الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المصيدة امرأة

المصيدة امرأة
30 يونيو 2011 20:11
تكررت الاتصالات الهاتفية التي يتلقاها “إبراهيم” على هاتفه المحمول من الرقم نفسه الذي تعتذر صاحبته بكل أدب وتبالغ في كلمات الأسف بما لا يخفي أنها تريد إطالة الحديث معه، إلا أنها هذه المرة راحت تمدح أخلاقه وتحمله اتصالاتها المتكررة الخاطئة في أوقات متأخرة في الليل والنهار، وزادت على ذلك أنها سألته عن اسمه لأن مثله يستحق الصداقة والتعامل معه. لم يتردد “إبراهيم” كثيراً وهو يبلغها باسمه، فهو قبل كل شيء شاب في الرابعة والعشرين، ولا يرفض أن تكون له علاقات نسائية بريئة حتى لو اقتصرت على الكلام في الهاتف، خاصة وانه منذ أنهى دراسته الجامعية قبل عامين وهو في فراغ عاطفي وعملي إذ لم تتح له حتى الآن فرصة عمل في ظل البطالة المستشرية، كاد أن يصاب بالغرور لكثرة إطرائها عليه وإعجابها باسمه رغم أنه اسم عادي شائع إلا أنها راحت تسوق له أسباب إعجابها من دون أن يسألها. اعتاد “إبراهيم” اتصالاتها الكثيرة، واطمأن لها لأنها لم تكن مثل الأخريات اللاتي يتصلن بالشباب ويطلبن منهم كارت شحن ليتمكن من الاتصال بهم أو هو مقابل الكلام، لكن “منال” كانت مختلفة فهي التي تتحمل تكلفة الاتصال وتتحدث معه وقتاً طويلا، مؤكدة له أنه لو كان الأمر بيدها ما تركته لحظة واحدة، وعلى حد تعبيرها أنها تعودت أن تستيقظ وتنام على صوته الذي أدمنته، وربما من قبيل المجاملة في البداية كان يبادلها بعض الكلمات الرقيقة أو يبثها بيتاً من الشعر الرقيق، وما لبث أن تعلق بها وأصبح ينتظر اتصالاتها على أحر من الجمر، وإن لم يكن يبادر هو بالاتصال نزولا على رغبتها لأنها أخبرته أن أسرتها ملتزمة ومتشددة ولو علم أبوها أو أحد إخوتها بذلك فقد تكون نهاية حياتها، فخوفا عليها من ناحية وخشية من أسرتها من ناحية أخرى لم يقدم ولا مرة على هذه المغامرة وخاصة أنها لا تتوانى في الاتصال به ولا تترك فرصة للوعة الانتظار. مع تحذيراتها السابقة لم يجرؤ على طلب لقائها لأنه اعتبره ضرباً من المستحيل، ولا يريد أن يطلب طلباً يعرف انه مستحيل أو مرفوض فإذا كانت تخشى أن تضبط متلبسة بالكلام فكيف لها أن تخرج وهي تحت تلك الحراسة المشددة، لذلك فوجئ بما يصل إلى حد الصدمة الجميلة عندما طلبت منه اللقاء لأنه ليس من المعقول أن تكون علاقتهما كلامية فقط طوال شهرين، بل تعترف له بأنها اشتاقت لرؤيته لتثبت لنفسها أن صورته التي تخيلتها هي نفسها الحقيقية، وطمأنته أنها ستختلس بعض الوقت بعد زيارة خالتها لتلتقيه دون أن يشعر أحد بتأخرها أو يشك في ذلك. قضى “إبراهيم” ليلته يراجع في مخيلته صورتها وهل هو أيضا سينجح في رسم صورة قريبة من حقيقتها، أم سيخدع فيها حيث انه ليس بالضرورة أن تكون صاحبة الصوت الجميل جميلة بل على العكس فمعظم صاحبات الأصوات الرقيقة دميمات وهذا عن تجارب كثيرة له من خلال الحياة، إلا أنه في النهاية خلد إلى النوم فالنتيجة ليست بهذه الأهمية فأنها مجرد فتاة وبيده القرار ولن يخسر شيئا، ولم يتورط بعد في علاقة عاطفية معها، وقلبه مازال تحت السيطرة. لكن عندما وقعت عيناه عليها لم يصدق نفسه لولا مواصفات الملابس التي أخبرته أنها سترتديها والمكان المحدد للقاء، فرفرف قلبه وكاد يخرج من صدره من السعادة، اقترب وهو واثق الخطوة وألقى عليها التحية فردت بكل حياء وهي تحاول أن تبعد عينيها عن عينيه حتى لا يظهر ضعفها أمامه، وأكد كل منهما للآخر أن الحقيقة أجمل من الخيال بمئات المرات، وبعد كلمات محدودة ودقائق معدودة استأذنت بالرحيل، حسب الاتفاق بينهما لأن هذا الوقت مستقطع ومختلس ولم يرد أن يضغط عليها خوفا عليها من قسوة وعقاب أسرتها المتمسكة بالعادات والتقاليد، واكتفى بلمس يدها وهو يودعها ويتابعها بناظريه إلى أن اختفت. “إبراهيم” لا يعرف إلى أين تسير به هذه العلاقة بعد تكرار لقاءاتهما، لكن المؤكد أنه لا يفكر الآن في الزواج لأنه غير مستعد على الإطلاق فلم يكن له مسكن خاص ولا عمل ولا مصدر كسب ومن الطبيعي أن يعرف إمكاناته ويقدر لرجله قبل الخطو موضعها، إلا أنه يتخوف من أن تلقي عليه السؤال المباغت الذي تصدم به الفتاة فتاها عن نهاية علاقتهما والى اين تسير، لكن بينه وبين نفسه قرر أن يكون جاهزا بالحقيقة بلا مواربة وإذا كان الكذب ينجي فإن الصدق أنجى. لكن لم يكن هذا ما حدث بل لا علاقة به من قريب أو بعيد، كانت مفاجأة من العيار الثقيل ومما لا يخطر له على بال، فبينما هو معها في أحد لقاءاتهما وجد من يقف على رأسيهما، ويشهر سلاحاً في وجهه ويجبره على السير معه في هدوء وإلا كانت نهايته برصاصة واحدة، والغريب أن هذا الرجل اومأ للفتاة بعلامة النصر، إلى أن وصلوا إلى شقة صغيرة في منطقة نائية، هنا ظهرت الحقيقة المرة الغريبة، فهذا الرجل زوج هذه المرأة وانهما خطفاه لطلب فدية من أبيه، وما هما إلا عصابة إجرامية تعتمد على هذه الطريقة في الإيقاع بضحاياهما، لم تؤثر توسلاته ولم تغير من الأمر شيئاً، فأمثال هؤلاء لا يعرفون العواطف والمشاعر ولا يعبأون بالدموع، ولا تجدي معهم الدعوات، فقد ماتت قلوبهم ولا يعنيهم إلا الهدف الذي يسعون لتحقيقه وهو جمع المال والغاية عندهم تبرر الوسيلة، أدرك الآن أنه وقع في فخ امرأة استطاعت أن تخدعه وتتلاعب به، ونجحت في مهمتها التمثيلية ببراعة وبالتخطيط مع زوجها الذي لم يظهر إلا في الوقت المناسب، ولا مفر له من القيود التي كبلوه بها حتى لا يتمكن من الهروب. نجحت عملياتهما السابقة في الإيقاع بالكثير من الضحايا، وكانت نتيجتها الاستيلاء على أموالهم وهواتفهم المحمولة ومتعلقاتهم وتركهم يذهبون إلى حال سبيلهم، ولم يكتشف أمرهما لأن الضحايا يحجمون عن الإبلاغ خشية الفضيحة، لكن هذه المرة فان الضحية لا يملك شيئا ولا يصح أن تنتهي العملية من غير صيد، لذلك قررا أن يكون التصرف مختلفا فقام الزوج بالاتصال بوالد “إبراهيم” يبلغه أن ابنه مخطوف وعليه أن يدفع عشرة آلاف دولار فدية، ولا يبلغ البوليس وإذا تأخر في الاستجابة أو خالف الأوامر فانه لن يرى ابنه مرة أخرى على قيد الحياة وسيعود إليه جثة مقطعة في شوال، كاد قلب الأب ينخلع من مكانه، فالمتحدث جاد ونبرته حاده، لا يدري ماذا يفعل وابنه فلذة كبده في خطر يواجه الموت وعليه أن يتصرف بحكمة لإنقاذه، لكن كيف وهو لا يملك المبلغ ولا يستطيع ان يدبره. لم يجد غير إبلاغ الشرطة وتم وضع خطة بحيث يتظاهر الرجل بانه وافق على المطالب، وعندما يتم الاتصال به مرة أخرى فإنهم سيقومون بالتصرف، وفي الصباح تلقى الرجل اتصالا حدد فيه المتصل المكان الذي سيتم فيه تسلم المبلغ مع تجديد تحذيره بحدة إن هو ابلغ الشرطة، وعندما توجه بالمبلغ الذي أعده رجال البوليس ظل في مكانه منتظراً أكثر من ثلاث ساعات ولم يأت أحد، حتى جاءه اتصال آخر بتغيير المكان، وعندما سأل عن السبب أخبره من قبيل الحذر والتأكد من عدم الإبلاغ، فتوجه الرجل إلى المكان الجديد وهو يضع يده على قلبه ويتعجل الثواني لإطلاق سراح ابنه، وانتظر اكثر مما انتظر في المرة الأولى وبعدها أيضا فوجئ باتصال ثالث لتغيير المكان في مدينة أخرى، ولم يكن أمامه اختيار إلا الاستجابة رغم انفه بلا جدال خاصة وأن المتصل لا يدع له فرصة للنقاش أو الاستفسار. هذه المرة فور وصوله ظهر له من ينزع من يده المبلغ ويعده بأن ابنه سيعود إليه بعد ساعة، وعندما حاول أن يفر وجد من يحيط به من رجال البوليس والقوا القبض عليه، واصطحبوه حيث يقيم وهناك عثروا على “إبراهيم” مقيدا، ومعه العاشقة المزيفة التي انهارت فور رؤية رجال الشرطة ومعهم زوجها مكبلا بالقيود، والذي بدأ أقواله بإلقاء التهمة على زوجته، مؤكدا أنها هي التي استدرجته ولا علاقة له بالجريمة، بينما وصفته هي بالنذالة، وأنها لن تبقى على ذمته يوما بعد الآن، وستخلعه بعد أن تخرج من السجن واعترفت بكل التفاصيل وزادت عليها ما ارتكباه من جرائم سابقة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©