يحقق مصالح الناس. ويقول الدكتور محمد الدسوقي- أستاذ الفقه بقسم الشريعة كلية دار العلوم جامعة القاهرة: بما أن الأحكام الشرعية إنما شرعت لتحقيق مصالح الناس، فتكون الأحكام المبنية عليها ومنها المصلحة المرسلة شرعية والشريعة الإسلامية عامة لكل الناس وخاتمة للشرائع كلها ومستوعبة لمصالح البشر على اختلاف وقائعهم وأمكنتهم وأزمانهم وأحوالهم ولم يأت وصفها بذلك إلا إذا كان الاستصلاح حجة، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المصالح المرسلة: هو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة وليس في الشرع ما ينفيه فالمصلحة المرسلة هي كل منفعة ملائمة لتصرفات الشارع دون أن يشهد لها بالاعتبار أو الإلغاء أصل معين لكن شهد لها أصل كلي قائم على مبدأ رفع الحرج ونفي الضرر في الإسلام. آيات وهُناك الكثير من الآيات القرآنية التي تدل على أن التشريع الإسلامي قائم على مصالح العباد والذي أطلق عليه في الشريعة الإسلامية المصالح المرسلة ومن هذه الآيات قول الحق تبارك وتعالى في بيان الحكمة من بعثة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، «سورة الأنبياء: الآية 107»، فقد بين سبحانه وتعالى الحكمة من بعثته- صلى الله عليه وسلم- وهي رحمة الخلائق جميعاً ولو لم تكن مصلحة لخلا الإرسال من الرحمة فرحمته- صلى الله عليه وسلم- عمت جميع الكائنات. ومن الآيات الدالة على رعاية المصالح الآيات التي تتحدث عن التيسير على هذه الأمة ورفع الحرج عنها ومنها قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...)، «سورة البقرة: الآية 185»، وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، «سورة المائدة: الآية 6»، تشير هاتان الآيتان إلى رفع العسر وإزالة الحرج عن الأمة فيما ألزمها به من أحكام وهذا يدل على أن أحكام هذه الشريعة دائرة مع مصالح العباد ومحققة لما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة. أدلة ومن أدلة المصالح المرسلة في القرآن أيضا ما قال الله تعالى في سورة الكهف عن أعمال الخضر التي اعترض عليها نبي الله موسى - عليهما الصلاة والسلام- لما ظهر له من مخالفتها للشرع فلما نبأه بتأويلها وبين له ما قصده فيها من المصلحة سلم له فقصة الخضر مع موسى لم تكن مخالفة لشرع وأمر الله بل ما فعله الخضر هو مأمور به في الشرع بشرط أن يعلم من مصلحته ما علمه الخضر فإنه لم يفعل محرما ولكن خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار كل ذلك من المصالح وإن إتلاف بعض المال لصلاح أكثره هو أمر مشروع دائماً، وكذلك قتل الإنسان المجرم لحفظ دين غيره أمر مشروع. واستدل على حجية المصالح المرسلة من السنة النبوية بأحاديث نبوية تدل على ذلك منها قوله - صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وعدم إلحاق المرء الضرر بغيره مطلقاً وإذا كان الإسلام قد نهى عن أن يضر بعض الناس، فإنه يدل بمفهوم المخالفة على مراعاة مصالح الناس وهو أمر واضح الدلالة. وكذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وعلل ذلك بمصلحة تعود على الأسرة وهي الإبقاء على صلة الرحم والتحذير من قطعها فقال- صلى الله عليه وسلم: «إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم»، ففي الحديث رعاية للمصلحة التي هي صلة الأرحام ونهى عن شيء يؤدي إلى مفسدة وهو الجمع بين المحارم فرسالته - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعامة والخاصة فمن قبلها وما فيها من رحمة وشكر لله سعد في الدنيا والآخرة وهذا غاية المصلحة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة. مقاصد وعندما تولى خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إمرة المسلمين في غزوة مؤتة مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمره فيها، وإنما مستندة في ذلك للمصلحة الشرعية إذ كانت تقتضي وجود قائد للجيش، وليس ثم نص يرجع إليه في ذلك وقد أثنى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك استخلاف أبي بكر لعمر فقد جاء في كتب التاريخ الإسلامي أن أبا بكر عند موته استخلف عمر بن الخطاب ليتولى أمور المسلمين من بعده خوفاً من تفرقة كلمة المسلمين مع أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف أبا بكر لكنه لم ينه عنه، فأصبح أمر الاستخلاف من الأمور التي لم يقم دليل على ثبوتها كما لم يقم دليل على إلغائها وهذا من المصلحة المرسلة. وأجمع الصحابة - رضي الله عنهم - على العمل بالمصالح المرسلة في وقائع كثيرة مثل جمع القرآن في مصحف واحد في عصر أبي بكر خوفاً من ضياعه وخاصة بعد وفاة الكثيرين من حفظة القرآن في موقعة اليمامة، فهذا العمل لم يرد بشأنه دليل خاص لا باعتباره أو إلغائه ولكنه يحقق مصلحة كبرى تتفق مع مقاصد الشريعة وهي المحافظة على القرآن الكريم من الضياع. واشترط العلماء للأخذ بالمصالح المرسلة أن لا تعارض نصاً - من الكتاب أو السنة - ولا إجماعا وأن تكون ملائمة لتصرفات الشارع بأن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©